المستثمرون في معركة الموصل

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

كانت أميركا تماطل عن عمد وقصد في دعم الجيش العراقي، في عملية تحرير مدينة الموصل، آخر معاقل «داعش»، التي ثبت أنها تتحرك بأوامر أميركية – سعودية تركية. لكنها أعطت إشارة البدء في تحرير الموصل، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، لكي تكون عملية تحرير المدينة رصيداً انتخابياً للحزب الديمقراطي الأميركي، يعزز فرص فوز مرشحته هيلاري كلينتون، في تلك الانتخابات. ولا شك بأنّ هناك كثيرين من الطامعين في الموصل، فتركيا لا تخفي أطماعها في الجغرافيا السورية والعراقية، لذلك لجأت إلى احتلال معسكر بعشيقة في قضاء الموصل. وكانت تصرّ على المشاركة في معركة تحرير المدينة على غير إرادة العراقيين. وتعتبر إنّ بقاءها في معسكر بعشيقه وسيطرتها على بلدات جرابلس ودابق السوريتين، بعد مسرحية انتزاعهما من «داعش»، تندرج في صلب «الأمن القومي التركي» وحقيقة الأمر غير ذلك، فتركيا، في احتجاجها على اتفاقية لوزان عام 1923، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى 1918، كانت تعتبر ولاية الموصل، التي تضمّ أربيل وكركوك والسليمانية، جزءاً من أراضيها. وكذلك، حلب السورية. وهذه الأطماع التوسعية التركية القديمة – الجديدة، تثبت بأنّ تركيا ضالعة في الإرهاب والعدوان على سورية والعراق. وأن أحلامها التوسعية على حساب الجغرافيا والدم العربي لم تتوقف. وكذلك الأكراد، هم أيضاً من الطامحين بالموصل، بالسعي، من خلال المشاركة في عملية تحريرها، الى اقتطاع جزء من محافظة نينوى وضمّها إلى «اقليم كردستان».

لا توجد مشكلة للأميركيين مع تحرير الجيش العراقي للموصل. تقوم سياسة أميركا على احتواء الجماعات الإرهابية من «داعش» و«النصرة» وليس اجتثاثها. وأيّ اتفاق مع الروس والسوريين بفصل «النصرة» عن بقية الجماعات الإرهابية، في شرق حلب، أو الموافقة على المشاركة في قصفها عسكرياً، أو إخراجها من هناك، تريد أميركا مقابله أثماناً سياسية، بأن تتولى المسؤولية عن شرق حلب، القوى السياسية المرتبطة بها والمغلفة بـ«قوى سورية الديمقراطية»، أما بالنسبة لـ «داعش» العابر للجغرافيا العراقية والسورية، فأميركا تريد استخدامه من أجل إطالة أمد الحرب في سورية. وتريد مقابل التخلي عن «داعش» ترتيبات أمنية وعسكرية في سورية والعراق، وفق مخطط يضمن لأميركا نفوذها ومصالحها ويضمن أمن ومصالح «إسرائيل» بالدرجة الأولى.

أميركا تقول بشكل واضح: نحن نقايض ونتخلى عن «النصرة» و«داعش»، أو نسهّل القضاء عليهما وبأن يكون هناك استقرار أمني وسياسي في سورية والعراق، مقابل أن تكون منطقة ما بين النهرين دجلة والفرات التي تصل مساحتها الى أكثر من 125000 ألف كيلو متر مربع، تحت السيطرة الأميركية. ففي هذه المنطقة نصف البترول السوري وربع البترول العراقي، بالإضافة الى كونها مناطق زراعية خصبة جداً، محاطة بالجبال الشاهقة. والأهمّ من ذلك، هي منطقة لا يتجاوز عدد سكانها المليون شخص، تسهل السيطرة عليها وتكتسب أهميتها الاستراتيجية من كونها تشكل حاجز سدّ وقطع بين إيران والعالم العربي. فمن جهة تمنع التواصل بين إيران ولبنان، حيث حزب الله الذي يشكل الخطر الأساسي على وجود دولة الاحتلال وكذلك، تقطع، تلك المنطقة، التواصل بين دول محور المقاومة سورية وايران. وفي الجوانب الاقتصادية والتجارية، هي ممرّ إلزامي لأنابيب النفط والغاز بين إيران والعراق نحو البحر المتوسط. واستطراداً، هي ممرّ نهائي لأيّ ترتيب صيني – إيراني للوصول التجاري نحو المتوسط. وبالتالي، هذا ثمن مقبول أميركياً، مقابل عدم السيطرة الكاملة على سورية والعراق. وهذا يشكل حماية للأمن والوجود «الإسرائيلي» في المنطقة، خصوصاً أنّ تلك المنطقة بؤرة للحضارات مرتبطة بالملك الآشوري نبوخذ نصر وهدم الهيكل والسبي اليهودي الأول.

روسيا وسورية تنبّهتا جيداً لأهداف أميركا الخبيثة من عملية تحرير الموصل، فهي أرادت ان تحرك «داعش» نحو الرقة السورية، لكي تستمرّ في استنزاف الجيش السوري وإضعافه، فأعلنت سورية وروسيا أنّ أيّ محاولة لتصدير «الدواعش» نحو الأراضي السورية، ستجابَه بحسم وسيتمّ التصدي لها عسكرياً. وبالفعل، جرى قصف أرتال من عربات «داعش» المتجهة نحو سورية، بواسطة الطيران السوري والروسي.

من المؤكد أنّ حلف المقاومة من موسكو حتى الضاحية الجنوبية، سيُسقط الأحلام الأميركية التركية – الخليجية «الإسرائيلية»- البريطانية والفرنسية، الطامعة في المنطقة العربية. فهي إنْ نجحت في تدمير ليبيا والعراق وسورية، لكن بعد تحرير الموصل وحلب، سيكون العالم العربي في قلب معادلات وتغيّرات وتحالفات جديدة.

من بعد معركتي حلب والموصل وفي ظلّ المتغيّرات الكبيرة التي يشهدها العالم، المتغيّرات الجيوسياسية الناتجة عن استعادة روسيا لدورها الكبير على الصعيد العالمي، حيث نشهد التراجع في الدور والسيطرة الأميركية على العالم وبروز عالم القطبية المتعددة، الذي تشكل روسيا أحد أقطابه الأساسية وتشكّل الحروب الدائرة في سورية والعراق واليمن، ساحة التفاعل الحادّ للصراع القديم المتجدّد من أجل السيطرة على الشرق وعلى موارد الطاقة. وسينتج عن هذا الصراع صعود قويّ لروسيا وإيران ودول مجموعة «بريكس»، من جهة، ومن جهة أخرى، سينتج تراجع لحجم النفوذ الأميركي والأطلسي ولبعض الدول العربية، التي انساقت في مسار السياسات المعادية لبلادنا ولمعظم الشعوب العربية.

إننا على قناعة تامة بأنّ سورية والعراق ستنتصران في حربهما على القوى الإرهابية. وكذلك، اليمن. وإننا بعد معركتي حلب والموصل، سنكون أمام متغيّرات كبيرة تمهّد لانبعاث المشروع القومي من جديد.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى