الوطن

هل الحكومة آتية على حصان أبيض أم العِرق دسّاس؟

} علي بدر الدين

انتهت الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف و»المستحبّة» للتأليف، ووضعت القوى السياسية ودائعها من الأفكار والآراء والمطالب والشروط في جعبة الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب، الذي وسع من دائرة مشاوراته لتطال لأول مرة في تشكيل الحكومات شخصيات وأفراداً أو مجموعات من الحراك وإنْ كانت اللقاءات معها سرية ولم تعرف هوية وأسماء من التقاهم في الحراك، وهذا أمر يثير القلق ويطرح التساؤلات والشكوك، ويظهر مدى وحجم الاختلافات والنزاعات التي تضرب عقد الحراك وأهدافه ومشروعيته.

لا شك أنّ الرئيس المكلف بدأ بجوجلة ما سمعه ليبنى على الشيء مقتضاه، ولتظهير صورة المشهد الحكومة بكلّ تعقيداته، عله يصل الى قاسم مشترك بين الجميع والى الخروج بتشكيلة تحظى بالرضى والقبول، مع أنّ الأمور أصعب بكثير مما يعتقده أو يتصوّره خاصة أنّ لديه تجربة كوزير في إحدى الحكومات، ويدرك تماماً أنّ الطبقة السياسية الحاكمة بخلفيات الفساد والمحاصصة والمحمية بعناوين طائفية ومذهبية لن تقبل بحكومة من خارج قيدها ونصها وتؤمّن لها مصالحه او حصصها وتحافظ على امتيازاتها ومكاسبها التي حققتها بفائض قوّتها سلطوياً وطائفياً ومذهبياً.

هذه القوة التي لا يمكن تقويضها أو فكفكة أسرارها ومقوّماتها إلا اذا اهتدت وسلكت طريق التوبة وطلبت المغفرة، وهذا ما لم يتحقق على الإطلاق والأسباب معروفة ولا حاجة لفتح النقاش حولها، وانْ أبدت ليونة او استجابة مؤقتة لصرخات الناس الموجوعين ولتحذيرات المجتمع سياسياً واقتصادياً ومالياً ليس خوفاً على البلد والناس بل خشية من أن تتشظى من الانفجار الاجتماعي الذي يطرق الأبواب الموصدة بوجه اللبنانيين من الفقراء الذين تتزايد أعدادهم بعد إفلاس مئات الشركات وهبوط قيمة العملة الوطنية، الذي أدّى الى انفلات الأسواق وغلاء الأسعار.

وأقسى صنوف الفساد والذلّ ما يتعرّض له أصحاب الودائع مهما كان حجمها في المصارف التي تحوّل أصحابها إلى أثرياء فوق العادة بفضل السياسات والهندسات المالية التي اعتمدها مصرف لبنان بتغطية وحماية وشراكة الطبقة السياسية، والتي أدّت إلى إفراغ خزينة الدولة، وتراكم الديون الداخلية والخارجية عليها، وما يُقال عن تهريب المصارف الخاصة أموالها إلى خارج لبنان وإفراغ خزائنها وحرمان المودعين الكبار والصغار من أموالهم ومصادرة جنى عمرهم. والأكثر فظاعة هو المشهد اليومي في المصارف وعلى أبوابها حيث يذلّ المودعون ويهانون بمجرد محاوبة سحب ما يحتاجونه من أموالهم التي هي حق لهم، ومشهد المودعين الذين يذرفون الدموع على حقهم الذي يضيع وهم غير قادرين على تحصيله، كاف لتحريك المشاعر وإثارة الأحاسيس وإسقاط الطبقة السياسية التي بانتهاجها سياسة الفساد والمحاصصة والمصالح قضت على أحلام المواطنين وأفلست المؤسسات وشجعت حيتان المال للسطو على المال العام والخاص.

إنها فعلاً مأساة حقيقية وغير مسبوقة يعيشها الشعب اللبناني الذي تخلى عن مسؤوليته ووثق بهذه الطبقة، وأعاد ويعيد إنتاجها في الاستحقاقات الانتخابية، كما وثق بالمصارف التي تربح سنوياً مليارات الدولارات من تعبه وعرقه، وكأنه لا يكفي هذا الشعب ما يتعرّض له يومياً من ذلّ وفقر ومجاعة حتى تضيف المصارف من أوجاعه والضغوط الاقتصادية والنفسية والمعيشية اليه، من دون وازع من ضمير أو التزام بالأنظمة.

الخشية من أن يكون الآتي أصعب وأشدّ وطأة وقهراً في ظلّ دولة غائبة ومن دون حكومة تتحمّل مسؤولياتها، خاصة أنّ حكومة تصريف الأعمال غائبة ولا يعنيها ما يحصل في البلد.

والحكومة الموعودة متعثرة ودون تشكيلها عقبات وتعقيدات وليس في المدى القريب أو أقله في التوقيت الذي حدّده الرئيس المكلف ما يؤشر إلى أنها في نهاية مخاضها، مع أنه واثق من نفسه وقدرته على تخطي العقبات وعلى اختياره لوزرائها من تدخل أحد، وكذلك حجمها وشكلها وبيانها الوزاري.

انها ثقة زائدة لم يعتد على مثلها اللبنانيون ما يوحي أنّ الرئيس المكلف حصل على وعود داخلية وربما خارجية بتسهيل تشكيل الحكومة، وبأن تكون من الاختصاصيين المستقلين. لكن لغاية الآن لم نر ترجمة للثقة والوعد وكأننا في بداية مسار طويل للتأليف وأمام مشهد يومي طائفي مذهبي في الشوارع غير مشجع، وخاصة أنّ البيئة المذهبية والمرجعية الدينية للرئيس المكلف ما زالت مُصرّة على اعتذاره عن تشكيل الحكومة مع التهديد المتزايد بالتصعيد الشوارعي.

والسؤال الكبير هل يمكن الوثوق بالطبقة السياسية التي اعتادت على تشكيل حكومات مطيعة ووزراء ينفذون الأوامر والتوجيات أن يتنحّوا جانباً ولا يضعون العصي في دواليب التشكيل؟وهل يمكن التعويل على تفاؤل الرئيس المكلف بأنّ فرج الحكومة آتٍ على حصان أبيض؟ أم أنّ العرق دساس؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى