ثقافة وفنون

مناجـاة وطن

أسما مكارم كنعان*

تأججت نار الفتنة في لبنان وحَميَ وَطيسُها، وأصبح المتقاتلون أو المتصارعون ذئاباً كاسرة، يَنهشُ كل منهم جسد الآخر ولحمه، كأنه وحش جائع يفتش عن فريسَتِهِ ليلتهمَها دون معرفة الجرم الذي ارتكبه بحقه، بعد أن وَضَعَ رؤساؤهم، أو موجِّهوهم غِشاءً على أعينهم أعمى أبصارهم وبصائرهم وأصبحوا لا يدرون ما يفعلون سوى الاعتزاز بالجرائم التي تقترفها أياديهم الملطخة بدماء الأبرياء، وتُكحّل عُيونَهم برؤية أشلاءِ القتلَى تتناثرُ من حولهم، كأنهم أبطال عصرهم وكأنهم يصنعون المعجزات.

وسط هذه المعمعة المروّعة وخِضمّ المحنة التي ألمّت بنا، آلمني تمزيق وطني وضياع شعبه، فجاءت هاتان القصيدتان الأولى «مناجاة الوطن الجريح»، والثانية «وطن المحبة».

1

الوطـن الجريـح

 

وطني الجَريحَ رأيتُكَ تَتَخَضَبُ

بدمائكَ وجِراحُكَ لا تَنضُبُ

وطني الجَريحَ جِراحُكَ في عُمقِها

أدْمَتْ فؤادي والمَدامع تَسْكُبُ

وطني الجَريحَ تُرى شَبابُكَ ما بهم

لا يأبهونَ وجُرحُكَ يتَصَبّبُ

وطني الجَريحَ جِراحُكَ مِعْطاءةٌ

وعُروقِ جِسمِكَ كاللظى تَتَلَهَّبُ

وطني الجَريحَ غدا سكوتكَ قاتلاً

والصَمتُ يقتلنا وأنت المَطْلَبُ

2

وطـن المحبـة

وطَنَ المَحَبةِ والإخاءِ تَنَكَّروا

ما بَالُهُم في جَهلِهِمْ لَمْ يَذكُروا

إن الكَرامةَ للشعوبِ فَضيلَةٌ

كيف الكَرامةُ في بِلادي تُهدرُ

أينَ الجُنَاةُ، لِنَستَحِثَ ضَميرَهُمْ

أينَ الهُدَاةُ، تجمَّعوا كي يَثْأروا

أينَ البُنَاةُ كي تُشادَ صُروحُنا

أينَ المشاعِل في الظلامِ تُنْوِرُ

 

*شاعرة لبنانية، ولدت في قرية رأس المتن من قضاء جبل لبنان، عام 1931، في عائلة تحب العلم وقدسية الكلمة، وعاشت في وطن واعتنقت قضية شعب، تجاذبت أهله الدول والإرادات الخارجية والقوى الطائفية الرديفة لها.

آمنت بالعقيدة القومية الاجتماعية واتخذتها سبيلاً لها ولأسرتها، فنالت رتبة الأمانة في الحزب.

ولم تقف ثمانينيّاتها المباركة عن أن تتخذ من الكتاب خير شريك ومن قلمها خير أنيس. ورغم أنها بدأت تشكو منذ فترة من شحّ في النظر، لكنها ما زالت تقرأ بلا نظارات وبلا أي مساعدة، وتكتب إهداء متماسكاً معبراً قويّ الفكرة وماتع المعنى.

القصيدتان من ديوانها الأثير «جراح وطن»، الطبعة الثانية، الصادر في تشرين الثاني 2016، ويقع في 111 صفحة. ويستحق القراءة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى