ثقافة وفنون

أرخبيل الجزر التسع

} إبراهيم محمد إبراهيم*

1

العناقيدُ تلكَ التي تتدلّى وتبحثُ عن قاطِفٍ، تَشبعُ العينُ منها ونترُكُها للعصافيرِ.. أمّا التي يتضاءلُ من تحتها سُلّمُ القاطِفينَ، فتَجمعُنا تحتها كالجرادِ الذي لا يطيرْ.. إنّه الحلم سيّدتي، فاعذُريني إذا ما تركتُكِ خلفَ البحارِ كليمونةٍ، كلما أزهرَ الشوقُ فيها تَذَكّرَني بالعبيرْ.

 

2

محبطٌ قال سلطانُ ثمّ مضى.. ويحيى مع الناسِ كي لا يموتْ.. ميّتٌ قالَ، يمشي على الأرضِ لكِنّهُ ميّتٌ بين هذي القُبورِ البيوتْ.. كُنتُ مثلكَ سلطانُ لكنّني بعدما ماتَ موتي أفقْتُ على جنةٍ تحتويني بأحضانها.. لا تسلْ كيفَ موتٌ يموتْ؟ فقطْ جرّدِ السيفَ.. قُلُ أيّها الموتُ خُذْها.. تجِدْ دمَهُ يملأُ الأرضَ.. واضربْ بسيفِكَ ثانِيةً يَنفَلِقْ دمُهُ.. وامْضِ مُبتَسِما للحياةِ على نبضِ قلبِكَ محتقِرا شَرَكَ العنكبوتْ.

 

3

بأحلامنا

سوف نُرعبُ هذا الفراغَ

بألواننا

سوف نقبرهُ في بياض المللْ

بأوهامنا

سوف نحبسهُ في القُدورِ

ونملأُ منهُ القُلَلْ

بآمالنا

سوف نلقيهِ في البحرِ

حتى يُقطّعَهُ الملحُ

كي يستبين انتقامَ الأملْ

تُرانا سنجلِسُ ثانِيةً يا صديقي

على هذه الطاوِلةْ؟

تُرانا سنضحكُ من حُزنِنا

مثلما نفعلُ اليومَ؟

أمْ أنّنا سوفَ نبكي على فرحٍ..؟

تُرانا سنهرِقُ أشعارَنا في الرّصيفِ،

ونجمعُها بين أقدامِ من لا يُبالونَ بالشعرِ،

أم أننا سوفَ نترُكُها تتلاشى

كما يتلاشى الغريبُ بأوجاعِهِ

في البلادِ الغريبةِ؟

يا صاحبي

خُذْ كتابي بيُمناكَ

وارحلْ إلى البيتِ

نمْ

وانسَ ما دارَ بيني وبينكَ

فالليلُ ينسى

في لحظة حزن عابرةٍ

 لا ترحلُ،

 بل ترحل بي

 في غابات الحزن..

 أباغتها بشقاوةِ من ألف الحزنَ

 وابتسمُ.

في لحظة حزن عابرةٍ

 تُبحر أشرعتي

 بسعادة أطفال الأرضِ

 إلى لحظة حزن عابرة أخرى..

 يا هذا العمرُ العابرُ

في لحظة حزن عابرةٍ،

عِدْني

ألا تعبر هذا اليَمَّ

وتتركني.

 

4

من هذا السكّرُ؟

من جاءَ يُحلّي في الوقتِ المُرّ؟

وكم سيُحلّي؟

عُتّقنا في الإبريقِ

وما عاد السّكرُ يُجدي..

لو بكّرَ يوماً،

لسرى فينا قطراً

وتماهى كالحزنِ بنا..

لكنّ الشايَ تَخدّرَ

واسودّ

وما جاء الضيفُ..

فمَن هذا السكّرْ؟

 

5

الجاهل يتعلّم

الغافل ينتبه ويتعلم

الطفل يكبر ويتعلم

الطاعن في السنّ ينتبه إلى أهمية التعليم ويتعلّم

صاحب الأخطاء يتعلّم من أخطائه

كن ما شئتُ مما سبق ففي الوقت سعة للتعلم، لكن إياك أن تكون ذلك الذي لم أضعه ضمن القائمة أعلاه (الأحمق) لأنه لا يتعلم أبداً!

 

6

حتى تتأكد تماماً أنك خط موازٍ لن يلتقي أبداً مع ذلك الآخر من البشر، عليك أن تمتدّ معه قدماً بقدر ما، قبل اتخاذ قرارك الأخير في البقاء على أمل اللقاء به أو فقدان الأمل في ذلك (هل نحن خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدّا؟) أم ثمة انحراف ما يجعل من اللقاء أمراً ممكناً!

7

 

كمْ ناياً يُمكِنُنا أنْ نصْنَعَ

منْ هذي الغابةِ؟

يسألُني التّاجِرُ..

قُلتُ لهُ: دَعْها،

فهي الآنَ

تُغَنّي.

 

8

للشجاعة وجهان:

قدرتك على شقّ جدار الصمت بكلمة حق

وقدرتك على التزام الصمت إذا أغرتك نفسك بقول الباطل.

 

9

وكلما انتهى الكثيبُ من غِنائهِ،

وذرّ آخرَ الرمالِ في المدى،

راحَ الغِناءُ وانتهى بلا صدى..

يا أيها الفراغُ

يا مُستودعُ الردى،

عزاؤنا بأننا نذوبُ في غِنائنا،

لتملأَ المكانَ بعدنا،

وتنتهي

كما انتهى غِناؤنا

سُدى.

 

* شاعر إماراتيّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى