دمشق عاصمة الياسمين مكسر ومطحن لعظام الكابوي الأميركي

محمد أحمد الروسان

يقول نزار قبّاني: قرأت كتاب الأنوثة، حرفاً حرفاً، ولا زلت أجهل ماذا يدور برأس النساء . هذا ما قاله نزار، أمّا ما قاله كاتب هذه السطور، أنّ هناك ثلاثة أسرار في عالم البشرية: الله سبحانه وتعالى، ثم المرأة انْ كانت أمّاً أو زوجة أو بنتاً أو أختاً أو صديقةً، ثم لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق، فسياسة دمشق لغز من ألغاز البشرية. دمشق سيّدة الياسمين، عصيّة على من يحاول فك جدائلها، جدائلها تعربشت على نواصي رجال خبروها وأخبروها بعشقهم، سيّدة الياسمين ليست مثل أي امرأة من ماء وطين، سيّدة الياسمين امرأة من ماء بردى وطين الغوطة وبذور الجزيرة، جدائلها من سنابل القمح، جدائلها سياج قوم عرفوا أسرار الكون فكانت بداية التكوين، سيّدة الياسمين امرأة من عرفها مات في عشقها، ومن لم يعرفها مات على أطراف جديلتها، دمشق سيّدة الياسمين امرأة ليست كنساء الأرض، امرأة فيها كلّ أسرار رسالات السماء، فمن عرف السماء عرف رسائلها.

انّ منهجية التحليل السياسي تقضي بضرورة تفكيك المركب وتركيب المفكك، لا بل تفكيك المشهد الدولي والإقليمي والمحلي إلى أجزاء، ودراسة كلّ جزء لوحده على حدة، لغايات فهمه بالعمق المطلوب، قبل إعادة تركيب الصورة من جديد، بناءً على ما تعطيه الأجزاء من ارتباطات وتقاطعات وتباينات اتجاه المشهد العام. الدبلوماسية بالعمق تعني: هي فن أن تقول للآخرين بأن يذهبوا إلى الجحيم بطريقة تجعلهم يسألونك عن الاتجاهات قبل وأثناء دخولهم الجحيم، وكذا هي الدبلوماسية الروسية والسورية فلا أحد يعرف كيف تفكر دمشق، لكن دبلوماسية عرب روتانا الكاميكازيين مش حتئدر تغمض عينيك ، جعلتهم أن يسيروا في اتجاهات الجحيم من دون ارشادات بفعل الأميركي البراغماتي، فأن تكون حليفاً لواشنطن أكثر خطورةً من أن تكون عدوّاً لها، بالرغم من أنّ العداء لها له سلّة مخاطره، لكن أن تكون حليفاً لها أشدّ خطورةً، خاصةً إنْ كنت لا تلعب في الهوامش الممنوحة لك من قبل الأميركي نفسه، بمعنى أن تكون انبطاحيّاً دون أدنى تفكير أو دون محاولة إعمال العقل فقط، لذا صارت دبلوماسية استخبارات المثانات السورية ضرورة أممية لمختلف هياكل وأنظمة الحكم في العالم.

هل بدأت العاصمة الأميركية واشنطن دي سي وعبر نواة دولتها البوليسية العميقة البلدربيرغ جنين الحكومة الأممية ، بإعادة صناعة برّاداتها السياسية الخاصة ومكعّبات ثلجها من جديد، لغايات إطلاق مسارات حربها الباردة الجديدة القديمة مع روسيّا، بعد فعل وتفاعلات ومفاعيل الحياكة العسكرية الروسية لجلّ الجغرافيا السورية؟ هل مسارات إنتاجاتها المخابراتية بدأت في خلق وتخليق مومياءات حكم للعديد من دول العالم الثالث ما بعد مرحلة ما سمّي «الربيع العربي»، ومرحلة خلق وتخليق الستاتيكو الجديد بفعل روسي على جلّ المشهد الإقليمي والدولي عبر المسألة السورية وعقابيلها؟ أنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، والمتمثل في إعادة هيكلة الوجود الأميركي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأميركي من أفغانستان، بعد اعادة هندرة الوجود الأميركي في العراق، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الإرهاب وعبر معركة الموصل القادمة، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة، عبر إعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول الى تفاهمات مع التكتل الدولي الآخر وعنوانه موسكو. في أيّ مقاربات سياسية وعسكرية لتطورات الملف السوري، عليك أن تعي بعمق أنّه لا استدارات كاملة من أيّ طرف من أطراف المؤامرة على سورية، كونها تقارب المستحيل في المشهد السوري حتّى اللحظة الراهنة، ولا تستطيع التوقف بسهولة هكذا، كما العودة الى الخلف ليست فعلاً سهلاً، وصحيح واقع ومنطق أنّه ثمة انعطافات هنا وهناك، قد تؤسّس الى أنصاف أو أثلاث استدارات من قبل الطرف الثالث في الحدث السوري وأتباعه الكاميكازيين الانتحاريين من بعض العرب وبعض المسلمين. الهندسة الاستراتيجية للإرهابيين الآن في سورية، تقوم على توسيع جبهات القتال لإشغال قوّات وقطاعات الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان وتفاصيله، في محاولة أعتقد أنّها بائسة لإلهائها، وهذه هي رهانات الطرف الثالث في الحدث السوري والذي من شأنه إعاقة إتمام التسوية السياسية للمسألة السورية، والتي وصلت ارتداداتها الاستراتيجية على كامل الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه وفيه، وصارت تتحوّل ناراً وشنّاراً، وهي من ستحدّد مستقبل غرب آسيا لعشرات السنين المقبلة حيث الصراع عليه، ومفتاح الحلّ في هذه الأزمة هو المفتاح السوري، فمن يملك مفتاح سورية ترتفع حظوظه في امتلاك المنطقة غرب آسيا بأكملها .

ونلحظ أنّ الجيش السوري وحلفاءه قابلوا استراتيجية هندسة الإرهابيين السفلة، باستراتيجية تتموضع بمنطق جبهات الحرب العالمية وعلى كلّ الجغرافيا السورية، حيث الجبهة التي تسقط الثانية وتلقائيّاً تسقط هي الأخرى، وفي نفس الوقت يعمل على توسيع قاعدة وجود الدولة الوطنية السورية في البؤر وأماكن سيطرة الإرهابيين السفلة، ويجهد وحلفاؤه على عزل مدينة حلب عن الحدود التركية السورية، مما يقود الى توجيه رصاصات قاتلة وقاسمة للإرهابيين السفلة في الداخل الحلبي وريفه. معركة حلب معركة التركي لا السعودي ومحافظة إدلب صارت ساحة لتصفية الصراع على سورية وفي سورية. في حين نجد أنّ الجيش السوري والحلفاء ضبط وبنسبة كبيرة جدّاً الحدود السورية اللبنانية، ووسّع من انتشارات متفاقمة لقطاعاته في محافظة درعا المتاخمة للحدود مع الأردن، تزامن ذلك مع ضبط عمّان لحدودها مع سورية بنسبة تصل درجة الإغلاق التام، وتبقى الحدود السورية مع العراق كونها خارج التأثير الآن بسبب معارك الجيش العراقي والحشد الشعبي مع عصابات الدواعش، بجانب تفعيلات للطيران الحربي السوري والروسي لضرب أيّ تسلل لمجاميع الإرهاب المرتدّة من الداخل العراقي إلى الداخل السوري نتيجة المواجهات مع الجيش العراقي. ومع ديمومة الجيش السوري على عزل مناطق الإرهابيين عن بعضها البعض، انْ في حلب وانْ في اللاذقية، عبر استراتيجية التجزير العسكري، يكون قد حقّق نجاحات في قطع الوصال وشريان الحياة عن مجاميع الإرهاب في مختلف المحافظات السورية، وحصر رقعة القتال الأساسية في الشمال السوري، حيث لا جدوى للإرهابيين السفلة في الوسط السوري ومحيط دمشق بدون إمدادات بشرية ولوجستية أخرى من جغرافية الشمال السوري. تحاول جاهدة المملكة السعودية أن تعود وبقوّة الى الميدان السوري عبر أدواتها الإرهابية التي تدعمها، بعد انحسارات لنفوذ مجموعاتها الإرهابية والمحسوبة عليها لصالح المجموعات الإرهابية المحسوبة على أنقرة، والبدء في معارك ريف حماه الآن عبر أجناد القوقاز وجند الأقصى، وتمّت تسمية غزوة ريف حماه بغزوة مروان حديد، وهي غزوة البحث عن نفوذ سعودي مهدور في قلب الجغرافيا السورية، ولتوحي لمجاميع الإرهاب وبعض الأطراف الدولية أنّها تجيء في سياقات التمدّد التركي ثمة خديعة . وكالة المخابرات المركزية الأميركية هي كالضباع لا تستطيع العيش بمكان لا يحوي جيفاً تجتمع عليها، خاصة بعد إعادة هيكلة بعض أقسامها وهندرة البعض الآخر، حيث الهندرة بالمفهوم الأداري تعني الشطب وإعادة البناء عندما تفشل الهيكلة، فهي بمثابة مخابرات تبرير وفبركة لسباق تسلّح محموم، والولايات المتحدة الأميركية تعمل على استغبائنا واستغفالنا كعرب ومسلمين، فهي تعمل هذا الأوان على إعادة إنتاج مفهوم الخطر الإيراني من جديد وقولبته توليفاً وتوظيفاً، وبصورة غير مباشرة وتحت عنوان الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، وعلى شيطنة حزب الله اللبناني وبالتعاون والتنسيق مع الدولة العبرية الطارئة على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة ومع الأدوات القذرة في الداخل اللبناني وبعض الدواخل العربية من جماعات تكفيريّة وغيرها، مترافقاً مع شحن طائفي ومذهبي واثني عرقي، وذلك عبر اسطوانات إعلامية «بروباغنديّة» مشروخة، وتحت يافطة المحافظة على السلم والأمن الدوليين على المستوى الإقليمي والأممي، بشكل يتزامن مع تصعيد لمستويات الإرهاب المدخل الى الداخل السوري والداخل العراقي من دول جواره العربي وغير العربي، في استهداف الدولة الوطنية السورية والدولة الوطنية العراقية وموردهما البشري. والأتراك شعروا الآن أنهم تورّطوا بالتحالف مع جبهة النصرة وداعش وفتحوا لهم معسكرات تدريب في الداخل التركي في استهدافاتهم لسورية، وكيف استطاعت القاعدة وداعش اختراق جهاز الاستخبارت التركي والمخابرات التركية عبر الضبّاط الذين أفردوا للتعامل والتنسيق مع جبهة النصرة وداعش في الحدث السوري، حيث انتقل الوباء العقائدي والايدولوجي لهم، وتقارير المخابرات الإيرانية الى مجتمع المخابرات التركي لم تنقطع حيث مفادها أنّ جبهة النصرة وداعش صارتا تشكلان خلايا نائمة في الداخل التركي وتخترقان الأجهزة الأمنية التركية نتيجة التنسيق الأمني المشرّع معهما عبر حكومة أردوغان لاستهداف الدولة الوطنية السورية، ومنذ بل قبل بداية الحدث السوري بعام، وأنّ إيران وواشنطن ونتيجة للقاء غير معلن وضعت الدولة الوطنية الإيرانية ما في جعبتها من معلومات استخبارية على طاولة اللقاء مع واشنطن، وعلى أثر ذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بإرسال وفد أمني عالي المستوى معه مسؤولين من «أف بي أي» الى تركيا، وطلبت واشنطن من أنقرة وقف التنسيق مع جبهة النصرة وداعش، فقامت تركيا في حينه بوضعهما على قوائم الإرهاب الأممي والإقليمي وقبيل الطلب من داعش في تحركاتها السوريالية في المنطقة. فبين الواجب الأوروبي الأخلاقي وواقع السلوك السياسي والأمني الأوروبي، هوّة وبون شاسع لا يعرف أحد كيف يمكن ردمها حتى اللحظة في العالم، ويبقى السؤال الكبير والضخم أمام منظومات الأمن الأوروبية ومجتمعات استخبارات القارة العجوز: هل هناك استراتيجية أوروبية في الشرق الأوسط؟ هل لدى أوروبا قناعة بأنّ أميركا تسعى الى تفجيرها لإعادة صياغتها من جديد؟ المحور الأميركي في المنطقة والعالم، مصر بشكل هستيري على تشكيل مجموعات عسكرية، قد تطيل من أمد الصراع مع الإرهاب المدخل والمصنّع والمدعوم في سورية والعراق وليبيا وفي الداخل السيناوي المصري صحراء سيناء وفي المنطقة ككلّ، بدلاً من تقصيره ومحاربته واحتوائه، حيث الأهداف تتموضع لاستنزاف الدولة الوطنية السورية وحلفائها، تمهيداً لانهيار النظام وإسقاط الرئيس بشّار الأسد، واستنزاف وإرهاق الروسي في الداخل السوري، وتغيير الهندسة الاجتماعية للشرق الأوسط. لذلك نلحظ أنّه ثمة ولادات قيصرية من الخاصرة لمجموعات ميليشياوية عسكرية جديدة، وتحت عنوان محاربة الإرهاب ومقاتلة يأجوج ومأجوج العصر، نازيو القرن الحادي والعشرين، دواعش البلدربيرغ الأميركي، انْ في أو العراق، أو ليبيا، أو في صحراء سيناء، أو في أيّ ساحة أخرى، سواء كانت ضعيفة أو قوية في المنطقة، بعد أن يصار الى التمهيد والتهيئة عبر استراتيجيات الذئاب المنفردة لغايات التسخين، والبحث عن سلّة أدوات، وان لم توجد يصار الى خلقها أو تخليقها. وبين فقه البادية وفقه الساحل مسافات وفجوات عميقه بفعلنا، وثمة تواطؤ جهنمي عميق بين الأنظمة البالية والايديولوجيات البالية كذلك، أنظمة تعود الى القرون الوسطى، حوّلت فقه البادية الى ماكينات لختن أدمغتنا وغسلها لنصبح كزومبيات مبرمجة تسبّح بحمد راعي البقر الأميركي، وتسعى الى نقل العدوى وبعمق الى الشرق الأوكراني الآن حسب ما تفيد المعلومات وقراءات المعطيات المحيطة بتوسعات الناتو في أوروبا الشرقية. انّ أروقة صنع القرار في العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، تسعى الى كسب حروب الولايات المتحدة الأميركية سواءً في سورية أو أوكرانيا، وفي صراعاتها مع الصين وروسيّا، وفي فنزويلا وجلّ أسيا وفي كوبا، وحتّى في تايوان الدور الروسي واضح، بعد قرار المحكمة الدستورية في إقالة رئيسة الوزراء الجميلة شناوترا في نيسان عام 2014 أسف أوباما على رحيلها بعد أن أخذته بجمالها وغازلها علناً ، عبر مخططات هندسة توريط حلفائها وأدواتها، من خلال اجتراح هندسة أنواع جديدة من حروب وغزوات يخوضها الآخرون الأدوات ، بالنيابة عنها وعن المجمع الصناعي الحربي وبلدربيرغه في الداخل الأميركي، فيما تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالجلوس حول موقد نار حروبها، تلتقط الكستناء وبيض الحجل الطازج من بين ما أشعلته أيادي حلفائها وأدواتها وعملائها، بتوجيه وإيعاز من نواة إدارتها جنين الحكومة الأممية ، وعندّ الأزورار بالكستناء والبيض المشوي تحتسي النبيذ المعتّق حتّى لا تموت بازورارها. أوكرانيا وتفاعلات ومفاعيل أزمتها الراهنة، انْ لجهة الرأسي وانْ لجهة العرضي، ودور العامل الخارجي في تمفصلاتها وتحوصلاتها، جعلت منها مكسراً ومطحناً لعظام نتاجات الكباش الروسي الأميركي في أكثر من ملف في الشرق الأوسط. الأميركي قدّم تنازلات في الملف الإيراني والسوري وحزب الله والملف العراقي والملف اللبناني، وكان يحتاج إلى تغطية لجلّ ما تنازل عنه حتّى لا يجرح في كبريائه، فذهب الى فتح الملف الأوكراني لتخريب الساحة الروسية، وإثارة دخّان آخر للتغطية عن تنازلاته في الشرق الأوسط، رغم حاجته الى ستاتيكو في الأخير للتفرّغ لعدوّه القادم روسيّا والصين، والأخيرة تتعملق اقتصاديّاً والاقتصاد الأميركي صار مرهون الآن للاقتصاد الصيني، وبنت بكين جيشاً حديثاً ومتطورا، والجيش الروسي بقي قويّاً ومتماسكاً، والشعور القومي الروسي تنامى وتنامى عبر بوتين وسياساته، ومجتمع المخابرات الروسي توسّع في مجاله الجيوبولتيكي وصارت له أدواته الناعمة، والتي من شأنها أن تقود الى تغيّرات مثيرة في خرائط مجاله الحيوي، وكما هي الحال في تغيّر البنى السوسيولوجية والاستراتيجية لأوروبا، انْ تمادت الأخيرة في تساوقها مع واشنطن، في استهدافاتها للداخل الروسي والخارج الروسي، في مجالاته الحيوية ذات الجزئية الأهمّ في الأمن القومي الروسي. فالعاصمة الأميركية واشنطن دي سي، وفي معرض مسارات دعمها لسلطات كييف، المحفوف بالمخاطر على جلّ استقرار القارة الأوروبية العجوز، فهي تشرعن كلّ أنواع مواجهات هذه السلطات مع المعارضين في شرق أوكرانيا وجنوب شرقها. الكابوي الأميركي معروف عنه تاريخيّاً التشدّد والمرونة في السياسات وتنفيذها، حيث هناك في مفاصل الدولة الأميركية فريق يسعى الى مزيد من التصعيد مع الروسي، في فرض مزيد من عقوبات مشدّدة وتقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة النازيون الفاشست ، وهذا الفريق فريق العصا الأميركية الغليظة، بسببهم صارت أميركا الشرطي الأول في العالم، وفريق آخر يظهر شيئاً من الحكمة والواقعية السياسية والميدانية، وقد يكون الأقدر على فهم متغيّرات الزمن، يسعى وبصعوبة نتيجة الصراع والخلاف مع الفريق الآخر، في جعل الباب مفتوحاً بقدر يسير للغاية للوصول الى تقاربات ثم تفاهمات، للوصول الى الحلّ الدبلوماسي لهذه الأزمة مع الروسي. هذا الفريق الأميركي فريق الإطفاء الدبلوماسي للنار التي أشعلتها واشنطن عبر حلفائها وأدواتها في الداخل الأوكراني، ممكن وصفه بالتيّار المعتدل أو أنّه يظهر الاعتدال وينادي بالتريث وتبريد سخونة الأجواء، ويعلن أنّه ليس من الحكمة بمكان حشر روسيّا بالزاوية ورفع سقوف التشنّج معها، وفي ظلّ وجود ملفات مشتركة مهمة على طول وعمق خطوط العلاقات الأميركية الروسية. فتحتاج واشنطن إلى موسكو كثيراً وأكثر من حاجة الثانية للدي سي في الملف السوري، والملف الأفغاني، والملف الباكستاني، والملف الإيراني، وملف كوريا الشمالية، وملف الصراع العربي «الإسرائيلي»، وملف تايوان، وفي ذلك رسالة مشفّرة لموسكو، نواة الأخيرة فكّت الشيفرة، وهي لتقديم تنازلات محدودة في ملفات أخرى حتّى في تايوان. وبحسب قراءات مجتمع المخابرات والاستخبارات الروسية، أنّه وفي ظلّ الاصطفافات الدولية بسبب الأزمة السورية ونتاجها الطبيعي الأزمة الأوكرانية، تسعى واشنطن وحلفاؤها ودولة الكيان الصهيوني الدولة المسخ «إسرائيل»، إلى تسخين النزاع بين روسيّا واليابان حول جزر كوريل المتنازع عليها بين طوكيو وموسكو، والأخيرة تنسّق مع بكين حول ذلك.

كما أنّ الفدرالية الروسية تعي أنّ فريق الإطفاء الدبلوماسي للنار الأميركية في كييف، لا يعني ولا يشي أنّ أميركا تقرّ بوجود شريك روسي لها، وأنّ هناك قوّة أخرى صاعدة أعادت انتاج نفسها من جديد، فصعدت بقوة وثبات وكان الصعود خطوة خطوة وليس صعوداً صاروخيّاً، كون المعادلة الكونية تقول: إنّ من يصعد بشكل صاروخي سريع يسقط بمثل وشكل ما صعد، وهذا ينطبق على الدول وعلى الجماعات وعلى الأفراد النخب السياسية والاقتصادية في المجتمعات والدول. انّ أيّ نزاع عسكري في أوكرانيا مع الروس من قبل الناتو والأميركان سيغيّر هياكل أمن القارة الأوروبية ويقود الى حالة عدم الاستقرار في أوروبا كلّها، خاصة أنّ المعلومات تقول عن تواجد عسكري للناتو هذا الأوان في مناطق أوروبا الشرقية، وهذا ما تمّ رصده وأكّده تصريح غير مسبوق لقائد قوّات الناتو في شرق أوروبا، والذي سبق أن زار دول الجوار السوري منذ بدء الحدث السوري وفي أكثر من زيارة معلنة وغير معلنة ومنها بلادنا الأردن. وروسيّا تعتمد تكتيك النفس الطويل، وهذا هو نفسه سيناريو القرم الذي انتهجته موسكو، حيث الجيش الروسي تمترس خلف الحدود وترك الساحة للحلفاء في داخل القرم، مع دعم سياسي ومادي ومعنوي وعسكري واعلامي، وذات السيناريو سيكون مع مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، وفي حال تفاقمت الأمور في الشرق الأوكراني وجنوبه، فإنّنا سنكون أمام قرم آخر ينظم للفدرالية الروسية، وأثر ذلك على أوروبا والعالم سيكون وخيماً، حيث تتشجّع الحركات الانفصالية وتطالب بالانفصال، مما يقود الى حالة من عدم استقرار وثبات الدول وحدودها الجغرافية، وفي النهاية سيكون الشرق الأوكراني قرماً آخر، انّها لعنة إقليم كوسوفو، حيث تمّ سلخ الأخير من يوغوسلافيا السابقة وجعله كدولة بمساعدة الأميركي، وثمة تسخينات لجغرافيا وديمغرافيّة كوسوفو كمنتج للإرهاب من جديد لتوجيهه إزاء روسيّا وتركيا…

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى