هل يتحوّل حلم النفط والغاز إلى حقيقة؟
} علي بدر الدين
من حق الشعب اللبناني ألا يتفاءل كثيراً وألا يصفق ابتهاجاً، ولا يقيم الاحتفالات ويتبادل التهاني بتحقيق حلم البدء في التنقيب عن النفط والغاز، مع أنه يستحق أن يفرح بهذا الإنجاز الذي لطالما انتظره بفارغ الصبر. وبالطبع فإنّ عملية التنقيب إذا حصلت في دول مستقرة سياسياً فإنها قد تقلب أوضاعها رأساً على عقب لأنها ستكون على خريطة دول النفط العالمية وتؤشر لبداية نهضتها الاقتصادية والإنمائية، وسيعمّ الخير على الجميع ويساهم في رفع شأنها وارتقائها الى مصاف الدول المتقدمة Yذا ما أحسنت التعاطي مع المستجدّ النفطي بجدية ومسؤولية والتزمت الأنظمة والقوانين المرعية، ويحكمها سياسيون حرصاء على دولتهم ويحظون بثقه شعبهم. ووظفوه في خدمة البلد والناس لأنه ملك عام وليس ملكاً حصرياً لأيّ حاكم أو زعيم طائفة أو مسؤول… ولا لأيّ طائفة او مذهب، غير أنّ ما يعانيه لبنان في ظلّ طبقة سياسية حاكمة منذ ثلاثة عقود لا يشجّع على انّ مردود إنتاج النفط والغاز سيكون لمصلحة الوطن لأنّ تاريخها قائم على نهج الفساد والمحاصصة والمحسوبيات كقاعدة ثابتة في تعاطيها مع كلّ الملفات والقطاعات والمؤسسات لأنها تضعها في بازار مصالحها، واذا ما تمّ تجاوز أحد فإنّ وسيلته لانتزاع حصته تكون بالتهديد والوعيد والترغيب والترهيب مما أفقد هذه الطبقة ثقة الناس، بعدما جعلت من البلد ملعباً لها تتصارع عليه لمزيد من الهدر والصفقات من دون أن يرفّ لها جفن ودون أن تعود إلى ضمائرها وإنسانيتها ومسؤولياتها للحفاظ على الأمانه والثقة التي منحها لها الشعب.
وبالرغم من الواقع المزري وحالة الانهيار والإفلاس والتجويع والإفقار الذي قضّ مضاجع اللبنانيين حيث تشير الإحصاءات الى أنّ 55 في المئة تحت خط الفقر، وانّ العاطلين عن العمل من جيل الشباب الى تصاعد فضلاً عن إقفال الشركات والاستغناء عن موظفيها او قيام مَن لم يقفل منها باقتطاع نصف رواتب العاملين فيها، ورغم هذه الحالة المأساوية التي تنذر بخطر كبير فإنّ الطبقة السياسية ما زالت تبحث عن حصصها في النفط والغاز وأماكن وجودهما وهي لن تتخلى عن شبر واحد او نقطة نفط او غاز لأنها تعتبر نفسها بفائض القوة والنفوذ والسلطة والمال أنها المالكة الحصرية لكلّ ما هو في البر والبحر والأمثلة كثيرة ومعروفة. فكيف لهذا الشعب ان يثق بها ويطمئن إليها وهي التي أوصلت بسياستها البلد الى ما هو عليه اليوم ولا يمكن له أن يتأمّل خيراً أو إنجازاً أو إصلاحاً من أيّ حكومة هي وليدة الطبقة السياسية ومهما كان شكلها وحجمها وأهمية بيانها الوزاري، وهي ستكون عاجزة ما دامت تعمل تحت رعايتها، وهي التي أثبتت ان لا همّ عند هذه الطبقة سوى مصالحها ومن بعدها الطوفان.
إنّ الحكومة إذا ما أرادت تحقيق حلم التنقيب عن النفط والغاز الى حقيقة عليها الخروج من جلابيب الطبقة السياسية والإسراع باتخاذ قرارات وإقرار قوانين إصلاحية لوأد الفساد واستئصاله، وإزالة الخطوط الحمر والحمايات عن كلّ فاسد او مشتبه به علّها بذلك تحدث صدمة إيجابية غير مسبوقة على ان يخرج رئيس الحكومة من صمته ولا يكتفي بالوقوف على الأطلال، وهو لن يخسر شيء بل يربح نفسه والوطن وثقة الناس ولا خوف على موقع رئاسة الحكومة وقد دخل نادي رؤساء الحكومات والفرصة أمامه ليبقى رئيساً للحكومة إذا ما أخرج البلد من أزماته ومشكلاته المتراكمة والمزمنة ولن تفيده كثرة اللجان ولا عدد المستشارين للوزراء مع انّ الحكومة متهمة بأنها حكومة المستشارين.
الوقت هو للفعل وليس القول خاصة أنّ لبنان في مرحلة تتمدّد فيها الأزمات ومن غير المقبول أن تواجَه بالهروب، او تبادل الاتهامات والمسؤوليات، او بتأجيل الملفات وتجميدها. يكفي أنّ كورونا هذا المرض القاتل زاد من حجم المعاناة والمشكلات ولا بدّ من المواجهة المطلوبة للتخفيف من تداعياته حتى لا يتحوّل الى وباء كارثي او الى كرة نار تتمدّد حتى لا تبقي ولا تذرّ. فهل الحكومة قادرة على تلقفها وإخماد نارها قبل الوقوع في المحظور… نأمل ذلك.