الوطن

تشكيل الحكومة وزهرة المارغريت…!

} علي بدرالدين

الموعد المعطى لتشكيل الحكومة والمحدّد بين عيدي الميلاد ورأس السنة أو بعدهما بأيام على أبعد تقدير، وتكراره وتأكيده وتبنّيه من أكثر من فريق سياسي، تحوّل إلى مخدّر لتهدئة الشعب اللبناني وصرفه عن التفكير بالواقع الضاغط اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، ولإشغاله بالبحث عما يسدّ رمقه ويلبّي احتياجاته وزرع الأمل والتفاؤل رغم المعاناة القاسية بانتظار تحقيق الوعود. هذا ليس جديداً على اللبنانيين أو مفاجئاً بالنسبة لهم وقد خبروها وعانوا منها في كلّ محطات الاستحقاقات الدستورية والاقتصادية، وتتجلّى اليوم في طريقة تأليف الحكومة الموعودة منذ أشهر، من دون أن تبصر النور.

ويبدو أنّ الولادة متعثرة ولم يحن موعدها بعد لا بين العيدين ولا بعدهما بأيام، يعني أنّ الوعد والموعد قد يطيران بانتظار اكتمال الحمل الطبيعي الذي نأمل ألا يطول حتى شهوره التسعة، وهذا لا ينفي الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف ومن معه وخلفه لإنضاج طبخة الحكومة في أقرب وقت ممكن، ولكن ما يحيّر أنها مرة على نار هادئة، وهذا يؤشر إلى أنّ التأليف مؤجل وقد يحتاج إلى وقت إضافي. ومرة ثانية أنها على نار حامية قد تتسبّب بحرقها.

على الرغم من جرعات التهدئة، لكن ما يطفو على السطح من معطيات وخلافات لا يبشر بالخير وغير كاف وغير مطمئن بأنّ الحكومة العالقة في عنق زجاجة الخلافات ستخرج منه طوعياً أو قسرياً في الموعد المحدّد أو أبعد منه بقليل، أقله قبل نهاية العام 2019 لأنها أيضاً لا تزال على فوهة بركان من الحسابات والمحاصصات وفق الطريقة التقليدية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، التي تشمل الحقائب والأسماء وشكل الحكومة وعدد الوزراء الذي كلما ازداد يعطي أشخاص حقائب دولة كجائزة ترضية.

الواضح في عملية التأليف أنها لم تأخذ بالاعتبار حراك 17 تشرين الأول، الذي نجح برأي المؤيّدين أو الرافضين له في تحريك مياه الطبقة السياسية الراكدة على نهج الفساد والإلغاء والاحتكار اللهم إلا بالشكل لجهة إصرار الرئيس المكلف على حكومة من الاختصاصيين المستقلين، ولكن من يسمّي الوزراء ويحدّد الحقائب ويوزع الحصص هي الطبقة السياسية ذاتها التي تشكل الحكومات منذ ما يقارب الثلاثة عقود.

وعلى ما يبدو فإنّ خروج أيّ مكون سياسي طائفي مذهبي وخاصة إذا كان متسلحاً بكتلة نيابية أو مزاج شعبي مؤيد له في داخل بيئته الطائفية أو المذهبية الحاضنة، فإنّ الاختلال سيقع حتماً من تركيبة هذه الطبقة مما يعرقل الى حدّ ما التفاهم على توزيع الحصص وتقاسم ثروات البلد ومقدرات الدولة وحقوق الشعب، وهذا ما انعكس فعلاً على مساعي الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة بحيث وقع تحت الضغط من مؤيدي فريق سياسي مذهبي وجد نفسه متضرّراً ويحاول أن يظهر للرأي العام المحلي والمجتمع الدولي أنه غير مغطى دينياً من مرجعيته وسياسياً من رئيس التكتل النيابي الوازن الذي أتاحت له شعبيته في وسطه المذهبي هذا العدد من النواب.

وكيف للرئيس المكلف أن يخرج لإعلان حكومته وهو ما زال يستكمل اتصالاته الاسترضائية مع أفرقاء سياسيين رفضوا تسميته للتكليف، والمشاركة في حكومته، مع أنّ ما يقوم به هو الصحّ ولكن موقف هؤلاء الأفرقاء معلن وواضح.

انّ الرئيس المكلف كلما أمسك برأس خيط التأليف يخرج من يقطعه لإعادته الى البدايات والإطاحة بكلّ ما حققه بهدف واحد هو إحراجه لإخراجه، وقد سجل المعترضون عليه نقاطاً في صراع التأليف، ولم يسقطوه بالضربة القاضية لأنه لا يزال محصّناً ومحمياً ويملك الإصرار على إنتاج حكومته التي يريدها، رغم ما يُشاع عن أنّ نقطة ضعفه رفض شخصيات سنية المشاركة في الحكومة، فهذا إنْ كان صحيحاً فلا مبرّر له وهو غير مقنع بل هو مسيء للطائفة السنية، التي تملك الكثير من الشخصيات الكفوءة ولا يجوز تضييع فرصة الحكومة أمام الدلع السياسي وما يسمّى بالميثاقية الساقطة سلفاً، لأنّ الحكومة ضرورية في هذه المرحلة وأفضل بكثير من عدمها، ومطلوبة بإصرار ومن حق أيّ مكون سياسي أو طائفي أو حزبي أن يشارك أو يرفض، وبإمكانه أن يتحوّل الى المعارضة ولكن ليس من حق أحد أن يدمّر البلد ويأخذه الى الأخطر لغايات شخصية أو طائفية أو مذهبية او لارتهانه وتبعيته لقوى إقليمية ودولية تفرض عليه تنفيذ أجنداتها ومشاريعها.

أمل اللبنانيين كبير بأن تصدق مواعيد التأليف، وتكون الحكومة هدية نوعية منتظرة لبدء مرحلة إنقاذية قبل السقوط في الهاوية، وإذا لم يتحقق الوعد فلا مفرّ من العودة إلى خيار زهرة المارغريت؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى