أولى

ملفات تشغل المواطن الفلسطيني

سعاده مصطفى أرشيد*

ثلاثة ملفات هي شغل المواطن الفلسطيني الشاغل، يتراجع أحدها ليتقدّم آخر وهي مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً عضوياً، والملفات الثلاثة هي: صفقة ترامب (صفقة القرن)، نتائج انتخابات الكنيست وماهية الحكومة (الإسرائيلية) المقبلة، وأخيراً وباء كورونا وحاله الطوارئ التي أعلنتها الحكومة الفلسطينية اثر ظهور حالات إصابة بهذا الفيروس.

شملت حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة الفلسطينية إغلاق الجامعات والمدارس الحكومية والخاصة ووقف إجازات الأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية ونشر قوات الأمن الوطني (الجيش) في شوارع المدن والقرى، ثم إغلاق مدينة بيت لحم إغلاقاً كاملاً يمنع الدخول إليها والخروج منها، ولاحقاً تمّ إغلاق المقاهي والمطاعم والنوادي في معظم المحافظات، وأخيراً إغلاق معبر الكرامة بوجه المسافرين من وإلى الأردن وهو المنفذ الوحيد الذي يصل أهالي الضفة الغربية بالعالم.

أسئلة تتردّد على ألسنة المواطن: هل نحتاج لمثل هذه الإجراءات الصارمة والطارئة والفورية قبل أيّ دولة في الجوار؟ وهل يتطلب ذلك نشر قوات الأمن الوطني في الشوارع أم نشر الأطباء والطواقم الطبية والصحية؟ وهل يبرّر حالة الاعتقال التي تعرّض لها النائب السابق حسام خضر وهو غير مصاب بفيروس كورونا وإنما بتهمة إطالة اللسان وإثارة النعرات، حيث من الجدير ذكره أنّ خضر كان من قادة الانتفاضتين الأولى والثانيه واعتقل في سجون الاحتلال ما يزيد عن 20 اعتقال إضافة الى النفي والاقامة الجبرية والإصابات بالرصاص، ولم يتمّ الإفراج عنه إلا بعد خمسة أيام وبسبب عناده وإضرابه عن الطعام والشراب والدواء والكلام، إضافة إلى أنّ اعتقاله أثار استياء أنصاره الذين قاموا بقطع الطرق وأعمال شغب. برغم انّ خطورة الوباء أمر يستحق الاهتمام والمعالجة، إلا أنّ المبالغة في إجراءات الطوارئ وخاصة إغلاق المدارس والجامعات من شأنها ان تجعل أيّ تحرك شعبي أمراً صعباً في حال طرأ ما يستدعي ذلك خاصة أنّ التهديدات بتقسيم المسجد الأقصى وقبة الصخرة أمر وارد، كذلك ما نسمعه على ألسنة السياسيين الاسرائيليين بخصوص ضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية.

الشاغل الثاني هو نتائج انتخابات الكنيست واحتمالات تشكيل حكومة (اسرائيلية)، فحتى اليوم لا زال بن يامين نتنياهو يرى نفسه الفائز في حين تتضاءل فرصه (وإنْ لم تنعدم) لتشكيل حكومة، في حين تتزايد فرص منافسه بني غانتس (وإنْ لم تكن مؤكدة)، ومنذ يومين رفضت المحكمة المركزية في تل أبيب طلباً تقدم به محامو نتنياهو لتأجيل جلسات محاكمته في قضايا فساد باعتبار انّ المبرّرات التي تقدّم بها هؤلاء غير كافية، وبالتالي فإنّ الجلسه الأولى ستكون يوم الثلاثاء المقبل، وفي حال أخذت المحاكمة ومجرياتها أشكالاً حادة وفضائحية، وهو الأمر الغالب، فلن يكون أمام نتنياهو إلا الانحناء أمام أحد خيارين الأول هو القبول بحكومة مشتركة مع خصمه وبشروط الخصم، والثاني هو عقد صفقة تقضي بإسقاط التهم المسندة إليه مقابل خروجه من الحياة السياسية.

في المقلب الآخر تراهن السلطة الفلسطينية في رام الله على فرص الجنرال المتقاعد بني غانتس، وبناء عليه فقد تمارس ضغوطاً على القائمة المشتركة (النواب العرب) لمنحه الثقة وذلك على قاعدة أنّ خروج نتنياهو هو المكسب وانْ لم تحصل القائمة المشتركة على أية مكاسب، قد يشاركها في الضغط الأردن ومصر وقطر وتركيا كلّ لأسبابه.

الشاغل الثالث هو صفقة ترامب (القرن) وارتباطاً بما ذكر آنفاً فإنّ هناك فرضية ترى انّ الصفقة مرتبطة بنتنياهو لا بالسياسات اليمينية في كلّ من (إسرائيل) والولايات المتحدة ـ (الجمهورية الترامبية) وانّ المايسترو الأول لهذه الصفقة هو السفير الأميركي في القدس ديفيد فريدمان قبل أن يدخل على خطها لاحقاً كل من الصهر كوشنر والمستشار غرينبلات، فمشاريع كهذه ترتبط بسياسات ورؤى تمّ العمل عليها وزرع بذورها في «أوسلو» و «وادي عربة» و«وثيقة أبو مازنبيلين» 2005، ثم انّ عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء فالقرارات المرتبطة بالقدس أصبحت نهائية، والقرارات التي ستتخذ في القريب العاجل بضمّ مناطق من الضفة ستصبح بدورها نهائية، ولا يمكن لأيّ حكومة (إسرائيلية) مقبلة أن تعود عنها أو أن تضعها في مكانة تفاوضية، فالدولةأيّ دولة لا تفاوض على أراض تعتبرها جزءاً من أرضها الوطنية.

الربط بين الشواغل الثلاثة واضح، وباء كورونا على جديته لا يستحق هذه الحالة الطارئة والعصبية في تنفيذها وإغلاق الجامعات والمدارس والتي هي بؤر التجمعات الشبابية وأدوات التحرك الشعبي الذي يمكن ان يحصل عند اتخاذ الحكومة المقبلة قراراتها، وحالة الجمود والسكون والهدوء السلبي وتقطيع الوقت قد أصبحت تقليداً سياسياً متبعاً لدى القيادة الفلسطينية، وانتظار ما لا يأتي أو ما لا يستحق الانتظار دون القيام بأيّ عمل جدي قد أصبح حرفة وعادة، فهل يغيّر التشكيل الحكومي في (إسرائيل) من نتائج السياسات اليمينية المتطرفة لدى كلّ من نتنياهو وغانتس؟ وهل سيكون هناك من تأثير حقيقي على جوهر الصفقة في حال فاز برئاسة الحكومة من يفوز؟ من هنا أرى انّ دخول القائمة المشتركة (النواب العرب) على خط التصويت لحكومة برئاسة غانتس ليس عملاً من أعمال السياسة العاقلة والمدركة والعارفة للواقع بقدر ما هو عمل من أعمال النكاية في نتنياهو وهي مسألة يبرع بها الشرقيون عامة ولو على حساب ما هو أهمّ وأجدى، فالأحزاب الاسرائيلية متطابقة في نظرتها للقدس والمستوطنات وترى وفق عقيدتها العسكرية في الأغوار عمقاً استراتيجياً لا غنى عنه.

على هذا المنوال تسير الأمور في ما تبقى من فلسطين، القيادة لا تفعل شيئاً باستثناء احتراف التفاوض إنْ أمكن باعتباره فلسفه حياة والانتظار، فيما يحترف المواطن الحزن وهو يرى هذا الواقع البائس.

*سياسي فلسطيني مقيم بالضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى