أولى

حكومة دياب… 
جرعة أمل تدعو للتفاؤل

 د. جمال زهران

في مقالي السابق، كنت أدعو إلى ضرورة أن تكون هناك حكومة في البلدان العربية، التي لا توجد فيها حكومات وهي (لبنان، والعراق، والجزائر)، على وجه الخصوص، وأنه يجب الإسراع بإتمام تشكيل الحكومة فيها، حرصاً على المصلحة العامة للشعب العربي هنا أو هناك، ودرءاً للمؤامرات، وملء للفراغ. وبالفعل كانت أول ولادة حكومية في هذه البلدان الثلاثة، من نصيب لبنان الثائر الذي شهد حراكاً شعبياً، عُرف بالحراك الثالث.. ثورة 17 (تشرين الأول/ أكتوبر). فبعد ولادة صعبة ومتعسّرة، خرجت إلى الوجود حكومة الدكتور حسان دياب، ومعه (20) وزيراً، ليلة الأربعاء 21 – يناير 2020، بعد مشاورات مكثفة وبعد أكثر من شهر من بداية التكليف، وقبل عشرة أيام من انتهاء المهلة الرئاسية لتشكيل الحكومة المحدّدة بـ (6) أسابيع. وقد حاولت القبلية السياسية في لبنان أن تعيق التشكيل بأيّ شكل، بحيث يفشل الدكتور حسان ديابالمكلف بتشكيل الحكومة ورئاستها، إلا أنها فشلت بكلّ تأكيد. حيث كان الصراع ممتداً ما حول حجم الوزارة، والتمثيل الطائفي، وغير ذلك مما كان شائعاً، ولم تثن هذه الشائعات والإعاقات عن إصرار الدكتور حسان، عن تشكيل الحكومة، بل إنّ هذه المحاولات ربما زادته إصراراً على المضي قدماً وبقوة في تكوين هذه الحكومة. وقد كشف هذا الإصرار عن سمات شخصية لرئيس الحكومة اللبنانية، وهي: التحدّي، والصبر، والإصرار، والعزيمة، ورفض الفشل وحتميّة النجاح، وهي سمات لا شك في أنها ستكون مؤثرة على عمل الحكومة وأدائها. فضلاً عن شعور د. دياب، بعظم المسؤولية الوطنية التي تمليها الظروف، ويفرضها واقع جديد، هو واقع ما بعد الحراك الشعبي الذي بدأ في (17 تشرين الأول/ أكتوبر). ولذلك فقد أعلن د. حسان دياب انحيازه للحراك الشعبي، والتزامه بمطالبه، وأعلن رؤيته أنه يميل إلى الحكومة المصغّرة التكنوقراطية. وكان مُصراً على ألا يتجاوز عدد أعضائها (18) وزيراً، أصبح العدد (20) عضواً وفقاً للمواءمات التي فرضتها ظروف الحوارات مع الكتل المختلفة في البرلمان، خاصة التي لها أغلبية في البرلمان المكوّن من (128) عضواً.

وقد واجه د. دياب التحدي، بأنه شكل حكومته بضمان القبول والموافقة بأغلبية أعضاء البرلمان، ومن ثم امتلكت حكومته الشرعية السياسية بالقبول من غالبية أعضاء البرلمان. ولذلك لوحظت على د. دياب سمة أخرى هامة، وهي المرونة في النقاش بهدف إنجاز المطلوب بما يتفادى محاولات الإفشال العمدي للمهمة المكلف بها. وهو ما ستكون له انعكاسات إيجابية على أداء عمله في إدارة هذه الحكومة وإحداث التناغم بين أعضائها، بما يحقق الأهداف المأمولة للحراك الشعبي.

وخلاصة هذه النقطة، أن حكومة د. دياب، اتسمت بالعدد المتوسط (20/ وزيراً)، وضمّت من بينها (6) وزيرات، للدفاع، والعمل، والإعلام، والمهجّرين، والشباب والرياضة، والعدل، ومن ثم اتسمت الحكومة بالمهنية أو التكنوقراطيّة، ولكن في الوقت نفسه بغطاء محدّد من الانتماء الطائفي، وتحقيقاً لغطاء برلماني، لتمرير هذه الحكومة من دون اعتراضات على تشكيلها. كما أن التشكيل لم يتضمّن أي وزير من الحكومة الحريرية السابقة، استجابة لمطالب الحراك الشعبي وفي ضوء ذلك، فإنّ تشكيل الحكومة يأتي في المربع الإيجابي بدرجة كبيرة. فمثلاً وزير الخارجية الجديد (د. ناصيف حتي) هو أستاذ للعلاقات الدولية ذائع الصيت، وكان دبلوماسياً في الجامعة العربية، وعضواً في الجمعية العربية للعلوم السياسية، التي أتشرّف برئاستها الآن، فضلاً عن انتمائه للفكر القومي العروبي. كما أنّ د. طارق محمد المجذوب، هو أستاذ جامعي في الجامعة اللبنانية في مجال القانون الدستوري والعام، وهو نجل أستاذنا الدكتور / محمد المجذوب، الرئيس الأسبق للجمعية العربية للعلوم السياسية، وكنت قريباً منه في اللجنة التنفيذية، وعرفني على نجله د. طارق، وأثق من توجهاته العروبية القومية. وهناك البعض الآخر ممن أعرفهم شخصياً. ومن ثم فإنّ الحكومة تضمّ وجوهاً بارزة لها ماضٍ ناصع، وكفاءة مهنية كبيرة، ولهم غطاء سياسي، ووقع عليهم اختيار د. دياب، استجابة للحراك الشعبي، وبدعم من الرئيس ميشال عون، رجل المهام الصعبة منذ أن أتى للرئاسة قبل الحراك وبعده، وبدعم من غالبية الاتجاهات السياسية وفي مقدمتها قوى المقاومة (حزب الله وحركة أمل بقيادة الرئيس بري).

والخلاصة، فإنني أتوقع النجاح لهذه الحكومة، وأنها القادرة على ترجمة المطالب الشعبية للحراك، واستعادة زمام المبادرة في إعادة ترتيب الوضع الاقتصادي، ورفع مستوى المعيشة، وتحريك عجلة الأسواق والإنتاج ومواجهة الفساد، واسترداد أموال الشعب المنهوبة والمهرّبة للخارج. وعلى الجميع أن يعطوا هذه الحكومة الفرصة، وأن يكفّ البعض عن التربص بها ووضع العراقيل أمامها، تحقيقاً للصالح العام، وتفويتاً للقوى الأجنبية عن التدخل في الشأن اللبناني. فصالح المجتمع اللبناني، يجب أن يعلو فوق الجميع، فحكومة دياب جرعة أملتدعو للتفاؤل.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى