ثقافة وفنون

زياد كاج.. أمر فظيع «حصل» «مُسعِفٌ» في «صبرا وشاتيلا»

} اعتدال صادق شومان

وصولاً إلى مجزرة صبرا وشاتيلا، يسرد الروائي والشاعر اللبناني زياد كاج في إصداره الجديد «أمر فظيع يحصل» (صادر عن دار نلسون) تجربته كمسعِف سابق في جهاز متطوّعي الدفاع المدني في بيروت في زمن الحرب اللبنانية التي «يستنكرها» اللبنانيون على قاعدة «تنذكر وما تنعاد»، إلا أنها تبقى في الألم والذاكرةوالتاريخ ولا تُنسى.

في عصفٍ موجِع ذراً وجماً تبسط ذكريات زياد الكاج أجنحتها بين دفّتي «الرواية» المستقاة من تجربة شخصية وأحداث واقعية عاشها واختبر أهوالها المؤلف في رحلة أعادته مع القارئ الى 38 سنة عجافاً بكل ما فيها من مآسٍ وآلام، حفرت عميقاً على حياة أناس جاؤوها وعاشوها ممن بقوا أو ذهبوا.

وقد حسبها زياد «مغامرة» فإذ بها «زلزال»، هزّ كيان الفتى على مقاعد الدراسة مع أبطال روايته يحملون أسماءهم الحقيقيّة مستعيداً الأحداث مسلّطاً الضوء على مكوّن بشري عماده مجموعة من الشابات والشبان انضووا تطوّعاً للعمل الإنسانيّ في زمن الحرب، ليطويهم النسيان خلف جدران الذاكرة في زمن السلم في دورة تعاقب الأجيال وتبادل الأدوار.

تبدأ الفكرة عند زياد كاج في إعادة تسجيل تجربته الشخصية في العمل التطوّعي الإنسانيّ عند عودة رئيس مجموعته في الدفاع المدني «الكابتن غسان» من السفر، ليبدأ حديث الذكريات ومحطّات الشباب والنضال والقصف العشوائيّ والانفجارات و»سندويشات المعكرونة» وعِشرة «رفاق» طيّبة «ظنّوا أن السماء تحميهم» على اعتبار أن «الحماية الدولية» تمنحهم الإحساس بالأمان.

حتى وقع الانفجارالذي قيل إنه كان استهدافاً لمركز «القوميّين» في منطقة الحمرا والذي حصد عدداً من عناصر الدفاع المدني وودّعتهم بيروت في مشهد جليل.

في مرويّات شريط ذكريات زياد كاج توصيف للوضع العام للعاصمة بيروت تحت واقع الحرب الأهليّة الدمويّة بكل شناعتها التي فصمت بيروت وكل لبنان عن واقعه الجغرافيّ والإنسانيّ موصفاً للوضع الميدانيّ والسياسيّ للمدينة عبر مواقف ومرويات لشخصيات وقيادات بيروتية تلخص للقارئ ملمّحاً عن الصورة التي كانت عليها مدينة الكاتب ومسقط رأسه التي خصّها كما في كل كتبه السالفة، فيعيد اكتشافها مستحضراً ناسها وسكانها، العادات والأسماء، والشخوص، ونسيجها الاجتماعيّ الفريد بتنوّعه.

وهكذا يمضي زياد كاج في روايته الواقعية «أمر فظيع يحصل» على وقع المعتاد من التفاصيل اليوميّة وإن كانت في ظروف الحرب التي بالنهاية نعتادها ونكيّف حالنا وأحوالنا على وقع تقلّباتها وطبولها الدامية.

الى ان حَدَث «أمر غير عادي حصل هناك «لتقودهم سيارة الإسعاف البيضاء الى حيث قيل لهم أن يتوقّعوا «الأسوأ» الا إن الأسوأ في مخيم صبرا وشاتيلا كان أفظع بكثير من قدرة الإنسان على تحمّل شناعته.. ارتكبتها يد واحدة يد الإجرام «الإسرائيلية» وعصاباتها الموصوفة.

شريط أحداث طويل في تفاصيله الأكثر إيلاماً ومشاهد لأعمال وحشية استيقظ عليها العالم ومَن بقي على قيد الحياة من أبناء المخيّمين على مجزرة من أكثر الفصول الدمويّة وأبشع المذابح في تاريخ البشريّة.

ورغم مرور الأيام لا يزال جرحها طريّاً، كما لو أن المجزرة وقعت اليوم أو «غداً».

شناعة لن يردمها ترابُ العالم كله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى