الوطن

ما هكذا تورد يا سعد الإبل…!

 علي بدر الدين

ليس مقبولاً الاستمرار في الضغط على اللبنانيين في ما يتعلق بتشكيل الحكومة انْ لجهة تحديد مواعيد الولادة او لجهة الشكل والحجم والأسماء ووضعهم بين خياري التفاؤل والتشاؤم من دون وجود معطيات ومؤشرات جدية توحي فعلاً بأنّ هذه الحكومة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وهي بين الولادة والتعثر والتأجيل، لأننا بذلك ننساق الى لعبة الخداع والأضاليل والوعود المطاطة التي تتقنها الطبقة السياسية، ولطالما انطلت ألاعيبها على سياسيين وإعلاميين تحوّل معظمهم الى عالم بالغيب والتوقعات، بعيداً عن الواقع والغرق في حبائل هذه الطبقة المتمرّسة في تضييع الوقت وحرف اللبنانيين عن الأخطار المتربصة بهم. وهم عن قصد أو من دونه يبرّرون لهذه الطبقة سلوكها الذي يعيق التشكيل بل يسوّقون عروضها الإغرائية والإرضائية بعناوين طائفية ومذهبية ووطنية، ومن دون ان يدركوا انّ إقحام مواقفهم وأقلامهم في الاستحقاق الحكومي وغيره انما يتشاركون مع الطبقة السياسية في تخدير اللبنانيين وإلهائهم وإشغالهم بالأسماء التي ترمى في سوق عكاظ التوزير، وبالبحث عن أسماء نظيفة تستحق هذا الشرف، وكأنّ الشعب هو من سيشكل الحكومة ويختار الوزراء، والأسوأ هو إقحام أسماء في تشكيلات وهمية للوزير وتسويقها إعلامياً وقد تكون مدفوعة الأجر مما يساهم في تشويش اللبنانيين.

آخر التوقعات انّ بشائر التشكيل بدأت تلوح في الأفق وأوّل الغيث اللقاء الذي جمع الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف حسان دياب وقد ينبئ بانهمار المطر اليوم او غداً او بعد غد، وهذا ما يأمله اللبنانيون بعد طول انتظار، ويعبروا الى الخواتيم السعيدة حكومياً فقط، من دون توقع إيجابيات أخرى وتفاهمات وتسويات على الطريق وان بدأت بحكومة من لون سياسي واحد لأنه لا بدّ من تشكيل الحكومة لو بعد حين ومهما كثر اللفّ والدوران والشروط التعجيزية ورفض قوى سياسية من لون سياسي واحد أيضاً المشاركة في الحكومة الجديدة.

لا ضير من أن تكون حكومة اللون الواحد لانّ اللون الآخر نأى أصحابه عن المشاركة وهذا حق له، المهمّ أن تكون الحكومة فاعلة ومنتجة وفي خدمة كلّ اللبنانيين على اختلاف ألوانهم. وهذا لا يعني أننا نبرّئ الألوان السياسية مما فعلته في هذا البلد الذي يسير إلى السقوط لأنه من عجينة وطنية واحدة وشركاء في الفساد والمحاصصة وإفقار الناس ومصادرة أموالهم.

انّ الصحوة المتأخرة للطبقة السياسية وحلحلة مكابح قطار التأليف ليس ناتجاً عن إحساس مفاجئ بالمسؤولية ولا عن وحي نزل فجأة وأيقظها من سباتها المزمن أو غيبوبتها المفتعلة التي لا تصحو منها الا للاطمئنان على مصالحها.

انّ ما حرّك مياهها الراكدة الانتقاد غير المسبوق لممثل الأمم المتحدة في لبنان، الذي حمّلها مسؤولية الفوضى الخطيرة في لبنان، وقال لهم «لا تلوموا الناس لوموا أنفسكم»، ثم صدمة الشارع في أماكن موجعة لهذه الطبقة وقد تنعكس على مستقبلها وتسقط حصان طروادة وتفتح المجال للمسّ بجوهر النظام الاقتصادي والمالي المتمثل بالمصرف المركزي خاصة والقطاع المصرفي عموماً. وهذا التحوّل النوعي في الحراك أصاب الطبقة السياسية في الصميم، وقد انتفض مجتمعه لإدانته ووضع حدّ له، وقد واجهته بالعنف .

الأهمّ في الأحداث التي طغت وعبّرت عن الاحتقان الشديد في الأيام الاخيرة، تمثل بعودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الى لبنان بعد غياب قارب الأسبوعين، تاركاً وطناً يغرق بالأزمات ومن دون حكومة فعلية، وشعباً يعاني ويذلّ. وكأنّ الأمل يرافق هذه العودة والاستجابة لطلب الرئيس بري لتفعيل حكومة تصريف أعمال، وهو يدرك انّ المسؤولية أمانة ودين يجب تسديده للوطن والشعب، الذي محضه ثقته تأجيل الخطاب الطائفي والمذهبي الانتقامي من كل أفرقاء الطبقة السياسية وقد أعاد الحريري الى تبريد مواقفه وإطفاء حماوته السياسية بأن طمأن اللبنانيين الى انه سيعطي فرصة لحكومة حسان دياب وينتظر أفعالها وبعدها لكلّ حادث حديث.

قيل لعمر بن عبد العزيز: إنّ الناس قد تمرّدت وساءت أخلاقها ولا يقوّمها الا السوط. قال: كذبتم فإنه قوّمها العدل والحق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى