عربيات ودوليات

التداعيات المحتملة للتقارب التركيّ الأوكرانيّ على العلاقة مع روسيا

تقرير إخباري

اختتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة رسمية إلى أوكرانيا، رافقه فيها عدد من الوزراء، للمشاركة في النسخة الثامنة من اجتماع المجلس الاستراتيجيّ الرفيع المستوى بين البلدين.

وتباحث الرئيسان الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والتركي في العديد من القضايا وسبل تطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وأبرما اتفاقية تجارة حرة، كما أعلن زيلينسكي بأن بلاده ستحصل على مساعدة عسكرية من تركيا، بموجب اتفاق تعاون عسكري ومالي بين البلدين.

وعن سر الاهتمام التركي بالعلاقات مع أوكرانيا، والهدف الرئيسي من زيارة الرئيس أردوغان إلى كييف، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيفاستوبل الروسية عمار قناة: «نرى التحركات التركية متخبّطة نوعاً ما، وقد تورطت في أكثر من ملف دولي، والمرحلة الحالية هي الحاسمة والتي يجب على تركيا أن تؤدي فيها واجباتها تجاه هذه العمليات»، معتقداً أن «هذه الزيارة ليست نوعاً من التقارب بل هي رسالة يرسلها الرئيس التركي إلى أكثر من طرف، بأنه يملك علاقات وأن باستطاعته تحقيق مكتسبات جديدة».

ويكمل: «رأينا أبان فترة حكم براشينكو بأن هناك كان بعض العلاقات وتطورت قبل التقارب الروسي التركي بعد إسقاط الطائرة الروسية، وكانت نقطة الالتقاء فيها هي مسألة العداء لروسيا في تلك الفترة، ولكن اليوم اعتقد أنها نوع من المناورات السياسية التي يجريها أردوغان في بعض الملفات العالقة مع الولايات المتحدة وروسيا».

ويتابع قناة: «نعلم جيداً أن منطقة شبه جزيرة القرم والتي يعيش فيها 20% تتار القرم والتي تعتبرهم تركيا جزءاً من الأمة التركية، ولذلك كان هناك الدعم الاقتصادي وحتى هناك كانت مقولات بأنه على استعداد لدعم المجموعات التترية على حدود القرم، ولكن ذلك لم ينفذ، لذلك يمكن القول إنها مناورات سياسية وإعلامية يستخدمها أردوغان في محاولة لكسب بعض المواقف للمعادلة السياسية الجديدة».

ويرى المحلل السياسي التركي فراس أوغلو بأن «الهدف الأساسي من الزيارة هو زيادة النفوذ التركي والتوسع باتجاه الشمال»، ويتابع: «أوكرانيا إحدى دول الاتحاد الأوروبي، وهذا مهم لحسابات أخرى، فلا بد أن يكون لديك أعضاء فاعلين هناك حتى وإن كانوا من الدرجة الثانية».

ويكمل أوغلو: «ثانياً هناك الناحية الثنائية التي تفيد تركيا في الكثير من الأمور كالمدّ العسكري والتجاري والأمني، وأيضاً تركيا ما زالت تعتبر قضية القرم قضية تركية، وهي لا تعترف حتى الآن بضم روسيا للقرم. وكان هناك الكثير من الحروب بين تركيا وروسيا من أجل شبه جزيرة القرم، ولكون فيها سكان أتراك تتار، فهي تشكل قضية حساسة بالنسبة لتركيا».

بدوره المحلل السياسي ومدير وكالة الاتصالات الاجتماعية سيرغي بيلاشكو يقول: «لتركيا الاهتمام نفسه خلال الـ500 عام الأخيرة، فجزء من أراضي أوكرانيا الحديثة كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وهذا العامل فضوليّ بشكل خاص، بالنظر إلى أن تركيا تعود إلى تراثها الإمبراطوري».

ويضيف: «أوكرانيا هي أرض واعدة للتوسّع الاقتصادي والسياسي التركي، وعلاوة على ذلك من المهمّ جداً لأردوغان موازنة المواجهة الاستراتيجية الناشئة مع روسيا من خلال نظام من الضوابط والتوازنات، وأوكرانيا سوف تصبح جزءاً من ذلك».

ويستدرك بيلاشكو: «أما من الناحية الاقتصادية فأوكرانيا تعدّ سوقاً كبيراً إلى حدّ ما للبضائع التركية، وتركيا مهتمة بتوسيع وجودها في الأسواق هناك، لبيع الملابس والأجهزة المنزليّة وحتى لبيع الغاز عبرها».

وكان قد ابتدأ الرئيس التركي زيارته بتصريح من الأراضي التركية حول «عدم اعتراف» بلاده بعودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وحيّا حرس الشرف الأوكراني الذي كان في استقباله بتحية «تحيا أوكرانيا»، والمعروفة بأنها تحية مستخدمة في وسط المتطرفين القوميين الأوكران والمناهضين لروسيا.

وعن إمكانية إثارة حفيظة الجانب الروسي من هذه التصرفات، يقول أستاذ العلاقات السياسية قناة: «اعتدنا على اتزان المنظومة الدبلوماسية الروسية، ولا أعتقد أنه سيكون هناك تعليق أو ردة فعل على هذه التصرفات الشخصية، حيث أن مسألة التحية (تحيا أوكرانيا) هي ليست فقط ضدّ روسيا، ولكنها ضد كل المجتمع الأوروبي، لأن مَن يستخدم هذه العبارة بالذات هم القوميون العنصريون في أوكرانيا، والكل يعلم مدى تعاملهم مع النازية في الحرب العالمية الثانية».

ويضيف: «اليوم لا يحسب أردوغان كثيراً بعض الخطوات وذلك لعدم وجود الخيارات أمامه، لذلك هذا يدفعه للوقوع في بعض الأخطاء الاستراتيجية والتي قد تعود عليه بالخطورة وأيضاً على تركيا وعلى دورها الإقليمي».

فيما أكد المحلل التركي فراس أوغلو بأن «تصريحات أردوغان تصبّ في مجال العلاقات الثنائية التركية الأوكرانية»، ويوضح: «لا أعتقد أن هذه التصريحات يمكن أن تثير حفيظة روسيا، فحتى الآن المجتمع الدولي لم يعترف بضمّ القرم إلى روسيا أو بعض الأمور الأخرى. وهذه أيضاً تبقى في العلاقات الثنائية الأوكرانية التركية، وهي أمور للجذب بين الطرفين، ولكن هذا لا يختلط مع العلاقات الروسية التركية».

ويواصل: «فلماذا لا نفكر بالعكس بأن تخاف أوكرانيا من تركيا لأن لديها علاقات أكثر استراتيجية مع روسيا، ولا يمكن مقارنة العلاقات التركية الروسية بالعلاقات التركية الأوكرانية. وهذا يبقى ضمن المجالات الثنائية، والدول لا تخلط هذا النوع من العلاقات، وهي ليست ضمن حلف أو استراتيجيات. فموضوع الحلف مختلف وهنا قد يؤثر على العلاقات».

أما المحلل الروسي بيلاشنكو فيرى أن «تصريحات أردوغان متقلبة ولا يمكن الاعتماد عليها»، ويتابع: «لن أدهش على الإطلاق إذا جاء أردوغان بعد هذه التصريحات المشبوهة حول شبه جزيرة القرم الروسية إلى هناك خلال أشهر عدة، وقال العكس تماماً، لا يمكن اتخاذ سياسات أردوغان كأمور ثابتة».

ويضيف: «يمكنه بسهولة تغيير خطابه في اليوم التالي تقريباً، لذلك لن أعلق أهمية كبيرة على هذه التصريحات أو التصرفات، وهذا لن يؤثر على العلاقات الروسية التركية الحقيقية».

وفي حين يتعاون الطرفان الروسي والتركي في ملفات عدة في الشرق الأوسط حالياً، وأبرزها الأزمة السورية والملف الليبي، بالإضافة إلى شراكة اقتصادية كبيرة في العديد من المشاريع، لا بدّ من تأثير التعاون التركيّ الأوكرانيّ على هذه العلاقات، في هذا الصّدد قال قناة:

«لا أعتقد أنها سيكون لها تأثير لا من قريب ولا من بعيد لأن مدى العلاقات التركية الروسية ليست فقط سياسياً بل واستراتيجياً أيضاً، وإذا ما رأينا المشاريع التي أجريت بين الطرفين ومنها السيل الجنوبي، ناهيك عن صفقة إس 400».

 وتابع: «هناك اليوم حاجة ملحّة للتعاون الروسي التركي، لا أعتقد أن مثل هذه العلاقة ممكن أن تؤثر على العلاقات شبه الاستراتيجية القائمة بين روسيا وتركيا في المرحلة الحالية».

أما المحلل السياسي التركي أوغلو فيرى أن «الطرفين يتعاملان مع كل ملف على حدة»، ويوضح: «يتم التأثير في الملف نفسه، فإذا حصل خلاف روسي تركي في الملف الليبي، فإنه سيبــقى في الملف الليبي ولن يؤثر على الملفـــات الأخرى كالعلاقات التجارية بين الطرفين على سبيل المثال».

ويضيف: «فهناك خلاف كبير روسي تركي في قضايا عدة متعلقة بملف الشمال السوري، لكن لن يؤثر ذلك في العلاقات التجارية بين الطرفين، لأن هذه الملفات تتغير مع الزمن، وكنا قد رأينا أن روسيا خرجت من الملف الليبي عام 2011، واليوم عادت أقوى من ذي قبل، وهكذا تدرس الملفات بحيث لا يمكن حسمها 100% أو حتى 0%».

فيما يؤكد الخبير الروسي بيلاشنكو أن «العلاقات التركية الأوكرانية ليس لها أي تأثير على العلاقات بين روسيا وتركيا»، ويوضح: «لا أعتقد أن أوكرانيا يمكنها أن تقدم لتركيا أي شيء جديد أو مفيد ليتقارب البلدان، وأعتقد أن الحوار مع أوكرانيا مجرد وسيلة للتأثير على الشركاء الحقيقيين لتركيا، بحيث يقدمون شروطاً أكثر ملائمة للجانب التركي، على سبيل المثال تكنولوجيا الطيران».

ويختم بيلاشنكو قوله: «من غير المرجّح أن تؤثر زيارة أردوغان لأوكرانيا بشكل ما على العلاقات مع روسيا في الشرق الأوسط تحديداً، فهناك ما يكفي من المشاكل، ولا أعتقد أن العامل الأوكراني هنا يمكن أن يؤخذ بالاعتبار».

                (سبوتنيك)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى