أولى

المقاومة هي الحلّ في مواجهة صفقة القرن!

لم يكن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تفاصيل صفقة القرن، هو العدوان الأول الذي استهدف فلسطين العربية، كما أكدنا في مقال الأسبوع الماضي، فمنذ ما يزيد على مئة عام وفي 1917 كانت هذه الأرض العربية المنكوبة موعودة بالمنح للعدو الصهيوني، من خلال بريطانيا التي كانت تحتلّ جزءاً كبيراً من وطننا العربي ومنه فلسطين العربية، حيث أرسل آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا في حكومة ديفيد لويد جورج في ذلك الوقت رسالة الى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد أهمّ الأثرياء اليهود البريطانيين يشير فيها الى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وللحقيقة لم يكن روتشيلد مقتنعاً بمسألة الوطن القومي لليهود عند بدايتها على يد هرتزل، ولكن أمرين حدثا غيّرا من توجه آل روتشيلد، أولاً: هجرة مجموعات كبيرة من اليهود الى أوروبا، ورفضت الاندماج في مجتمعاتها الجديدة، وهو ما أدّى الى بروز بعض المشكلات تجاه اليهود، بل وبين اليهود أنفسهم، فكان لا بدّ من حلّ لدفع هذه المجموعات اليهودية بعيداً عن مناطق المصالح الاستثمارية لآل روتشيلد. وثانياً: ظهور التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الكبرى في عام 1907، والذي يقرّر أنّ منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الغربية الحديثة، لكن هذه المنطقة تتسم بالعداء للحضارة الغربية، لذلك يجب العمل على تقسيمها، وعدم نقل التكنولوجيا الحديثة إليها، وإثارة العداوة بين طوائفها، وزرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر المتوسط والشمال الأفريقي. ومن هذا البند الأخير، ظهرت فائدة إقامة دولة يهودية بفلسطين، وهو الأمر الذي استثمره دعاة الصهيونية، وعلى ذلك تبنّى آل روتشيلد هذا الأمر، حيث وجدوا فيهحلاً مثالياًلمشاكل يهود أوروبا.

ثم جاء العدوان الأول في ظلّ عجز عربي واضح حيث كان وطننا العربي مقسّماً بين القوى الاستعمارية الكبرى في العالم في ذلك الوقت (بريطانيافرنسا)، لذلك عندما أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين في عام 1948 وغادرت قواتها، أصدرت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وعربية وكان بالطبع عدواناً جديداً على الأرض والشعب الفلسطيني. وهنا عارضت الدول العربية التي كانت لا تزال محتلة القرار وجهّزت نفسها لدخول الحرب لطرد العصابات الصهيونية المسلحة من الأرض الفلسطينية المغتصبة وكانت النتيجة هزيمة ساحقة للجيوش العربية بعد خيانات عربية من قبل بعض الأنظمة الرجعية في ذلك الوقت. وهو ما يعني قمة العجز العربي.

وبعد النكبة بدأت الدول العربيّة المحتلة في الحصول على استقلالها تباعاً، وفي تلك الأثناء برز اسم الزعيم جمال عبد الناصر ذلك القائد الذي شارك في حرب فلسطين واستقرّ في وجدانه أنّ العدو الصهيوني هو عدونا الأول لذلك جعل قضية فلسطين هي القضية المركزية لمشروعه القومي العربي، وبدأ في السعي لتوحيد الصف العربي والاستعداد لمواجهة العدو الصهيوني، لكن وللأسف الشديد تلقى طعنات غادرة من الرجعية العربية مما أدّى الى حدوث نكسة 1967 واكتسب العدو الصهيوني أرضاً جديدة ليس فقط في فلسطين بل في مصر وسورية والأردن، وهو ما عبّر عن العجز العربي في مواجهة العدو الصهيوني.

واستمرّ الصراع العربيالصهيوني وقرّر جمال عبد الناصر إزالة آثار العدوان وبدء حرب الاستنزاف التي كبّدت العدو الصهيوني خسائر باهظة، حاول العدو عقد صلح ومهادنة مع عبد الناصر، لكنه رفض وأعلن أنه لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف، وأنّ ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة، وفي لحظة حاسمة توحدت الإرادة العربية في مواجهة العدو الصهيوني في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 وكان الانتصار على العدو عسكرياً، لكن حتى هذه اللحظة لم يستطع العرب استثمارها، حيث تدخل العدو الأميركي على الخط وأقنع الرئيس السادات بمعاهدة سلام مزعوم 1978 أعاد العرب لحالة العجز مرة أخرى، حيث تبعتها تنازلات وهزائم متتالية أمام العدو الصهيوني، فقبلت فلسطين بتوقيع اتفاقية أوسلو مع العدو الصهيوني في 1993، ثم تبعتها الأردن باتفاقية وادي عربة 1994، وهو ما عبّر عن عجز عربي عن مواجهة العدو الصهيوني.

ولم يكسر هذا العجز العربي غير صواريخ المقاومة اللبنانية التي أجبرت العدو الصهيوني على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، ثم هزيمته في حرب تموز 2006 تلك الحرب التي استمرت 33 يوماً اضطر العدو الصهيوني بعدها من الانسحاب بعد أن تكبّد خسائر كبيرة بسلاح المقاومة. ومنذ ذلك التاريخ والعدو الصهيوني يعمل ألف حساب للمقاومة العربية اللبنانية.

ومع انطلاق موجةالربيع العربيالمزعوم ظنّ العدو الصهيوني أنّ الطريق قد أصبح مفروشاً أمامه بالورد بعد انشغال محور المقاومة بمكافحة الإرهاب والتصدي لمشروع الشرق الأوسط الكبير، لذلك بدأ في التطبيق الفعلي لصفقة القرن المزعومة عبر تهويد القدس ثم إعلانها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ثم الإعلان عن ضمّ الجولان للكيان، وأخيراً الإعلان الرسمي عن صفقة القرن، وبالطبع تمّ ذلك في إطار عجز وشلل عربي تامّ، لكن ما لم يعمل حسابه العدو الصهيوني هو نمو واتساع دائرة محور المقاومة بشكل غير مسبوق في سورية ولبنان والعراق واليمن.

وخلال الأيام الماضية تمكّن أحد رموز المقاومة أن يمسح بكرامة العدو الصهيوني الأرض، وهو الأسير السوري في سجون الاحتلال صدقي سليمان المقت الذي لقن العدو درساً في الصمود والتحدي والمقاومة، ففي 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي حضر إليه داخل محبسه مندوب عسكري روسي مع مندوبين من سلطة الاحتلال الصهيوني، وتحدّثوا إليه بأنه تقرّر الإفراج عنه بعد تدخل الرئيس بشار الأسد لدى الرئيس بوتين لمخاطبة المحتلّ الصهيوني للإفراج عنه، وبناءً عليه سيخرج إلى دمشق لمدة عشرين عاماً، يمكنه بعد خمس سنوات أن يأخذ تصريحاً من المحتلّ الصهيوني بالعودة للجولان، فكان ردّ صدقي الفوري القاطع رفض الخروج بشروط العدو، وفي التاسع من كانون الثاني/ يناير الماضي جاء مندوب كيان الاحتلال ليعلن الإفراج عن صدقي دون شرط أو قيد، ليعود صدقي إلى بيته وأهله في الجولان المحتلّ، ليواصل رحلة نضاله ومقاومته للعدو الصهيوني، لذلك نؤكد وعبر كلّ تاريخ الصراع مع هذا العدو أنّ المقاومة هي الحلّ الوحيد في مواجهة صفقة القرن، وتحرير كامل التراب العربي المحتلّ، اللهم بلغت اللهم فاشهد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى