حديث الجمعة

لستُ أنا السّببَ…

فمذ خُلِقتُ رأيتُني بجناحَينِ اثنَينِ

في بادئ الأمرِ لم يشعرْ أحدٌ بهما لأنّهما لم يطيرا بجسدي !

بل حلَّقا بقلبي وعقلي، بأحلامي وأفكاري

لستُ أنا السّببَ

في صِغري لم أحاولْ مرّةً واحدةً أنْ أقصَّهما

لأنّني اعتقدتُ أنّهما مصدرٌ للفرحِ والتميّزِ والرّاحةِ

لستُ أنا السّببَ

بدأَ جناحايَ ينموانِ مع جسدي فطارا بيَ إلى علوٍّ اعتقدتُ أنّني سأفقدُ الرّؤيةَ بسببه

فإذ بي أرى بوضوحٍ لم أعهدْهُ من قبل !

لستُ أنا السّببَ

بتُّ أراقبُ كلَّ شيءٍ من عالمي الخاصِّ

رأيتُ كيف أنّ البشرَ يقتتلونَ من أجلِ حفنةٍ من التّرابِ

ولم أقرّرِ العودةَ

رأيتُ أشلاءَ أطفالٍ لم يكن لهم ذَنْبٌ سوى أنّهم خُلِقوا بلا أجنحةٍ!

ولم أعدْ

بكَيتُ مع الأمّهاتِ الثّكالى

لهثتُ مع الآباء الذين لم يستطيعوا تأمينَ لقمةِ العَيشِ لأطفالهم

لسعَتني نيرانُ الحقدِ والكراهيةِ وكنتُ على يقينٍ بأنّني سأُنبَذُ في حالِ أقدمتُ على فعلِ أيّ شيءٍ لمساعدتهم

فتكوّرتُ على نفسي

وبقيتُ حيثُ ذهبَ بيَ جناحَايَ

أطلتُ المكوثَ هناك إلى أنْ

لمحتُ بريقاً بهرني وأفقدني البصيرةَ قبل البصرِ

عندها فقط تكبّدتُ عناءَ قصِّ جناحَيَّ وقرّرتُ العودةَ إلى هذا العالمِ

فقط

من أجلكَ

لستُ أنا السّببَ

بل أنتَ السّببُ

خذْ بيدي

فأنا تركتُني من أجلِكَ

خذْ بيدي

فأنا لا أعرفُ طريقاً إلّاكَ

أعِنّي على السّيرِ فقد جزَزْتُ جناحَيَّ للقياكَ

لستُ أنا السّببَ

بل أنتَ الذي أخذَ الرّوحَ وتركَ ليَ فناءَ الجسدِ

لستُ أنا السّببَ

بل أنتَ

أنتَ كلُّ الأسبابِ          

ريم رباط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى