عرض باليه لأطفال عبّروا بأجسادهم عن أحلام الغد في سورية المستقبل
} لورا محمود
أن يبدع الأطفال في زمن الحروب فهذا شيء يعبّر عن إرادة الحياة لديهم وأن يبدعوا ويعملوا ليشاركوا بعروض فنية على مستوى جيد، فهذا يعني أن إرادتهم أقوى من أن تكسرها حرب أو أن تؤثر فيها أي ثقافة غريبة عن مجتمعهم. فكلّ طفل هو فنان صغير يعبّر عن مكنوناته بطريقته الصادقة البعيدة عن التكلّف، والأهم أن يحافظ على خياله المبدع بعيداً عن صورة الحرب والدمار التي علقت كثيراً في ذهنه وأن يحظى برعاية نفسية وفكرية تحيده عن النتائج السلبية التي تتركها الحرب في داخله، لذا تعدّدت الفنون التي يتحدث بها الأطفال عما يشعرون ولعلّ الرقص من أفضل هذه الفنون. وعرض الباليه الذي أقيم في المركز الثقافي العربي في صحنايا في ريف دمشق جاء معبّراً عن كلّ طفل أراد أن يقول نحن هنا ننفض غبار الحرب عنّا لنبني غد سورية المشرق .
وبعد العرض كان لـ»البناء» لقاء مع مدربة الباليه سارة فرعون التي تحدثت عن العرض الذي تمّ التحضير له منذ شهرين تقريباً وعن رغبة الأطفال بأن يقدّموا عرضاً جميلاً، فقد تدرّبوا كثيراً وبشكل متواصل رغم صغر سنهم فأعمار المشاركات السبع في العرض بين 5 سنوات و 12 سنة.
وتابعت فرعون: قدّمنا 11 فقرة راقصة منوعة بين الباليه الكلاسيك والباليه المعاصر وفقرة واحدة قدمنا فيها الجمباز الإيقاعي، وأنا أدرب الأطفال وأتعامل معهم منذ سنتين. وهذه المرة الأولى التي نقدّم فيها عرضاً جماعياً مع الأطفال.
وأضافت: أرى نفسي بهؤلاء الأطفال فقد كنتُ بعمر الثلاث سنوات عندما بدأت برقص الباليه واستمريت بالرقص لمدة 12 سنة وتوقفت لأربع سنوات، ثم بدأت من جديد وشاركت ببطولة الجمهورية لأحصل على الجائزة الثانية في رقص الباليه على مستوى سورية، وأتمنّى إذا تركت الباليه في يوم من الأيام أن يكون هناك مَن يتابع هذه المسيرة وأطمح أن نقدّم عروضاً على مستوى أفضل وفي أماكن مختلفة.
أما المخرج هشام فرعون فقال لـ»البناء» عندما طلبت مني المدربة سارة المساعدة حاولت أن أقدم كل الدعم اللوجستي لها وللأطفال. فالعرض هو عبارة عن محاولة لتقدم مواهب من بلد الحرب التي عاشت الكثير من المآسي لذا حاولنا أن نكون دافعاً للأطفال ليستمروا لأنهم المستقبل، وقد اجتهدوا كثيراً وتدربوا ليقدّموا هذا العرض. وأريد أن أوجه شكر للمركز الثقافي لأنهم كانوا متعاونين جداً معنا.
وأضاف: أنا بالأساس أحب الفنّ وفنّ الباليه خاصة لأنه فن جميل والفنّ في سورية ليس بجديد، فمنذ قدم التاريخ وسورية ولادة للمبدعين والفنانين سواء بالفن العمراني الذي تشتهر به سورية أو حتى بفنّ الرسم أو الغناء أو التمثيل والموسيقى. فالحضارات المتعاقبة على سورية كانت تهتم بكلّ الفنون على اختلاف صنوفها.
وبالنسبة للباليه فالأطفال يرقصون بإحساسهم وليس بعضلاتهم، وهذا الإحساس إذا استطعنا أن نخرجه من الأطفال ونترجمه بتعابير جسدية، فهذا يعني أننا استطعنا أن نخرج الجمال الذي في داخلهم وهذا شيء مهم، فنحن نتواصل مع بعضنا مثلاً بلغة الإشارة وأيضاً بلغة الجسد.
وعن اهتمام الأهل بهذا النوع من الفنون والإقبال عليه نوّه فرعون أن هناك اقبالاً على هذا الفنّ، ولكن معظم الذين يرقصون الباليه هن من الفتيات. وأنا أرى أن هذا شيء خاطئ، فأي نوع من الفنون يجب أن لا نخصّه بجنس واحد. فالباليه هو فنّ تعبيري وهناك رأي جماعي يقول إن أجسام الأطفال مرنة وطياعة قادرة على أداء أي حركة مهما كانت صعبة من خلال الممارسة لذا يجب على الأهل أن يشجّعوا أطفالهم سواء ذكوراً أو إناثاً على مختلف أنواع الفنّ وعدم حصره بذكر أو أنثى. فأي نوع من الفنون هو رسالة وخلال الأزمة التي عشناها في سورية نما الفكر الثقافي في عقول الناس أكثر، فأصبح الأهل يعطون لأبنائهم حرية أكثر بما يخصّ الفنّ، فقد كان التحصيل العلمي هو الأهم من أي موهبة يمتلكها الطفل لكن اليوم أصبح هناك توازٍ بالاهتمام. فالطفل اليوم يتابع دراسته، إضافة إلى تنمية موهبته وهذا يجعل عقله يعمل بطريقة أفضل.
وعن المعهد السينمائي أو أكاديمية التدريب الفنّي الذي يديره فرعون وهو في طور الافتتاح، أشار فرعون إلى أن المعهد له فرعان في سورية ولبنان وسيفتح أبوابه أوائل شهر آذار المقبل ومدة الدراسة فيه سنتان وُيدرس كل ما يخصّ السينما، ولكن بطريقة متخصصة أكثر. فاختصاص الإخراج يدرس وحده والسيناريو وحده إضافة لكل العلوم السينمائية الأخرى ويعطى الطالب بعد التخرج شهادة سورية وشهادة أميركية معترف بها في كل دول العالم وهو بمثابة أمل لكل سوري موهوب ليطرق أبواب العالمية، وهو أيضاً بمثابة أمل لمواهب كثيرة ربما لا تجد مكاناً لها في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يقدّم عليه آلاف الطلاب ويقبل منهم القليل.
وتابع فرعون: أكاديمية التدريب الفني تدرس تحديداً كلّ ما يخص السينما وندرب الممثل على الوقوف أمام الكاميرا والوقوف خلف المايكرفون، إضافة إلى بعض المواد التي تخصّ المسرح فالغاية من مشروع المعهد أن يكون لدينا سينما قادرة على الوصول للعالمية والمشاركة بالمهرجانات عالمية وأن نعرّف عن سورية والفنّ السوري بطريقة صحيحة.
مديرة معهد «إبداع» الذي يتدرّب فيه الأطفال على رقص الباليه سهير الحوش لفتت لـ»البناء» إلى أن معهد إبداع يحاول أن يكون للفنّ حصة في برنامجه التعليمي، فالباليه فنّ تعبيري راقٍ يرفع من سوية التعبير لدى الطفل. فالطفل يعبّر بوسائل مختلفة سواء بالرسم أو بالموسيقى أو الغناء ورقص الباليه، هو وسيلة أيضاً ليعبّر كل طفل عن نفسه وما يشعربه وقد تفاجأنا من الإقبال الكبير على هذا النوع من الفنون لذلك أردنا أن يكون لهذا الجهد الذي يقوم به الأطفال عرض خاص بهم يشجّعهم أكثرعلى الاستمرار.
وأضافت الحوش: لقد تمّ اختيار المدرّبة السارة لأنها بطلة سورية في الرقص المعاصر والباليه ولها باع طويل في التعامل مع الأطفال ونعمل على أن يكون هناك عروض أهم في الأيام المقبلة.
وعبر الأطفال لـ»البناء» خلال لقائنا معهم عن فرحتهم بمشاركتهم بهذا العرض.
لين فرعون إحدى المشاركات في العرض قالت: تدربنا كثيراً على هذا العرض. فالحركات التي قمنا بها صعبة بعض الشيء، لكن مع التدريب المستمر أصبحت أجسامنا مرنة لذلك استطعنا تقديم الفقرات الراقصة بدون أخطاء.
بدورها الطفلة كريستين نجار قالت: منذ أسبوعين ونحن نتدرب على هذا العرض بشكل يومي وكنا نستمع لتوجيات المدربة حتى نقدم عرضاً فيه انسجام، فالباليه يحتاج اضافة الى الحركة الصحيحة ايضاً إلى الإحساس بالموسيقى التي نرقص على أنغامها.