حديث الجمعة

هي نظرة.. تعقبها حياة..

 

 

محمد علي كلاي، بطل الملاكمة المعروف، كان في فترة شبابه يملك بدناً قوياً، ولأسباب مرضية أو غيرها لسنا بواثقين عطل البدن وأصيب بالشلل الرعاش، ولكنّ ذلك لم يمنعه من مواجهة الجماهير على شاشات التلفزة دون خشية المعايرة أو السخرية أو سائر أشكال السفه..

في دول أوربا الشرقية والغربية تشير الإحصائيات إلى أنّ عدد المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة كما والمعاقين في إطار المعدلات الطبيعية والمعتدلة، لكنّ الأهم من هذا أنهم في تلك المجتمعات لا يدفنون مرضاهم فيسكتوهم، كما لا يستحون من مسنّيهم فيئدوهم، ولا يشفقون على المعاقين فيقبروهم أحياء داخل بيوتهم.

متى سيحين الوقت الذي نتعامل بلا شفقة مع مرضانا لا سيّما من يعتزون بأنفسهم كبعض الفنانين أو الأبطال الذين كانت إطلالاتهم في وسائل الإعلام أكثر من تواجدهم مع عائلاتهم!!

متى نكفّ عن تخزينهم في البيوت حتى كممنا أرواحهم وضاعفنا إعاقتهم، لأننا نحن من نعاني من إعاقة قبول المتخلف ورفض التعاطي مع المريض!!

أذكر في مرحلة من مراحل الدراسة كانت لي صديقة أستطيع أن أطلق عليها لقب (الأنتيم) لشدة محبتي لها وتواصلنا الدائم مع بعضنا البعض، كنت أزورها في منزلها كما كانت تفعل معي، وبقيت أزورها عشرة أعواماً. ولم ألحظ أن لها أخاً مصاباً بشلل نصفي لا يقدر على السير. في إحدى الزيارات لمنزلها لم يكن أحد في المنزل وبقيت بضع دقائق أقرع جرس المنزل وما من مُجيب، هممتُ للمغادرة وإذ بصوت أقرب منه إلى المناجاة يقول: «لقد تركوني وحدي وذهبوا للتسوّق، هل أستطيع أن أخدمك بشيء؟ نظرت إلى صاحب الصوت وكنتُ أول مرّة أشاهد هذا الصبي الجميل في منزل صديقتي!!

لا أدري لما هذا التصرف القاسي من الأهالي الذين حباهم الله أطفالاً يملكون بعض الصفات الخاصة. فلماذا هذا الجفاء والإهمال المتعمّد!!

أسنشهد صباحاً نكفّ فيه عن التحديق فيمن لديه بهاق أو سواه من الأمراض الظاهرة الأعراض؟

بيوت العرب عامرة بمرضى (متلازمة داون)، لكننا ندفنهم وهم أحياء، خشية المعايرة!!

ديارنا زاخرة بمرضى التوحّد وبالمرضى النفسيين وبذوي الاحتياجات الخاصة، ولكننا اعتدنا الّا نظهر للشارع أو للشاشات سوى النجوم رغم أنّ السماء مليئة بالشهب والنيازك والأجسام المختلفة!!

القليل من الودّ يعد بحياة ثانية لهم، القليل من لذّة الحرية التي نمنحها لهم تعيد توازن أرواحهم، القليل من فرح الطفولة اتجاههم يعد بتجفيف منابع حزنهم..

بمعاملتهم بالقسوة نجني عليهم كما يجني عليهم أيّ غريب، وجناية ذوي القربى أقسى أنواع الجنايات.

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى