أولى

صفقة العصر بين إنجيليّي أميركا وتلموديّي الكيان

} هاني سليمان*

إنّ ما يُعرف بصفقة العصر، ليس بصفقة، بل هو إعلان من طرف واحد، رفضه الطرف الآخر، فسقط في المبدأ، والمطلوب أن يسقط في الواقع.

لقد وقف العالم كله ضدّ هذا الإعلان قبل أن يحصل. كل بطريقته، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

وحدها الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الحالية، تتحدى العالم وقيمَه الإنسانية وأعرافه الدولية وشرعة حقوق الإنسان فيه.

قلنا إنه سقط في المبدأ، والشعب الفلسطيني العظيم مهيأ لإسقاطه في الواقع في عمل تراكمي جبار، يجعل الطفل في السرير يهتف للكوفية والحجر وللبندقية والخنجر، ويدفع دمعة الكهل مدراراً ترحّماً على «عمر بن الخطاب»الذي حرّر القدس من يد الرومان بعد أن استولوا عليها سنة 63 قبل الميلاد، وعلى «صلاح الدين الأيوبي» الذي حرّرها من الفرنجة بعد الاستيلاء عليها سنة 1189م.

لماذا القدس ولماذا العين عليها منذ ألفي سنة؟

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1 – الاسراء)

يروي الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل، أنه كلما جلس إلى وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر يقول له هذا الأخير: «دعك من الماضي ومن القومية العربية، أخرج من لغتك الخشبية وحدّثني عن المستقبل المشرق والسلام الموعود مع إسرائيل، أعطوا القدس لإسرائيل وخذوا منطقة «أبو ديس» المحاذية لها، ونحن نبني لكم فيها مدينة أكبر وأحدث من القدس. نحن في أميركا خلال شهرين نزيل أحياء بكاملها ونقيم مكانها أجمل المدن».

قبل شهر تقريباً، أدلى بنيامين نتنياهو بتصريح معبِّر قال فيه: «كما قضينا على فكرة القومية العربية فإنّ المهمة المركزية أمامنا هي القضاء على الدور الإيراني في المنطقة». كما أدلى سابقاً بتصريح معبّر قال فيه: «إذا قَبل الفلسطينيون صفقة العصر فسنحوّل غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط». يقصد أنه سيجعلها مقصداً للسياحة والتجارة الدولية والأعمال الناجحة.

ومن يعرف طريقة تفكير الرئيس الأميركي، يتأكد أنّ السيد ترامب قد قرأ وثيقة مكتوبة بخط يد نتنياهو لا أكثر ولا أقلّ.

يروي وزير خارجية مصر الأسبق محمد إبراهيم كامل في مذكراته الشهيرة «السلام المفقود»: أنه خلال محادثات «كامب دايفيد»، تشكلت لجنتان، واحدة مصرية وأخرى إسرائيلية، تجتمعان دورياً في كل من القاهرة وتل أبيب. وأنه خلال أحد الاجتماعات دخل رئيس وزراء الكيان «مناحيم بيغن» إلى قاعة الاجتماع وخاطب وزير خارجيته «موشي دايان» قائلاً له: لماذا تضيّعون وقتكم مع هؤلاء.. ثم التفت إلى محمد إبراهيم كامل وقال له: «تطلبون منا الانسحاب من الضفة الغربية أرض آبائنا وأجدادنا، هل نحن مجانين لدرجة ان نفكر بمناقشة هذا الطلب، وهل طلبنا منكم يوماً أن تنسحبوا من القاهرة»؟

هذا يؤكد أنّ تفاصيل الصفقة المتعلقة بالضفة الغربية، قد كتبت منذ وقت بعيد بروحية التلمود والتوراة.

إنّ الرئيس ترامب يدين للطائفة الأنجيلية الأكبر عدداً في أميركا المتعاطفة مع الكيان الصهيوني، بانتخابه رئيساً لأميركا، وهو اليوم يعوِّل عليها في التجديد له لولاية ثانية.

صحيح أنّ فلسطين تعيش اليوم في عين العاصفة، لكنها لم تستسلم، بل أعطت الدروس والعِبر لكلّ دارس ومعتبر.

وبالرغم من كلّ شيء، فإنّ العدو يعيش مأزقه التاريخي، فبعد الوعد بالوصل بين الفرات والنيل، تسَيِّج «إسرائيل» شرنقتها حول نفسها بالجدران العازلة مع كل بلد عربي، وخاصة مع قطاع غزة الذي قهرها بصموده التاريخي. ومع تعاظم دور المقاومة إنقلبت الآية تماماً، فبعد أن كان العدو يهدّد بالعدوان، فإذا به يُطمئن المستوطنين إلى أرواحهم وأمنهم، بالقول إنه لا حرب في الأفق مع  حزب الله.

إنّ الكيان الصهيوني على كفّ العفريتين «ترامب» و»نتنياهو»، ولن تنفع صفقات أو اعلانات.

من «بلفور» إلى «ترامب»، مئة سنة، والشعب الفلسطيني يقاتل ولم يستسلم، ولم يرفع الراية البيضاء، بل هو بإذن الله سيرفع راية النصر والتحرير، وما النصر إلاّ صبر ساعة.

لكن للأسف، يبدو في الصورة مشهدان بارزان، مشهد الإصرار الدائم من الحركة الصهيونية على تنفيذ مخططاتها، ومشهد التشرذم العربي المؤدي إلى ضياع الحقوق.

متى تستفيق الضمائر؟

*محام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى