هاين : نهضته ترتكز على الهويّة القوميّة

شهد المعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت تظهيراً مستجداً لدور أنطون سعاده السياسي والفكري والأدبي المرتكز على الهوية القومية. وقد أحيا الأمسية باللغة الإنكليزية الباحث الألماني الدكتور ألِنْ هاينْ، المتخصص في اللغة العربية وآدابها، والمتابع لشؤون المشرق العربي والتيارات الفكرية التي شكّلت مشهده الثقافي العام .

قدّم المحاضرَ مديرُ المعهد الدكتور توماس شفلر بكلمة تعريفية مقتضبة، في حضور نخبة من الباحثين والمتابعين، بينهم كريمة زعيم الحزب السوري القومي الإجتماعي الدكتورة صفية سعاده، الدكتور ربيع الدبس ممثلاً قيادة الحزب، ورئيس مؤسسة تيكمو الياس أسود، الدكتور يوسف معوّض، وطلاب ومسؤولون في المعهد.

استهلّ هاين عرضه بمقدمة تاريخية مهّدت لفهم المرحلة القومية التي نشأ فيها سعاده، معرّجاً على تأثّره بوالده الطبيب العلامة خليل سعاده، وعلى رفضه الإحتلال الأجنبي، وجنوحه الى العقلانية والتفكير الليبرالي، والعمل الصحافي الهادف، وريادته في إطلاق فكرة أدب الحياة بديلاً من أدب الكتب. كما تطرّق الى مؤلفات سعاده متوقفاً عند كتاب «نشوء الأمم» معتبراً إياه كتاباً علمياً تأسيسياً ، خصوصاً لجهة مفهوم التاريخ والدولة القومية والمصالح الإقتصادية. كما توقف هاين غير مرّة عند مساهمات سعاده الإعلامية عبر إنشاء الصحف والمجلات ونشر الكتب والمواقف السياسية، في المغترب والوطن على حدٍ سواء. ورأى هاين أن العالم عند ولادة سعاده كان في طور التحوّل. فالإمبراطورية العثمانية كانت في أيامها الأخيرة، والدول القومية بدأت في النشوء.

كان هاين يعرض صوراً تاريخية جمعها على شاشة كبيرة. وبعد أن شرح الفلسفة التي قام عليها عَلَم الزوبعة، أشار الى أن سعاده تأثّر ببعض اللقطات التاريخية للمؤرّخ الأميركي السوري الأصل فيليب حتي أولاً لجهة الخرائط التي اكتشفها، ثانياً لتحفّظه عن اعتبار السوريين عرباً في المطلق، إضافة الى أخذ الجغرافيا كعاملٍ مؤثّر في المدنية، وكذلك البيئة كعامل مؤثّر في خصائص القوميات.

طرح هاين تساؤلاً: لماذا كتب سعاده تاريخ الأفكار في كتابه النقدي « الصراع الفكري في الأدب السوري» ؟ ولماذا لا تعبّر كتابات السوريين أحياناً بمن فيهم بعض أصحاب الأسماء اللامعة عن الوضع القومي ؟ لقد رفض سعاده أفكاراً بائدة كالوقوف على الأطلال والتفجّع على الحطام، لأنها مواضيع لا تعبّر عن التراث القومي الذي أراده نابضاً بالقيم والمثل القومية العليا. واعتبر بعض الأدباء فارغين روحياً برغم تعارف الناس إجمالاً على اعتبارهم من أعلام النهضة. انتقد سعاده بحدّة إنتاج سعيد عقل المسمى «بنت يفتاح». كذلك انتقد أمين الريحاني وكتاّبا آخرين، لكن فصل الدين عن الدولة جمعه بفكر فرح أنطون وجبران خليل جبران. وذكَرَ هاين بعض أعلام الثقافة الذين مرّوا في مصْهَر الحزب ولو لم ينصهروا فيه. من هؤلاء : خليل حاوي، محمد الماغوط، غسان تويني، وأدونيس الذي رأى أخذ اتجاهٍ مغاير للقدامى، وهذا بدء الحداثةِ التي اعترف هو وغيره بتأثير سعاده عليهم في سلوكها. كذلك أشار هاين الى إقرار منظّر القومية العربية ساطع الحُصَري بأهمية سعاده في مخاطبة العقل والعاطفة معاً، وهو أمر لم يتمكن أي تنظيم في العالم العربي من مضاهاة الحزب السوري القومي الإجتماعي فيه، بتأكيد الحُصَري.

في الختام، وجواباً عن بعض الأسئلة من الحاضرين، أشار هاين الى أن مدرحيّة سعاده تؤكّد أنه لم يتخلّ عن الروحانيات «رغم علمانيته القوية». وصحيح أن هاين أثبت اطلاعه الواسع على مسيرة سعاده، لكنه عانى من ثغرتين فكريتين خلال عرضه، أولاهما أنه أغفل النهضة باعتبارها مفهوماً مفصلياً في فكر سعاده وحركته ونضاله واستشهاده إذ إن فِعْل النهضة هو الذي يكرَس الأصالة، أي التجدد الحقيقي، وأن هذه النهضة هي التي تجعل من الفنون والآداب إنتاجاً حضارياً هادفاً يخدم قضية. أما المطبّ الثاني الذي وقع فيه فهو زعْمه أن تصنيف سعاده يأتي ضمن سياق أنطاكي أرثوذوكسي، الأمر الذي عارضه الحضور، وبالتحديد مدير المعهد الذي اعتبر أن الحزب الذي أسّسه سعاده هو «أكثر حزب علمانيّ في المنطقة «.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى