نقاش هادئ مع من يتحدث عن صراع نفوذ في المنطقة بين أميركا وإيران
} إبراهيم ياسين
منذ انتصار الثورة الإيرانية على نظام الشاه التابع لأميركا، والداعم لكيان العدو الصهيوني، شنت الولايات المتحدة الأميركية ولا تزال بالتعاون مع الدول الغربية والأنظمة العربية التابعة لها حروباً متعدّدة الأشكال للقضاء على هذه الثورة وتقويضها ومنعها من الإستقرار والتقدّم وتحقيق استقلالها الوطني على كافة المستويات. فكانت الحرب الإيرانية العراقية التي شنّها العراق بدعم من الدول الغربية وأنظمة الخليج، والتي زُوِّد خلالها بأحدث الأسلحة الحربية وبأسلحة كيماوية، وحصدت آلاف القتلى من الجانبين، وخسائر مادية قدّرت بمليارات الدولارات، كما كان للحرب الإعلامية التي شنّتها واشنطن دور خطير في محاولة لتشويه صورة الثورة الإسلامية الإيرانية التحررية لدى الرأي العام العربي والإسلامي وحتى على المستوى العالمي، بهدف محاصرة الثورة ومنعها من التنامي والتجذُّر لما كانت تشكله من خطر على الهيمنة الأميركية الإستعمارية في المنطقة، وعلى أمن ووجود الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المحتلة، واستطراداً الأنظمة الرجعية التابعة لواشنطن. وقد وظفت في هذا السياق الأموال الطائلة لشراء نُخبٍ وكُتّابٍ وإعلاميين، عدا عن الوسائل الإعلامية من صحف ومجلات وإذاعات ومحطات تلفزيونية و…
منذ ذلك الحين وحتى اليوم لا يزال الهدف الأميركي الغربي الصهيوني والعربي الرجعي هو محاصرة إيران الثورة وإضعاف قدراتها لكونها لعبت دوراً مهماً، وما زالت تلعبه حتى اليوم في إسناد المقاومة ضدّ الإحتلال الصهيوني، ومكّنتها من إلحاق الهزيمة به في لبنان وقطاع غزة، كما أسهمت إسهاماً هاماً في دعم المقاومة العراقية ضدّ الإحتلال الأميركي وكذلك ضُدّ تنظيم داعش الإرهابي صنيعة الأميركيين وإلحاق الهزيمة به، كما كان لها دور هامّ في دعم الدولة السورية في حربها ضدّ قوى الإرهاب التكفيري المدعوم أميركياً انطلاقاً من التحالف الإستراتيجي الذي جمع طهران بدمشق منذ بدايات الثورة الإيرانية حيث وقف الرئيس الراحل حافظ الأسد منفرداً بين الرؤساء العرب إلى جانب هذه الثورة التحررية المنتصرة، التي عوّضت سورية عن خسارتها لمصر بعد توقيع الرئيس أنور السادات لإتفاقية كامب ديفيد مع كيان العدو الصهيوني.
انطلاقاً من ذلك أصبح في المنطقة محوران لا ثالث لهما: محور مقاوم تحرري ضدّ الإحتلال الصهيوني، وضُدّ كلّ أشكال الهيمنة الإستعمارية في المنطقة، ويضمّ كلاً من إيران وسورية والعراق ولبنان وفلسطين واليمن الآن، وبالتحالف تحديداً مع روسيا.
ومحورٌ آخر استعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ويضمّ إليها الكيان الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية التي تدور في فلك الهيمنة الأميركية.
في الصراع بين هذين المحورين، لا يوجد موقف رمادي أو محايد تحت عنوان النأي بالنفس، أو الوقوف على مسافة واحدة من أميركا وإيران وروسيا وتركيا تحت عنوان “صراع على النفوذ” في المنطقة بين هذه الدول.
والمقصود من ترويج هذه المقولة، الإساءة لدور إيران الثورة وتشبيهها بالأميركي ودوره الإستعماري القذر الهادف إلى وضع المنطقة تحت هيمنته لمزيد من نهب ثرواتها الطبيعية.
هذا المنطق الخطير يستهدف الخلط المتعمّد بين من ينصر قوى التحرر والمقاومة ضدّ الإحتلال والإستعمار، وبين من يسعى إلى فرض هيمنته وإحتلاله في المنطقة وسرقة ثرواتها وتكريس وجود كيان الإحتلال الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية. فكيف يُمكن أن يُصوّر للرأي العام أنّ إيران لا تختلف عن أميركا لناحية السعي للسيطرة على المنطقة. فهل إيران تُمارس الهيمنة الإستعمارية ضدّ أيّ دولة عربية وتنهب خيراتها وتتواطأ مع كيان الإحتلال الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته أم أنها تدعم الدول العربية التي تقاوم الهيمنة الإستعمارية وتدعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الإحتلال الصهيوني.
كلّ متابع موضوعي يُدرك أنّ إيران تُحارَب وتُحاصَر اقتصادياً لأنها تدعم المقاومة وتُساند قضية فلسطين، في حين أنّ أميركا والأنظمة العربية الرجعية تتآمر على المقاومة وتعمل على محاصرتها وتصفها بالإرهاب، كما تقوم بالتآمر على القضية الفلسطينية وتمكين الكيان الصهيوني من فرض مخططاته وتشريع وجوده عبر إقامة العلاقات العلنية معه (التطبيع) والتمهيد لتمرير “خطة أو صفقة القرن” لتصفية القضية. فهل هذا الإختلاف الجذري بين إيران الثورة والولايات المتحدة الأميركية يندرج كما “يزعم البعض” في إطار صراع النفوذ في المنطقة أم في إطار الصراع بين قوى التحرر والمقاومة وقوى الإستعمار والرجعية؟!
كما أنّ روسيا التي تقيم علاقات تحالفية مع سورية وإيران في مواجهة الهيمنة الأميركية وقوى الإرهاب، لا يُمكن مساواتها بالولايات المتحدة الأميركية. فروسيا صديق وحليف، بينما أميركا عدو يفرض هيمنته وسيطرته وينهب خيرات المنطقة ويدعم عدو الأمة الكيان الصهيوني. كما لا يمكن مقارنة إيران الثورة بدور تركيا أردوغان التي انخرطت بالحرب الإرهابية الأميركية على سورية في محاولة مكشوفة لإستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الإستعمارية الغابرة.
لقد كانت قيادة الثورة الإيرانية قبل انتصارها بقيادة الإمام الراحل الخميني على علاقة وطيدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي وقف إلى جانب نضالات الشعب الإيراني، وأيضاً في زمن ثورة مُصدّق عام 1953 التي تآمرت عليها الولايات المتحدة الأميركية وأسقطتها. وهذه العلاقة كانت تنطلق من نفس المبادئ التحررية التي سار عليها الرئيس جمال عبد الناصر في مواجهة قوى الإستعمار الغربي والرجعية العربية.
إنّ إيران الثورة كانت ولما تزل صديقاً وسنداً قوياً لحقوق العرب العادلة وداعماً قوياً لمقاومتهم ضدّ عدوهم الصهيوني، ولذلك فإنّ العلاقة معها إنما هي علاقة أُخوة وتعاون وتنسيق من أجل تحقيق الأهداف المشتركة التي تسعى إليها الدول والقوى التحررية والتقدّمية في المنطقة التي تسعى إلى التحرر من الهيمنة الإستعمارية والإحتلال الصهيوني وقوى الإرهاب التي تدور في فلكها…