أخيرة

العالم يستعدّ لإعلان العام 2020 عام بيتهوفن

احتفل العالم أمس بعيد ميلاد المؤلف الموسيقي الألماني، ربما الأشهر على الإطلاق، لودفيغ فان بيتهوفن (1770-1827)، على أعتاب الذكرى 250 لمولده العام المقبل.

وسوف تخصص فعاليات كثيرة في أماكن عدة حول العالم خلال العام المقبل، الذي سوف يحمل اسم «عام بيتهوفن» في الأوساط الموسيقية حول العالم. بينما يدور الحديث الآن عن إعادة «كتابة» السيمفونية العاشرة التي سيُكشف عنها العام المقبل، والتي استخدم فيها الخبراء برامج حاسوبية، واستعانوا بمخطوطات تركها بيتهوفن.

ظهر بيتهوفن، في النصف الثاني من القرن الـ 18، في مدينة فيينا، مؤلفاً شاباً مؤمناً بأفكار الثورة الفرنسية (1799-1789)، وهو يقترب من أفكار حركة فايمر كلاسيك (1772-1805)، المدرسة الأدبية الكلاسيكية التي كانت تضمّ غوته وشيللر وفيلاند، وتبحث في تلك الآونة عن قيم إنسانية جديدة، تربط الأفكار الرومانسية والكلاسيكية والتنويرية. إنها أفكار الثورة، ورائحة الثورة، بل وأيضاً إحباطات الثورة التي دفعت بيتهوفن دفعاً نحو تغيير الشكل الموسيقي وكسر القوالب الموسيقية (في حدود المعروف والمتاح وقتها) لصالح المضمون.

لقد أطاحت الثورة الفرنسية بالملكية والأرستقراطية وسلطة الكنيسة لصالح شعارات وطنية، ديمقراطية، تنويرية (الحرية، المساواة، الإخاء)، تهدف إلى المواطنة والعدل وحقوق الإنسان، فانتهت إلى سلطة محورها الفرد، والقوة العسكرية، واحتلال الأراضي، وتسببت في حروب دموية مع الدول الأوروبية الأخرى، لنجد الإمبراطورية الأولى عام 1804 تحت قيادة نابليون شخصياً، القائد الملهم لثورة التنوير والحرية، نفسه هو الذي يقود حروباً، وتحوّل في النهاية إلى إمبراطور. ومع ذلك كانت تلك الثورة وما أحاط بها من أفكار وزخم ثقافي مصدراً هاماً لإلهام بيتهوفن، الذي تحرّك بالموسيقى إلى اتجاه مفصلي جديد، حينما تبدّت في مؤلفاته على نحو واضح الفكرة الموسيقية قبل اللحن، وقام بتطويع القالب الموسيقي، بحيث يستوعب الفكرة، حتى ولو تمدّدت خارج نطاق الهيكل المعروف للقوالب الموسيقية المستخدمة في فيينا القرن الثامن عشر (السوناتا، السيمفونية، الكونشيرتو وغيرها).

لم تقتصر عبقرية بيتهوفن في كونه مؤلفاً موسيقياً تحولت عنده الموسيقى من الكلاسيكية إلى الرومانسية، وإنما كانت قدرته على إلهام جيل جديد من المؤلفين الموسيقيين بعده: شوبرت، شومان، برامز، مندلسون ومَن تلاهم، ممن عبّدوا طريق رومانسية القرن التاسع عشر، ومركزية الإنسان وقضاياه الوجودية على حساب قضايا الدين والمجتمع والدولة.

لهذا السبب كان اللحن عند بيتهوفن أبعد من كونه لحناً، بل كان فكرة. فالفكرة هي ما يصنع اللحن وليس العكس.. وهو ما يجعل موسيقاه صالحة لجميع الصياغات والآلات والتصورات، بل وصالحة لكل زمان ومكان، ولا ترتبط بالآلة ارتباطها بالآلة عند مَن تلاه.

الموسيقى عند بيتهوفن فكرة مجردة، هي التي تخلق الموسيقى، وتفجر النص الموسيقي من الداخل، من الجوهر. فكرة كمكعبات الأطفال وناطحات السحاب والطاقة الذرية التي تعتمد بشكل أساسي على فكرة/وحدة بسيطة تتكرّر مئات وآلاف المرات لتكوّن مبنىً ضخماً أو صناعة ضخمة لا سقف لتمددها، كذلك تكمن ثورية بيتهوفن في نزوعه نحو الداخل، داخل الوحدة الموسيقية، بحثاً عن الواحد الصحيح، عن الجوهر، عن الحلول الفنية في ذلك اللانهائي بداخل الوحدة.

للاستماع:

https://youtu.be/a9UApyClFKA(روسيا اليوم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى