أولى

كيف يصنع هادي قرارته؟ (1)

السفير علي أحمد الديلمي _

 

 

بعد أن تطرّقتُ في مقالات سابقة إلى أمور وممارسات عديدة تتعلق بفساد وزارة الخارجية في حكومةالشرعية، وبحكم التصاق السياسة الخارجية بما يحدث داخل اليمن سوف أركّز في مقالي هذا على أسلوب الرئيس عبدربه منصور هادي في التعامل مع الخارج والأدوات التي يستخدمها.

أولاً، مكتب الرئاسة بوضعه الحالي يُهيمن عليه مدير المكتب  عبدالله العليمي، حيث لا توجد دوائر متخصِّصة كما كانت في السابق تمدّ الرئيس بالمعلومات والتقارير المفصّلة التي يمكن أن تساعده في اتخاذ القرارت الهامة. ومن هنا لا يمكن أن يكون لهذا المكتب أيّ دور مهني مؤثر مساعد للرئاسة، بل على العكس تماماً، فقد مارس مدير المكتب ولا يزال دوراً أساء إلى الرئيس أكثر مما عاونه، حيث انخرط في الفساد من خلال توجيهاته بشأن مسائل كثيرة تتعلق مباشرة بأعمال الدولة والحكومة، ومنها وزارة الخارجية التي شارك في إفسادها بجعلها وكراً للمتنفذين من خلال التعيينات التي قام بها بصورة مخالفة للقانون، عبر وكيل الوزارة، ما أضعف دور الدبلوماسية اليمنية في السياسة الخارجية.

ثانياً، في ما يخصّ مستشاري الرئيس، يعلم الجميع أنّ هادي لا يعتمد عليهم في أيّ من القرارات الهامة ولا يستدعيهم إلا في بعض الاجتماعات التي يتمّ من خلالها إرسال بعض الرسائل السياسية. وجلّ ما يهمّ هؤلاء المستشارين الرواتب الضخمة والهبات التي يحصلون عليها من الرئيس، حتى أنهم اعتادوا على أن يكونوا مستشارين شكليين لا رأي لهم، فلا يُستشارون ولا يُشاركون في صنع القرار، إلا في ما يتعلق بالعلاقات مع السعودية بسبب قوة العلاقة بين السعودية وكثير من الأطراف اليمنية.

لذلك فإنّ الدائرة التي تؤثر على الرئيس في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا تتكوّن من السفراء الذين يلتقي بهم وتحديداً سفراء الدول العشر أصدقاء اليمن، بالإضافة إلى السفير في واشنطن أحمد عوض بن مبارك، وهو من أكثر السياسيين اليمنيين الذين برز دورهم وتأثيرهم على الرئيس هادي في وقت سريع وقصير ومستغرَب، بحكم أنّ السفير ابن مبارك جاء من خلفية أكاديميّة حيث كان أستاذاً في جامعة عمران.

خلال فترة تولّيه منصب أمين عام مؤتمر الحوار الوطني توسّع الدور السياسي لإبن مبارك حيث تمّ تعيينه مديراً لمكتب الرئاسة لفترة وجيزة، تمّ ترشيحه بعدها لرئاسة الوزراء وبعد أن تمّ الاعتراض عليه اعتذر عن عدم قبول المنصب، ليتمّ تعيينه بعد ذلك سفيراً لـالشرعيةفي واشنطن. ورغم عدم ظهور نشاط دبلوماسي كبير له في العاصمة الأميركية، رغم أنّ وضع اليمن  يتطلب منه ذلك، إلا أنّ الرجل، وبحسب سياسيين يمنيين وناشطين ودبلوماسيين وإعلاميين، هو من أكثر الأشخاص تأثيراً على الرئيس في السياسة الخارجية وكان له، حسب مصادر مطّلعة، دور كبير وأساسي في تعيين الكثير من السفراء الذين تمّ تعيينهم مؤخراً.

كما شارك في كلّ المفاوضات حول السلام في اليمن وكان يدير الوفد المفاوض، رغم أنه لم يكن ضمن الوفود الرسمية.

ثالثاً، وزارة الخارجية ورغم أنها من أهمّ الأدوات التي يُفترض أن تساهم مساهمة فعّالة وقوية في مساعدة الرئيس في رسم السياسة الخارجية، إلا أنّ الرئيس لم يولِ تلك الوزارة ولا وزيرها أيّ أهمية تذكر، إلا في ما يتعلق بالأعمال البروتوكولية في استقبال السفراء وحضور المؤتمرات.

 

أما في ما يتعلق بالأمور الهامة، فكلّ لقاءات الرئيس السياسية غالباً ما يكون فيها مع مدير مكتبه، وحتى من دون مترجم، بل يعتمد على ترجمة زوّاره.

إنّ غياب وزير الخارجية ووزراء آخرين والمستشارين عن اللقاءات الهامة للرئيس يعني أنّ الرئيس يتعمّد ذلك لكي يحتفظ بكلّ شيء في يده مع دائرة مغلقة صغيرة يتحكّم بها كما يريد، لذلك عمد هادي إلى تهميش وزارة الخارجية وتدميرها عن طريق تفريغها من كوادرها المهنيّة وأصبح ذلك منهجاً سياسياً يتّبعه خلال السنوات الأخيرة وحتى الآن.

وبالتالي فإنّ صناعة القرار في حكومة هادي ليست بالطريقة التي يعتقد البعض، أيّ أنّ المؤسّسات والمستشارين والوزراء يشاركون في صنع قرارات السياسة الخارجية من خلال رفع المقترحات والبدائل التي يختارها الرئيس وفق القواعد المُتّبعة في أيّ عملية صنع قرار تمّ فيها احتساب كلّ الإيجابيات والسلبيات والمنافع والأضرار وغيرها وعبر الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الخارجية، خصوصاً أنّ العمل الخارجي أهمّ أداة في يد الشرعية اليوم، لكنّ وجود الأداة في غياب الأكفّاء والقادرين عطلها حتى أصبحت ملاذاً لكلّ من يسعى إلى الكسب المادي من دون حق.

*دبلوماسي يمني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى