مقالات وآراء

إدلب… وسقوط الاستراتيجية التركية

} ربى يوسف شاهين

انتصارات الجيش السوري المُتسارعة، واقترابه من إدلب المدينة، شكّل حالة من الهيجان السياسي في التصريحات التركية. حيث أنّ سقوط مدينة خان شيخون قبل أشهر بيد الجيش السوري، البلدة الاستراتيجية المركزية لجماعات أردوغان، ومن ثم معرة النعمان فـ سراقب، هي بلدات لم تتوقع على أقلّ تقدير الجماعات الإرهابية وما يُسمّى المعارضة السورية، ابتعادها عن الحضن التركي، فالمشهد المتباطئ الذي شهدته الساحة السياسية والعسكرية في العامين 2018 و 2019 لجهة التقدّم حسب مخرجات استانا وسوتشي، كانت تُقرأ من قبل الجماعات الإرهابية المدعومة تركياً، على أنّها أسهم للربح على الصعيدين العسكري والسياسي، خاصة أنّ أردوغان هو الممثل الأساسي للأدوات الإرهابية على الأرض السورية وللمعارضة في الخارج.

هي بنود صاغها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، لتأخير الحلّ العسكري في إدلب، بالتزامن مع عودة انتشار القوات الأميركية عند حقول النفط السوري، والعودة عن فكرة الانسحاب التي اطلقها الرئيس ترامب.

بداية سنة 2020 كانت صادمة سياسياً وعسكرياً بالنسبة لـ تركيا، فبالرغم من نقاط المراقبة التي أنشأتها القوات التركية لتكون رافدة بالمعنويات والقوة للمجموعات الإرهابية، فتحدّ من تقدّم الجيش السوري، إلا أنها لم تكن سوى كابينات حراسة وهمية تُراقب فقط. هذا الأمر شكّل لدى الفصائل الإرهابية قلقاً وشكّاً مما يخبّئه عقل أردوغان، تجاه تحالفاته مع الجانب الروسي، والذي أخذ عدة ترجيحات:

أولاً: انّ أردوغان يُحاول التعويض عن إسقاط الطائرة الروسية «سوخوي» في 2015، ليضمن استكمال العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.

ثانياً: الحفاظ على مقعده كضامن في أستانا وسوتشي، ليتمكّن من تحقيق ولو جزء من أحلامه العثمانية في الشمال السوري، رغم إدراكه الضمني انّ روسيا ليست من الدول التي تتلاعب بالحليف، وانّ أحلامه ستزول عاجلاً أم آجلاً.

ثالثاً: استغلال ملف الأكراد وما يشوبه من تعقيدات مع التواجد الأميركي على الضفة المقابلة، والتي تشكل الحاجز نحو اتجاه الأكراد السوريين إلى دمشق.

رابعاً: مخافة أردوغان من أنّ سيطرة الجيش السوري على إدلب ستؤدّي إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى تركيا، ما بين مواطنين مجبرين على اللجوء وإرهابيين يريدون الخلاص من نيران الجيش السوري.

مأزق تركيا في سورية يكمن في الغباء السياسي الذي انتهجه أردوغان، عبر أوهام لم يتمّ حسابها وفق أبجدية صحيحة لتاريخ دولة كالجمهورية العربية السورية، فالتاريخ يشهد والفرنسيون والعثمانيون الحالمون وارثون قصص الثوار الأحرار.

في ذات الإطار، فإنّ الجيش السوري ومع تحرير بلدة خان العسل الاستراتيجية بريف حلب الغربي، بعد معارك ضارية مع جبهة النصرة الإرهابية والفصائل المرتبطة بها، ومع تدمير أرتال للقوات التركية ومقتل خمسة جنود أتراك في مطار تفتناز في ريف إدلب الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى مقتل 8 جنود أتراك، بدأت أصوات أردوغان وممثليه بالصراخ والتهديد بالردّ والانتقام، حيث قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش اوغلو «رددنا بالمثل على الأوغاد وجيشنا سيواصل القيام بما يجب».

استغاثات أردوغان لانضمام حلف الناتو إلى الحماقة التركية، لحمايته من نيران الجيش السوري والطيران الروسي، ما هي إلا استجداء الدعم للتقليل من مفاعيل انتصارات الجيش السوري في شمال شرق سورية، وفعلاً صرّح مبعوث أميركا إلى سورية جيمس جيفري قائلاً «الولايات المتحدة ترغب في تقديم أكبر قدر ممكن من الدعم إلى تركيا في سورية». لكن قيادة الناتو أكدت وبطريقة دبلوماسية أن الحلف سيكتفي بتقديم الدعم السياسي لـ تركيا.

لم يكن خفياً على المراقبين للتطورات على الساحة الشمالية من سورية، انّ سورية وروسيا وإيران مستمرون على نهجهم الثابت في استعادة كلّ شبر من سورية، وهذا تأكيد على تحقيق السيادة على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية، وذلك على الرغم من محاولات الجانب الروسي عقد اجتماعات مع الجانب التركي، لاستكمال المباحثات حول منطقة الشمال السوري وخاصة إدلب، فالحليف الروسي أبلغ التركي أنّ الجيش السوري مصمّم على متابعة تقدّمه حتى تحقيق الانتصار الكامل على بقايا الإرهاب، وما الردّ الذي قامت به إحدى النقاط التركية عبر استهداف مروحية حربية سورية واستشهاد طاقمها، إلا دليل على أنّ تركيا تحاول تصفية حسابات الخسارة لمجموعاتها الإرهابية وجنودها، وبأنّ التواجد التركي على الأرض السورية لم يعد ممكناً وبات خروجها وإرهابيّيها وشيكاً.

في المُحصّلة، يستمرّ الجيش السوري بتحقيق المزيد من المُنجزات الميدانية، على الرغم من حجم التحديات الإقليمية والدولية، ومحاولات تركيا لوقف تقدّم الجيش السوري سياسياً وعسكرياً، لكن الدولة السورية وجيشها مصمّمون على عودة سورية كاملة محررة من الإرهاب، فالبشائر امتدّت عبر السيطرة على الطريقين الدوليين M4 و M5، وما تبقى من بؤر إرهابية ستسقط قريباً تحت أقدام الجيش السوري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى