أولى

رسالة مفتوحة
لدولة الرئيس المكلّف بتشكيل
مجلس الوزراء الدكتور حسّان دياب

  زياد حافظ*

سلام القدس دائماً عليك وعلى لبنان،

بعد التحيّة،

نتوجّه إليكم بهذه الرسالة التي تعبّر عن هواجس العديد من اللبنانيين. لا ندّعي أننا نمثّل أكثرية اللبنانيين وإن كنّا على يقين أننا نعبر عن بعض ما يفكّرون به.

دولة الرئيس،

استبشرنا بتكليفكم لأنكم قد تشكّلون ظاهرة مجدّدة بعودة الكفاءة والالتزام بالقضايا الوطنية التي غابت أو تمّ تهميشها خلال العقود الثلاثة الماضية بخيارات وسياسات لم تكن لمصلحة الوطن ولأهلها. استبشرنا بتسميتكم لأنه تمّ بكم كسر نادٍ مغلَق على العديد من اللبنانيين أصحاب الكفاءة والإخلاص للوطن. فقد تمّ استبدال الولاء الأعمى والتبعية للخارج مكان الكفاءة والالتزام بثوابت الوطن التي دفع ثمنها العديد من اللبنانيين بأرواحهم وممتلكاتهم.

دولة الرئيس،

نعلم أنكم تتحمّلون أوزار حملة مغرضة تشكّك بتمثيلكم لمكوّن أساسي من المجتمع اللبناني. نتمنّى أن تتجاوزوا تلك الحملة وتركّزوا على قضايا الوطن. فمقام رئاسة مجلس الوزراء يمثّل جميع اللبنانيين وليس طائفة واحدة وإن كان العُرف حدّد ذلك. ما يُسمّى بالميثاقية المتبعة منذ الاستقلال هو الذي أوصل لبنان إلى عدم قيام دولة مدنية معاصرة لجميع المواطنين بل حوّلها إلى مزرعة بكل معنى الكلمة. نأمل أن تسيروا في سياق ذلك التوجّه للخروج من الحلقة المفرغة العبثية التي تشكّلها الطائفية. طموحنا أكبر من القضاء على الطائفية لكن نعي أن المسألة يجب أن يتجرّعها المجتمع اللبناني جرعات متتالية. فهذا المجتمع أقوى من الدولة وبالتالي سيقاوم محاولات بناء الدولة المدنية المعاصرة على قاعدة المواطنية ولا على قاعدة الولاءات الفئوية.

دولة الرئيس،

لستم من الطبقة السياسية المعهودة وإن كنتم شاركتم في مرحلة ما بحكومة كوزير للتربية. تسميتكم أتت في ظروف صعبة ودقيقة وأنتم خارج مكوّنات السلطة، وبالتالي لا نعرف ما هي مقاربتكم للأمور. لم نسمع منكم حتى الساعة ما هي رؤيتكم للخروج من الحالة القائمة. ستترأسون مجلس وزراء لُقّب بحكومة إنقاذ. فما هي الخطوط العريضة لحكومتكم؟ نعى أن الرؤية المتكاملة ستخرج من رحم مجلس الوزراء بعد أن يكون اكتمل تشكيلها وبعد مساهمة ومشاركة جميع زملائكم. لكن السؤال هو عندما تختارون الفريق الوزاري بالتشاور مع القوى السياسية التي سمّتكم هو ما هي الرؤية التي سيلتزم بها الوزراء المعنيّون؟ هل الموضوع هو الاتفاق على أسماء وتوزيع حقائب فقط أم هناك خطة يجب اتباعها للخروج من المأزق؟  كيف تريدون كسب ثقة المواطنين وهم ما زالوا يتساءلون عمّا ستقومون به. تصريحاتكم المتتالية حول تبنّيكم للمطالب التي أعلنها المنتفضون خطوة إيجابية ولكن غير كافية، لأنها ليست إلاّ عناوين عريضة منها بديهيّ ومنها ما يستحق النقاش، ولكن جميعها تستوجب خطة وفقاً لأولويات. فما هي تلك الأولويات بنظركم؟

دولة الرئيس،

هل ستقومون بإعداد قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية والدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي؟ بالنسبة للفساد ومكافحته هل لديكم خطة أو تصوّر وإن بالعناوين العريضة حول القضاء على الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة؟ وبالنسبة للواقع المالي هل ستتبعون إرشادات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسياسة التسوّل من الخارج؟ هل لديكم نيّة بإصلاح القطاع المصرفي بشقّيه الحكومي والخاص، أي مصرف لبنان والمصارف اللبنانية وإذا نعم، فما هي الخطّة ولو بعناوينها العريضة؟ أما على الصعيد الاقتصادي هل لديكم تصوّر للخروج من محنة الاقتصاد الريعي وإعادة تأهيل القطاعات المنتجة في لبنان؟ هذه بعض الأسئلة التي تدور في ذهن اللبنانيين ويتنظرون منك الإشارة.

الثقة التي تطلبونها من الشعب أولاً ومن القوى السياسية ثانياً تعتمد على برنامجكم غير المعلن حتى الآن، وعلى نوعية فريق العمل الذي سيؤازركم فيه. كل ما نسمعه الآن هو حديث عن تشكيلات حكومية ترضي هذا أو ذاك أو لا ترضيه من دون أي يُفصح أحد عمّا ستقوم عليها الحكومة المقبلة. فالمهم هو البرنامج قبل الأشخاص.

قد تستمهلون اللبنانيين حتى صدور التشكيلة الحكومية وصوغ البيان الحكومي الذي سيكون بمثابة مشروعكم، وهذا من حقّكم. لكن من الصعب أن يرتاح المواطنون ويمنحوكم الثقة، وأنتم بحاجة لها لتجاوز العقبات التي سيضعها في طريقكم المجتمع الدائم أو العميق. فهذا المجتمع أصبح على خط تصادمي مع تطلّعات اللبنانيين لأنه يرى، وهو محقّ، في الانتفاضة نقضاً قاسياً لما يمثّله وما ينتج عنه من خيارات محاصصة تمثّل الفساد والتخلّف والفقر والجهل.

دولة الرئيس،

لا نريد الإطالة عليكم وإن كان لدينا الكثير من الكلام في ما هو مطلوب من الحكومة المقبلة. نتمنى فقط عليكم أن تُعلموا اللبنانيين عما ستقومون به قبل صدور التشكيلة الوزارية.

مع فائق الاحترام* مواطن لبناني أمين عام سابق للمؤتمر القومي العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى