أولى

انهيار الثقة

 السفير د. علي أحمد الديلمي _

إنّ أغرب ما في الحياة السياسية اليمنية اليوم أنها أصبحت بلا ملامح ولا هدف ولا موقف واضح، ذلك أنّ أغلب الأحزاب والشخصيات السياسية المستقلة في حالة ذهول وتبلّد نتيجة الأحداث المتلاحقة التي أصابت اليمن واليمنيين. ورغم حجم المأساة التي أنتجها الصراع السياسي بين الأطراف المختلفة والتدخل الإقليمي والدولي في الشأن اليمني في غياب أيّ استراتيجية واضحة للحلّ في اليمن، فإنّ عدم وجود حكومة قوية قادرة على التعامل مع كلّ التحديات والمتطلبات المجتمعية والسياسات الإقليمية والدولية تجاة اليمن فاقم الأوضاع. إذ أصبحت حكومة «الشرعية» نفسها مشكلة بحدّ ذاتها لليمنيّين، بدل أن تكون شريكة في إيجاد حلّ سلمي للأزمة والدفع نحو مصالحة وطنية.

فقد ساهمت هذه الحكومة، بشكل أو بآخر، في زيادة معاناة اليمنيين بسبب ضعف أدائها وعدم قدرة رئيسها والوزراء فيها على تقديم صورة إيجابية يبرهنون من خلالها لليمنيّين أنهم يعملون من أجلهم وفي سبيل تسهيل العقبات أمامهم. فعلى سبيل المثال، ظلت الحكومة وأغلب العاملين معها يديرون أعمالهم من الخارج ومن غرف الفنادق ولا تزال الوزارات والدوائر الحكومية شبة غائبة عن أداء أعمالها إلا في نطاق محدود جداً، حتى أنّ من يريد من المواطنين أن يتواصل مع أعضاء الحكومة فإنه لا يعرف لهم مقراً ولا مكاناً، فأغلبهم يعيشون مع أفراد عائلاتهم خارج اليمن، ولم يعُد خافياً على أحد ما يتعرّض له اليمنيون من إجراءات وتعقيدات في الكثير من الدول، بل على العكس، ازدادت التعقيدات وصارت أشدّ من السابق في ظلّ صمت رئيس حكومة «الشرعية» والوزراء الذين لم نر أحداً منهم يلتقي بمسؤولين من هذه الدول من أجل تسهيل أمور اليمنيّين، رغم أنّ ذلك هو من صميم واجبهم تجاه الشعب، حتى أصبح المواطن اليمني يخشى أيّ إجراء قد يتخذ ضدّه في أيّ من مطارات العالم.

 وفي ما يتعلق بالأمور الخدمية والاقتصادية التي هي من الواجبات الأساسية للحكومة الأساسية، فحدّث ولا حرج، بعد أن صارت هذه الأمور في يد شبكة فساد كبيرة من الوزراء ورجال الأعمال وبعض موظفي الأمم المتحدة، تستغلّ حاجة الشعب اليمني إلى الغذاء والدواء والطاقة لتمرير الصفقات المشبوهة والمتاجرة بدماء اليمنيين.

لقد أصبحت ثقة غالبية اليمنيين بتلك الحكومة شبه معدومة بعد أن عرفوا أنّ أغلب مَن يتولون المناصب الحكومية اليوم هم مجموعة من اللصوص والمرتزقة والانتهازيين والموظفين غير المؤهّلين الذين رهنوا البلاد والمواطنين من أجل تحقيق غاياتهم ومآربهم.

فكيف سيحترمنا الآخرون وليس هناك مَن يمثلنا ويحمي مصالحنا ويدافع عن حقنا أمامهم؟

ورغم أنّ في اليمن الكثير من الشرفاء إلا أنهم صامتون، لكن آن الأوان لكسر الصمت وإيصال معاناة شعبنا بضمير وإنسانية ومسؤولية إلى العالم أجمع وإسماع صوته في كلّ المحافل العربية والدولية من قبل سياسيّين ودبلوماسيّين يكونون على قدر المسؤولية.. رجال دولة بكلّ ما للكلمة من معنى.. رجال أحرار وليسوا تابعين ومرتهنين ومرتزقة.

وفي النهاية، سيأتي يوم تضع فيه الحرب أوزارها بجهود المخلصين في الداخل والأشقاء الغيورين والحريصين على وحدة اليمن وسلامة شعبه وسيُحاكم الشعب مَن ظلمه وسفك دمه وشرع البلاد أمام الطامعين

*دبلوماسي يمني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى