ثقافة وفنون

صلاة القصيدة ودهشة المعنى في ديوان
«ما يلزم من ذهب لروحي» للشاعرة ربى سابا حبيب

ميشلين مبارك*

شِعرها ليس فقط قصائد منثورة او موزونة لا بل هي صلوات القصيدة المنبثقة من فجر الحروف، المتدفقة في نهر الأحاسيس اللازوردية. نعم هي صلوات لبست ثوب الشجن تارة وطرحة الفرح والرجاء طوراً آخر.

ربى سابا حبيب شاعرةٌ سيّرت خطواتها الشعرية كالضوء نحو الأفق، فزرعت التفاؤل من رحم الحزن وقطفت من الغربة كرمة الحنين.

ففي ديوانها الأخير «ما يلزم من ذهب لروحي» الصادر حديثاً عن دار نلسن، نقرأ الحب عند الشاعرة، نشعر بالوطن يختلج في أعماقنا وكأنّ هذا التماهي بين الحب والوطن مطبوع في الوجدان، مثال على ذلك قصيدة يلومني قلبي:

«… وكيف أنتَ

مثل وطني قابع في الارتباك

وجهُك يشبه الحيرة

همّك في داخلي

دوماً يناديني

أهرع إليك أرزة

تعشق الجذور

وطني أنتَ».

وتبعاً للفكرة السابقة، نشير إلى أنّ معظم القصائد أتت مسكونةً بهاجس الغربة وقلق الرحيل ربما نتيجة غربة اختارتها الشاعرة ردحاً من الزمن في فترة ما من حياتها، وإنْ تراءى لنا الواقع بأنها تعيش غربتها أم غربة الحبيب إلاّ انه وفي العمق هما يعيشان معاً بالروح، والأمر نفسه ينطبق على الوطن.

ففي قصيدة «من شدّة عطشي» تقول:

«من شدّة عطشي

شربتُك شربتَني

ومنازلي مفتوحة

حفظتك سكبتك في أقحوان فؤادي

صرت أراك من دون أن أراك

ابقَ ابقَ

في هدبي

لا ترحل

تطهّرت

تعمّدت في ملكوت مياهك…»

 

ليس غريباً البتّة هذا الوفاء للحبّ، والولاء للوطن عند شاعرة تحفظ حبيبها شهقة، يذوب في دمها حباً، يكون في حقيبة أشعارها حزن مسافر.

ولعلّ ما يميّز هذا الديوان بل وما يمّيز شعر الدكتورة حبيب بشكل عام، هو عنصر الدهشة، الذي يجعلنا نقرأ القصيدة أكثر من مرة لنستمتع بدهشة وجمالية الصور الشعرية: اليكَ أيّها القارئ المثال التالي:

«… حين هلّت معك وجوه أحبائي

اشتعلت في الحنايا

أجراساً وأيقونات

سال دمي في حضن الذاكرة

إلى أنهار الحنين

ظللتُ مسمّرة في الوفاء

أردت رفيقاً

يردُّني الى زيتون الصبا

أشرب وإياه شهقة الوقت»…

ختاماً، وربما أغالي إن قلت بأنّ قصائد الشاعرة ربى سابا حبيب تجعلنا نتصالح مع غربتنا نحن السائرون في متاهات هذه الحياة. فأمام مطر حروفها، يُهدَم حائطُ انتظاراتنا، وعند انتصاف الليل يشرق في روحنا الحبّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى