أولى

الحرب الباردة تتحوّل لنيران ستحرق العالم برمّته!!

 د. محمد سيد أحمد

حين بدأت موجة الربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011 كانت الولايات المتحدة الأميركية تغرّد منفردة على الساحة الدولية لما يقرب من عقدين من الزمان كاملين. فمع انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين تشكّلت منظومة عالمية جديدة, فدول الحلفاء الذين خاضوا الحرب سوياً في مواجهة دول المحور وخرجوا منتصرين قرّروا أن يتنافسوا بينهم على زعامة العالم, وبينما كانت انجلترا وفرنسا قبل بدء الحرب هما اللتان تتزعّمان العالم فقد تراجعت أسهمهما كثيراً بعد الحرب وبدأ دور الحليفين الآخرين في البزوغ, فوجدنا صعوداً سريعاً للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي, وسعى كل منهما الى فرض سيطرته وهيمنته على الساحة الدولية.

 وخلال هذه المحاولة تحوّلت المنافسة الى صراع سرعان ما انتقل إلى حرب باردة بين القوتين الكبيرتين على الساحة الدولية, وظلت الحرب الباردة لما يقرب من أربعة عقود كاملة لم تُحسَم إلا مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين, حين حدث الانهيار والتفكك للاتحاد السوفياتي, وبذلك نصبت الولايات المتحدة الأميركية زعيمة منفردة للعالم, وأصبح العالم ذو القطبين عالم ذا قطب واحد, يسير منفرداً على الساحة الدولية ويقوم بفرض سيطرته وهيمنته على عباد الله، حيث يقوم بالبلطجة على هذا ويبتزّ ذاك ويسرق وينهب ثروات ذلك, من دون حسيب أو رقيب أو وجود أحد يقف في مواجهته أو يقول له أنت ظالم أو فاجر أو مغتصب.

ومع دخولنا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين قررت الولايات المتحدة الأميركية تطوير مشروعها الإمبريالي الجديد من أجل مزيد من السيطرة والهيمنة على الساحة الدولية. وإذا كانت الساحة العربية وما حولها هي إحدى ساحات الصراع من أجل الحصول على ثرواتها, خاصة مصادر الطاقة فقد قرّرت الولايات المتحدة إعادة ترسيم حدود هذه المنطقة, ففي الوقت الذي تمّ فيه رسم الحدود المصطنعة داخل هذه المنطقة في مطلع القرن العشرين فيما عُرف بسايكس بيكو بين انجلترا وفرنسا, لم تكن الولايات المتحدة الأميركية بين القوى العظمى في العالم لذلك قررت أن تعيد ترسيم الحدود من جديد عبر عملية تقسيم وتفتيت جديدة لهذه المنطقة الهامة من العالم على أن يكون التقسيم الجديد لصالحها.

وبالفعل بدأت موجة الربيع العربي المزعوم بهدف تقسيم المقسّم وتفتيت المفتّت. وكانت الاستراتيجية التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية عبر مفكّريها الاستراتيجيين تقول إن عملية التقسيم والتفتيت الجديدة ستعتمد بشكل أساسي ليس على الحروب التقليدية والتدخّل العسكري المباشر الذي كبّد الولايات المتحدة خسائر فادحة في أفغانستان والعراق, بل ستعتمد على الجيل الرابع للحروب, عن طريق تزكية الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية كي تنشأ حروب أهلية داخل دول المنطقة تنتهي بعمليات انفصالية تقود للتقسيم والتفتيت المستهدف, وبذلك تستطيع الولايات المتحدة الأميركية من فرض مزيد من السيطرة والهيمنة على ثروات المنطقة, وتتمكّن من تشديد قبضتها المنفردة على زعامة العالم.

لكن دائماً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فالربيع المزعوم المخطّط له أميركياً بدقة خرج عن المسار المرسوم. ففي الوقت الذي ظن فيه الأميركي أن خططه قد نجحت بالإطاحة بكل من بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن, وأن الجماعات التكفيرية الإرهابية المدعومة أميركياً وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين قد تمكّنت من سدة الحكم وستقوم بعمليات التقسيم والتفتيت المخطط لها, وجدت مقاومة كبيرة من الجيش المصري أفسدت المشروع على المستوى المصري حيث تمت الإطاحة بالجماعة الإرهابية بعد عام واحد فقط, وصعد لسدة الحكم الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي بدأ يفكر في إطفاء النيران المشتعلة على حدوده خاصة في ليبيا والسودان.

وعلى الجانب الآخر كانت المقاومة الكبيرة للجيش العربي السوري الذي لم يسمح بالمساس من الأصل بالرئيس بشار الأسد ووقفت سورية حجرة عثرة أمام تحقيق أحلام الولايات المتحدة وتمكّنت عبر تسع سنوات من الصمود الأسطوري من إفشال المشروع على الأرض العربية السورية, وعبر هذه المعركة الطويلة تغيّرت أشياء كثيرة حول العالم, حيث تراجع ووهن دور الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الذي اشتدّ عود روسيا وعادت من جديد قطباً آخر في مواجهة البلطجة الأميركية, وفي الوقت نفسه برز دور الصين كمنافس اقتصادي رهيب للولايات المتحدة الأميركية, وبذلك تحوّل العالم خلال عقد واحد فقط من عالم ذي قطب أوحد الى عالم متعدد الأقطاب.

ومع شعور الولايات المتحدة الأميركية بهزيمة مشروعها في منطقتنا وما حولها والعالم, قررت أن تحول الحرب الباردة الى حرب ساخنة على جبهات جديدة عدة, حيث قامت خلال الأيام القليلة الماضية ومع دخول الجيش العربي السوري معركة تحرير إدلب آخر معاقل الإرهاب الأميركي على الأرض العربية السورية بإعطاء إشارة البدء للإخواني الإرهابي أردوغان بدخول ليبيا بعد أن كانت قد أعطته الأمر باجتياح الشمال الشرقي السوري, ومع فشل المشروع في سورية تحاول إشعال النيران في محيط مصر بنقل الإرهابيين من إدلب الى طرابلس ودخول قوات عسكرية تركية لمساندة الجماعات الإرهابية التي يقودها السراج لمنع تقدم الجيش الوطني الليبي المدعوم من مصر من حسم المعركة لصالحه، وبذلك تشتعل النيران مجدداً في محيط مصر.

وفي الوقت ذاته تقوم بسكب مزيد من الزيت فوق النيران المشتعلة في محيط سورية في لبنان والعراق, ومحاولة جر إيران أحد أهم القوى الداعمة لسورية الى حرب مباشرة عبر تهديدات مستمرة يستقبلها صانع السجاد الإيراني بصبر شديد وحنكة سياسية تفسد للأميركي مخططاته, وتكيل له الضربات الموجعة من دون أن تتطوّر المسألة لحرب مباشرة وشاملة, ولعل من الضربات الإرهابية الموجعة التي قامت بها الولايات المتحدة الأميركية هي اغتيال الجنرال قاسم سليماني والتي استقبلتها إيران مع وعد بالردّ دون الدخول في مواجهة مباشرة.

وأثناء محاولة الولايات المتحدة من تحويل الحرب الباردة الى حرب ساخنة لم تنسَ الصين المارد الاقتصادي الذي يهدد عرشها، حيث حاولت إشعال نيران الفتنة عبر ورقة الإيغور الذين يتعرّضون للاضطهاد من قبل الحكومة الصينية وتدعو المسلمين للتوجه الى هناك لمناصرة إخوانهم وهو ما يذكرنا بما حدث في افغانستان في السبعينيات من القرن العشرين حين تمّ تجييش المسلمين ضد الاتحاد السوفياتي الملحد. الورقة القديمة نفسها يتمّ تجديدها وللأسف هناك من يبتلع الطعم داخل مجتمعاتنا, لكن على الأميركي أن يعي أن اشعال النيران ستحرق العالم برمته. اللهمبلغتاللهمفاشهد.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى