الوطن

الإدارة الأميركية تُزاودُ على ليلى عبد اللطيف!

 

} د. وفيق إبراهيم

السياسات الدوليّة محشوّة تاريخياً بكميات وافرة من التلفيق المدعوم بمعطيات مباشرة قد لا تكون حقيقية لكنها تعرض دلائل «مضخمة» يقبلها قسم من الرأي العام ويأباها آخرون.

لكن ما تُجمعُ عليه هذه الآلية هو تقديم تراتبية تبدأ من الاتهام المتكرر والإدانة الإعلامية، وأخيراً وضع المستهدف على لائحة العقوبات السرية للمخابرات وهذا يعني الاغتيال أو الاكتفاء بالعقوبة السياسية أي الاستمرار باستهدافه إعلامياً.

لكن ما فعله الأميركيون في دوائر قرارهم الرئاسي أنهم يستهدفون إيران سياسياً واقتصادياً بمواكبة توتير عسكري منذ أربعين عاماً، لا تزال العلاقات بينهما ترتفع حيناً الى مشارف اندلاع حرب كبيرة وتنخفض حيناً آخر الى مستوى احترام الخطوط الحمر بين مواقع النفوذ المختلفة.

إلا أن ادارة الرئيس الأميركي ترامب تخالف هذا النمط التقليدي وتبدأ بالاغتيال وتسارع الى تبريره بأن هذا القتيل المستهدَف كان ينوي تفجير سفارات ومراكز أميركية.

وعندما شعرت بأن هذه الحجة واهية وركيكة أرفقتها باتهام المجني عليه بأنه قتل آلاف الأميركيين في الشرق الاوسط متسبباً بالفوضى الكبيرة التي تضرب المنطقة.

إن أحداً لم يصدق هذه الروايات الأميركية لأن إيران لم ترسل جيشاً لاجتياح أميركا الشمالية او الجنوبية ولم تنشر ألويتها في دول الشرق الاوسط. وهذا ما أكده مجلس النواب الأميركي الذي كشف أن تبريرات ترامب ووزير خارجيته بومبيو غير مقنعة ولا دلائل صادقة عليها.

فالأميركيون هم الذين يحاصرون إيران وليس العكس ويجتاحون عسكرياً معظم دول المنطقة.

ويحتلّون افغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن ولديهم تسع قواعد على الشاطئ العربي من الخليج قبالة الساحل الفارسي تبدأ من الكويت والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وصولاً الى عُمان والاردن، بالإضافة الى تسع قواعد في العراق ومراكز تموين وتذخير في مصر وأكبر قواعد في تركيا.

استناداً الى هذه المعطيات يجب التساؤل عن هوية هذا المعتدي: هل هم الإيرانيون أم الأميركيون؟

اما حكــايات أذرع إيران فمُضحــكة بدورها. فحزب الله استفاد من الدعم الإيراني لتحـــرير جنـــوب لبنان من «اسرائيل» محارباً إرهاباً كونــــياً في سورية ومناطق بلاده الحدودية، كما أن الدولة السورية حرّرت القسم الأكبر من بلادها الذي كان محتلاً من ارهاب مدعوم أميركياً بتعاونها مع الإيرانيين والروس وحزب الله.

اما الحشد الشعبي فقاتل بفتوى من المرجعية الدينية الكبرى ارهاباً كاد يلتهم كامل العراق بدعم تركي خليجي وبغض طرف أميركي متواطئ.

كما ان إيران استعانت بوحدتها الداخلية لمجابهة أعنف حصار اقتصادي تتعرّض له دولة معاصرة.

على مستوى الحوثيين في اليمن الذين يجابهون هجوماً سعودياً إماراتياً مدعوماً من الأميركيين والغربيين والخليجيين منذ خمسة أعوام متواصلة، وهؤلاء الحوثيّون هم من الزيود الذين يحكمون اليوم منذ ألف عام فقط.

هذا التشريح التاريخي الموثق يكشف أن عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس لا تستند الى حجة قانونية ولا تتكئ على مبررات واضحة باستثناء ما يدور من صراع سياسي بين أميركا وإيران على مستوى النفوذ والتحالفات في المنطقة، فأراد الأميركيون اثارة الاضطراب في العراق، والهلع في إيران باغتيال هذين المسؤولين الأمنيين.

وللتبرير زعم الأميركيون أن المستهدفين كانا يخطّطان لتفجير سفارات ومراكز للأميركيين في العراق والبلدان المجاورة.

لكنهم عجزوا عن عرض دلائل واضحة لاتهاماتهم التي بقيت على مستوى الهواجس والسرائر. وكان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقول للناس: أظهروا لنا حسن نواياكم والله أعلم بالسرائر. والسرائر هي النوايا المكتومة. ما يدفع الى التعجب من حكم كان قبل ألف عام لا يحكم بموجب النوايا الصامتة مكتفياً بمحبة الناس فيما يقوم حاكم أرعن في القرن الحادي والعشرين باغتيال قائدين كبيرين لتوجّسه منهما واعتقاده انهما يضمران العداء لبلاده الأميركية.

إن مثل هذا السلوك يستحضر أسلوب السيدة ليلى عبد اللطيف التي تمتهن «كار» الكشف عن الغيب وفنون التنجيم والتبصير.

وهذا يدفعها الى إطلاق «رؤاها» لزبائنها حول اوضاعهم المستقبلية، ويدفعها لإطلاق تنبؤات عن الأوضاع المستقبلية للعالم بأسره والسيدة عبد اللطيف تتقاضى مكافآت مقابل هذا الإلمام بالغيب، وهناك من يصدقها مقابل فئة لا تعتبرها مفيدة.

لذلك يبدو أن ترامب وفريقه يستـــفيدون من تجربة المنجمين فيطلقون أحكاماً على أخصـــامهم تتهمهم بالتخطيط السري لهجمات تستــهدفهم في قراءات تشبه قراءات «الطالع» و»التبصر» وتدين لمجرد النوايا.

وهذا يكشف عن وجود تشابه بين اسلوبي السيدة ليلى والرئيس ترامب انما مع اختلاف تداعيات التعامل مع السرائر، فما تقوله عبد اللطيف ينعش المستمعين او يسيء الى بعضهم، لكنه يتلاشى بعد مدة بسيطة من اطلاقه، اما قراءات سيد البيت الابيض لنوايا منافسي بلاده فقاتلة لأنه يستعين بالمخابرات وأجهزة الأمن القومي لاغتيال كل من يقع في إطار الاستلهامات التخيمنية لترامب ووزير خارجيته بومبيو.

لذلك بالإمكان إسداء نصيحة للبيت الأبيض تقضي بإيجاد مركز للسيدة عبد اللطيف في أعلى دوائر القرار الأميركي، يعمل على قراءة الطالع واحداث الايام المقبلة لتنظيم عمليات اغتيال واسعة لكل قيادي يناهض السياسات الأميركية وهذا ليس اتهاماً موجّهاً لعبد اللطيف بل لترامب الذي يستطيع إيجاد عمل في الشرق الاوسط يقوم على التبصر وللاغتيال فقط، كما تفعل السياسة الأميركية في مختلف بلدان العالم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى