حديث الجمعة

مختصر مفيد تركيا وخطورة التوسُّع الإقليمي

يبدو الأسهل علينا هو رمي المسؤولية على سوانا، والأسهل هو عندما لا يكون هذا الآخر أميركا. فالرائج اليوم في الحديث عن مخاطر توسع الدور التركي في المنطقة، أن هذا التوسّع يجري تحت الغطاء الروسي، ولو سلّمنا جدلاً بهذا الغطاء فالسؤال لا يتغيّر، وهو هل يشكل هذا الغطاء حائلاً دون مواجهة الدور التركي؟ وهل كان أخطر وأقوى من الدور التركي في سورية؟ وهل نجحت سورية بمواجهته رغم الرغبة الروسية في مراحل معينة بتجميد المواجهة، ومن ثم بالتوصل لحلول سياسية لها؟ وما الذي حدث في النهاية، هل نجحت تركيا بفرض مشروعها، أم هل وقفت روسيا مع تركيا، أم وقفت روسيا على الحياد، أم حسمت أمرها وقاتلت إلى جانب سورية؟

التجربة التي خاضتها سورية واضحة، ومضمونها أن التوحّش التركي لا يمكن رده بالعلاقات الدبلوماسية، وأن المراوغة التركية والقدرة على تبديل التحالفات لا يمكن مواجهتها بإلقاء اللوم على الغير، وأن الثبات في مواجهة التوسّع التركي والأطماع التركية يحتاجان إلى إرادة وتضحيات، وأن روسيا حليف يمكن الاعتماد عليه إذا ثبتنا في مواقعنا ودافعنا عن حقوقنا، لكن شرط ألا نتموضع على ضفاف الضعف مع الأميركي والإسرائيلي بعكس مصالحنا ونتوقع من روسيا تقديم التبرّعات لنا.

قاتلت روسيا في سورية بوجه المشروع التركي رغم حجم المصالح التي تربطها بتركيا، لأنها وجدت حليفاً أشد صدقاً ومصالح أكثر ثباتاً ووضوحاً، ومدافعا شرساً عن حقوقه لا يساوم ولا يلين، لكن توقع المثل في ليبيا وفي لبنان وفي العراق حيث يسلّح ويدير الأتراك ميليشيات لتأمين توسيع الدور الإقليمي لتركيا في أزمات المنطقة، ليس بالتمنّي ولا بالإدانة، بل بالتساؤل هل فتحنا الباب لتوازن في علاقاتنا بين روسيا وأميركا على الأقل لننتظر من روسيا الابتعاد عن الباب التركي لدخول الملفات الإقليمية؟ وهل قمنا بخيارات في مصالحنا من منطلق القرار المستقل ووجدنا أنفسنا في مصر والأردن وفلسطين مثلاً نرتبط بأنبوب الغاز الإسرائيلي المنافس للأنبوب الروسي نحو أوروبا والذي تشترك فيه تركيا وتسوّق توسّع دورها الإقليمي لحمايته؟

–   التمسك العربي بالخضوع والتبعية للأميركي والتعامل مع روسيا كقوة ثانوية سيجلب الكوارث على المصالح العربية وعلى الأمن العربي، والأخطر على مستقبل الثروات العربية، فتركيا تخاصم العرب وتقوّض مكانتهم، لكن من يستسيغ العلاقة بالعدو الأول لشعوب المنطقة، الذي يمثله كيان الاحتلال ولا يرى مشكلة في جعل المصالح العربية تحت الإمرة الإسرائيلية يفقد حقه بالحديث عن عداوات تنطلق من المصالح الوطنية والقومية، ويفقد حقه بتحديد مفهوم للأمن القومي.

ناصر قنديل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى