مانشيت

الغالبية النيابية تنجح بتفادي «كسر الجرّة» مع الحريري وبيئة «المستقبل»… وعزوفه بوجه «القوات» مرشّح الوصاية الأميركيّة نواف سلام ومشروع التدويل الأمنيّ مقابل التدويل الماليّ الاستشارات اليوم: 68 صوتاً لحسان دياب رئيساً للحكومة وترجيح امتناع مستقبلي اشتراكي

كتب المحرّر السياسيّ

ظنّ الأميركيون أن جعل سقف المطلوب لمشروعهم في لبنان في الربع الأخير من ساعة المواجهات في المنطقة، هو عزل لبنان عن سورية ومدّ سلطة اليونيفيل للبحر والجو والحدود السورية اللبنانية، فيتم ضمناً عزل حزب الله عن سورية تسليحاً وحضوراً ودوراً، كبديل عن التفكير بخطة مستحيلة لنزع سلاح المقاومة، ويتمّ تحت المظلة الأممية فرض خط أزرق على حقوق لبنان في النفط والغاز بدلاً من تورّط حكومة لبنانية بترسيم الحدود بتنازلات يصعب الدفاع عنها، ويصعب تمريرها. ولهذا ظنّوا أن أخذ لبنان نحو الانفجار المالي بتجفيف التحويلات بالعملات الأجنبيّة وفق خطة سنوات مضت وبلغت أهدافها، يتيح فتح ملفات الفساد والفشل ويفجّر غضب الشارع تحت تأثير الاختناق المعيشي، ويتيح لقيادات جرى إعدادها وتدريبها وتنظيمها وتمويلها وتجهيزها لمهمة قيادة الانتفاضة الشعبية، سيتيح طرح تشكيل حكومة جديدة تشكل نهاية لمرحلة القيادات التقليدية التي حكمت لبنان طائفياً وسياسياً منذ ثلاثة عقود، ومن بينها مَن اعتمدت عليهم واشنطن في سياساتها وما عاد بمقدورهم تخديم هذه السياسات، وصارت إطاحتهم شرطاً لإبعاد خصوم السياسات الأميركية. ولا مانع عندها أميركياً من معادلة بقاء الرئيس سعد الحريري خارج الحكم إذا كان هذا يضمن بقاء حزب الله والوزير جبران باسيل خارجه أيضاً. وجاء شعار «الحياد خيار استراتيجي للازدهار»، الذي أطلقته خيمة رئيس الجامعة الأميركية فضلو خوري في ساحة العازارية، مناسباً لتتويجه بترشيح شخصية تملك خبرة ونظرية تنفيذ هذا البرنامج وتأتي من الوسط الأكاديمي والقانوني والدبلوماسي، هي السفير السابق نواف سلام.

المفوّض السامي الذي سيحلّ مكان كل من رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري وحاكم المصرف المركزي، كمعتمَدٍ من واشنطن، كان في الحساب الأميركي سهل العبور، بالضغط على الحريري ليمنحه أصواته منذ استقالته، ويقدّمه كمرشح وحيد بديل لترؤس الحكومة، وعندما طرح الحريري الاسم ووجد الرفض عَدل عنه، ومضى يفاوض بأسماء بديلة تمهيداً لإعادة طرح اسمه، ليصيب الخطة الأميركية إصابة بالغة استدعت عقاباً مناسباً برفع الغطاء عن الحريري كمرشح ودفعه نحو الاعتكاف، بعدما قالت القوات اللبنانية تصريحاً وتلميحاً بأن الحريري لم يعُد يحظى بتغطية دولية وإقليمية لتسميته رئيساً للحكومة وأن هذه التغطية متاحة لنواف سلام.

الضغط متواصل على الحريري ليعلن تسمية سلام حتى صباح اليوم، رغم قرار الامتناع عن التسمية ليلاً، ويمكن أن يتغيّر الموقف صباحاً كما يمكن أن ينضمّ إليه موقف النائب السابق وليد جنبلاط، لضمان تسمية راجحة لسلام، والضغط على الحريري متواصل للإعلان أن أي تسمية لغير سلام ستشكل خرقاً للميثاقيّة لكونه موضوع تبنٍّ من الكتلة الأوسع تمثيلاً في طائفته، على أمل أن يشكل ذلك رادعاً للغالبية النيابية عن تسمية المرشح الذي حسمت منحه تصويتها، الوزير السابق حسان دياب الذي ينتمي لموقع قريب من الرئيس الحريري، وتربطه علاقة جيدة بالرئيس نجيب ميقاتي، ويشتغل الأميركيون مباشرة وبالواسطة على كل الكتل للتحذير من خطورة تسمية غير سلام، ملوّحين بعقوبات على أي حكومة يترأسها سواه أملاً بحشد أوسع تصويت لحساب اسمه؛ فيما تبدو الصورة بعد نجاح الغالبية بتفادي كسر الجرّة مع الحريري، عبر استمرار الحوار معه أملاً بتوفير فرص توليه رئاسة الحكومة، مقابل الخديعة التي توّجت بطعن القوات اللبنانية له في الصميم، كما ألمح تعليق مستشار الحريري الوزير السابق غطاس خوري على تصريح النائبة ستريدا جعجع الذي أشاد بالحريري بعد إعلان اعتكافه، حيث قال خوري، يبدو أن جعجع لم تقرأ جيداً كلام الحريري.

الحصيلة المتوقعة للاستشارات حتى ما بعد منتصف ليل أمس وفجر اليوم، تقول إن تسمية دياب ستنال على الأقل 68 صوتاً، وإن تسمية نواف سلام بدون الحريري وجنبلاط ستكون باهتة عند حدود الـ20 صوتاً ومعهما ستبلغ 48، فيما ستتوزّع أصوات المستقلين تباعاً بين الاسمين والامتناع وتسميات هامشية أخرى دون أن يغيّر تصويتها في حصيلة المشهد.

أعلن الرئيس سعد الحريري أنه لن يكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة، وقال في بيان: «لما تبين لي أنه رغم التزامي القاطع بتشكيل حكومة اختصاصيين، فإن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي هي مواقف غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن أنني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة، وإنني متوجّه غداً للمشاركة في الاستشارات النيابية على هذا الأساس، مع إصراري على عدم تأجيلها بأي ذريعة كانت».

ويترأس الحريري صباح اليوم اجتماعاً لكتلة المستقبل النيابية لتحديد موقفها من مسألة التسمية. ورجّحت مصادر مستقبلية لـ»البناء» أن لا تسمّي الكتلة أحداً كما استبعدت أن يتم تكليف رئيس للحكومة في استشارات اليوم إلا إذا نجحت الاتصالات بالاتفاق على اسم بديل عن الحريري. وقد تمّ التداول بمجموعة أسماء منها الوزيران حسان دياب وخالد قباني. فيما أشارت مصادر المستقبل الى أن «التيار لن يسير بنواف سلام لأنه مرفوض من الرئيس ميشال عون وثنائي أمل وحزب الله».

وأكدت أوساط بعبدا أن «الاستشارات النيابية قائمة حتى الساعة ولا اتجاه لتأجيلها. وشدّدت على أن قرار التأجيل عند رئيس الجمهورية ميشال عون فقط، واليوم يقدّر عون الظروف وإذا كانت استثنائية تقتضي التأجيل فسيؤجل».

وأعلن رئيس التيار الوطني الحر في بيان تقديره للموقف المسؤول الذي اتخذه الحريري، ورأى باسيل أنه «خطوة إيجابية نتمنى أن يستكملها الرئيس الحريري بأن يقترح من موقعه الميثاقي شخصية موثوقة وقادرة ليُعمل على التوافق عليها والتفاهم معها حول تشكيل حكومة تحظى بثقة الناس وتأييد الكتل البرلمانية الوازنة فضلاً عن ثقة المجتمَعين العربي والدولي، دون أن يضع البلد والناس أمام المجهول، كما حدث باستقالته الأخيرة، وذلك بتحديد خياره في اللحظة الأخيرة قبل الاستشارات النيابية الملزمة وبطلب تأجيلها او بفرض إجرائها حسبما يريد ويستنسب لمصلحته الخاصة فيما هي صلاحية حصرية لرئيس الجمهورية يستعملها بحسب ائتمانه على المصلحة العامة والدستور».

وفيما يتم التداول باسم نواف سلام بشكل لافت، قالت أوساط إعلامية بأن «اللقاء الأخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري لم يصل إلى نتائج»، لافتةً إلى أن «الحريري لم يعطِ إجابة إن كان هو مرشحاً أم لا أم أنه سيرشّح غيره أم لا». ووفق «المصادر»، فإن «حزب القوات اللبنانية تعمّد إبلاغ الحريري موقفه بعدم تسميته قبل ساعات قليلة جداً من بدء الاستشارات الإثنين»، مُضيفةً بأن «القوات نقلت للحريري كلاماً من دولة خارجية كبرى أنه ليس رجل المرحلة وأن المرشح هو نواف سلام ويجب دعمه». ورأت أن «نواف سلام سيكون بنظر فريق المقاومة مرشح مواجهة»، مُشدّدةً على أن «القوى المؤيدة للمقاومة في لبنان بشكل عام ستتعامل مع سلام باعتباره مرشحاً أميركياً للمواجهة».وأكد الرئيس بري، كما نقل عنه النائب علي بزي خلال لقاء الأربعاء النيابي، «أن لا غطاء سياسياً لكل من يُسيء للوحدة والسلم الأهلي، ونحن لا نعطي أوامر للفتنة». وشدّد على «ان الاستشارات النيابية مكانها الطبيعي عبر المؤسسات وليس عبر تفجير الساحات»، مناشداً الجميع الإقلاع عن سياسة الإنكار والهوبرة والعمل بمسؤولية وطنية وعدم التقليل من خطورة الوضع إذا بقي على حاله»، وحذّر «من الواقع المرير والمشاهد المُخيفة والمندسّين».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى