أخيرة

المجد للحبّ نبضاً أنطون سعاده إلى حبيبته ضياء: هو النظرة القويّة البهِجة إلى الحياة

 

يبدو أن أول قصة معبّرة أرّخت شعور إنسان بالحب، دوّنها الشاعر الروماني أوفيديوس (43 ق.م. – 18 م.) عن شاب وفتاة بابليّين، هما بيرم وتسبين، في أسطورة مأساة بلغ الحب فيها فداءَ نزف دم الحبيبين حتى تلوّنت منه ثمار التوت الشامي فاحمرّت.

وإذا كان يوم 14 شباط قد غدا منذ زمن عيداً للحب، فإن الأجدر بنا أن تكون كل أيامنا أعياد حبّ. نتنفس الحبّ، حبّ الخير، حب الجمال، حب النبل، حب التعاون، حب التضحية، حب المرأة الأصيلة، حب الرجل الحقيقي، حب الابن البار، حب الابنة الأمل، حب الأخ الوفي، حب الأخت المحبّة، حب الأم، حب الأب، حب الجار الصالح، حب الوطن وحب الأمة، كتاج لحياة الحب سلوكاً نفسياً اجتماعياً.

هديّة «البناء» لقرائها فقرات مقتطفة من رسالة الزعيم إلى حبيبته ضياء.. حذفنا ما ليس له علاقة بالمناسبة، وتركنا ما يتناول الحبّ.

«رفيقتي جوليت

ذهبت هذا الصباح إلى عيادة الطبيب لأخذ صورة للمعدة فلما عدت وجدت خالداً ينتظرني ليطلعني على بعض أمور ووجدت على الطاولة كتاباً لي ما ألقيت نظري عليه حتى عرفت انه منك.

بعد أن سمعت لخالد وأكلت قليلاً من الفاكهة فتحتُ الراديو وفضضتُ الغلاف وجلستُ أقرأ فأرى تصويرك وأسمع الأنغام الموسيقيّة. قطعتُ القراءة عند نهاية الفقرة الأولى لأحسّ أكثر المجاري الروحيّة المندفعة مع أنغام بيتهوفن. القطعة هي السنفنية الخامسة C Minor التي تمثل صراعاً تنتصر فيه قوة النفس وتتغلّب محبّة الجمال وبهجة الحياة على عوامل اليأس والانسحاق. وددتُ كثيراً لو أنك كنت في هذه الساعة تسمعين هذه السنفنية. إنها تمثل انتصار الحياة على العدم. إنها تمثل نفسيتك في صراعها الجديد وفي اتجاهها نحو النصر. فمن يريد أن يعطي لا يمكن أن يكون صائراً الى العدم. إنه يسير على طريق الحرية والقوةعلى طريق الحياة.

ومما لا شك فيه إنه لا يسير على طريق الحياة إلا الأحرار الأقوياء، لأن للحياة أعباءها وبعضُها ثقيلٌ لا تستطيع حمله الأنفس الضعيفة المستعبَدة. وكم أنا مسرورٌ بهذه الحرية وهذه القوة اللتين تتكشّف عنهما نفسك، وكم أهنئك من كل قلبي لأنك وجدتِ طريق السعادة النبيلة.

وبعد قراءة كتابك صرتُ أشتاق الى رؤية هذه الطبيعة التي تصفينها، حيث أنت. ولولا انتظاري نتيجة الفحص وتعليمات الطبيب لقررتُ السفر في الحال

إني أودّ من كل قلبي ألا يحدث شيء يمنعني من الذهاب إلى مرتفعات كردبة، فأنا لا أريد أن أخسر لذة البحث عن أفضل موقع للعرزال والتعاون على بنائه.

إن النفحات التي أرسلتِها قد مرّتْ على وجهي. إنها لطيفة هذه النفحات ومنعشة، ونفحة فجر اليوم الجديد الكبيرة العظيمة هي ألطف هذه النفحات وأشدّها إيقاظاً وإنعاشاً.

اتمنى لك كل تمتع جميل وسط الطبيعة الجميلة حيث أنت وأودّ أن تحافظي على هذه النظرة القويّة البهجة إلى الحياة وأودّ أن تكون الماما وكتلينا وديانا(*) في راحة وانشراح.

قد لطفت الجوّ هنا نفحاتُك. وإذا تمكنت كنتُ معك قريباً وفي عنايتك.

ولتحي سورية

في 8 مارس 1940».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى