أولى

الـ «هيركات» لا يفيد الاقتصاد والمطلوب إجراءات عملية للإنقاذ…

خالد الداعوق*

 

ما نقرأه ونسمعه ونراه لا يطمئن كثيراً، خاصة أنّ ما أصبح مكشوفاً ومعروفاً هو أنّ نسبة كبيرة جداً من ودائع اللبنانيين بالعملات الأجنبية قد جرى تهريبها إلى الخارج، وليس الحديث عن الـ «هيركات» سوى محاولة لمساعدة المصارف على تشريع ما حصل، وحمايتها من دعاوى عديدة يستعدّ مودعون كثيرون للتقدّم بها أمام القضاء.

لأنّ هذا الـ «هيركات» لا يفيد الاقتصاد اللبناني بشيء، خاصة أنه لا يدخل أموالاً جديدة لا إلى البنوك ولا إلى الدورة الاقتصادية، كذلك لا ينفع الحديث عن تعويض ما يتمّ اقتطاعه في الـ «هيركات» من حسابات المودعين بالعملات الأجنبية بتحويله إلى أسهم في المصارف، أيضاً هذا الإجراء يبقى على الورق ولا يفيد شيئاً في الواقع العملي.

إذنلا حاجة لـ «هيركات» إلا إذا كان الهدف تغطية ارتكابات المصارف التي بدّدت أموال المودعين، لأنّ هذه العملية كما قلنا لا تأتي بأيّ دولار إلى السوق، فيما لبنان بأمسّ الحاجة للبحث في كيفية توفير السيولة بالعملات الأجنبية لتمويل استيراد السلع التي لا تصنّع في الداخل، وهي كثيرة وتشمل قطاعات عديدة، نذكر منها المحروقات والدواء والقمح والمواد الغذائية (السكر والأرُزّ والزيوت…) والمستلزمات الطبية وحاجات المصانع اللبنانية للمواد الأولية أو لقطع الغيار ومستلزمات القطاع الزراعي وما يحتاجه مربّو الدواجن والأبقار والمواشي من علف وخلافههذا عدا عن الملابس والأحذية وقطع الغيار للسيارات والمركبات المختلفة.

على الحكومة أن تقوم بتحضير جردة واضحة بما تحتاجه كلّ القطاعات السالفة الذكر، وقبل ذلك عليها إلزام المصرف المركزي بتزويدها بشكل دقيق بما هو متوافر لديه من احتياط بالعملات الأجنبية، حيث لا يجوز أن تبقى الحكومة «مثل الأطرش بالزفة»، خاصة أنها لا تستطيع وضع أيّ خطة لمواجهة التحديات إلا بناء على معطيات واضحة ودقيقة حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.

   وفي ظلّ التدني القياسي للتحويلات من المغتربين بعد التعقيدات التي يواجهونها هم وأهاليهم المقيمين مع المصارف، لا مفرّ أمام الحكومة من طلب المساعدة الخارجية، من الدول الشقيقة والصديقة وأيضاً من المؤسسات المالية الدولية، لتوفير ولو الجزء الملحّ من هذه المتطلبات الكثيرة، وهنا نسأل عن التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث هناك مجالات للتعاون مع هاتين المؤسستين من دون الدخول في زواريب السياسة والشروط التي لها علاقة بالسياسة والتي لا يقبل أحد أن تفرض أيّ شروط على لبنان لا تناسب سيادته واستقلاله وقراره الحر.

علماً أنّ بعض الشروط التي تضعها هاتان المؤسستان هي من مصلحة لبنان ولا مهرب من اعتمادها، خاصة على صعيد التخلص من العجز الذي يسبّبه قطاع الكهرباء، واتخاذ ما يلزم من قرارات لتصحيح وضع القطاع العام والتخفيف من أعبائه على الخزينة العامة، وهنا ليس الحديث عن إقالة موظفين وقطع أرزاق وما شابه، بل هناك تقارير مؤكدة تفيد بأن آلاف الموظفين يقبضون رواتب عالية من القطاع العام ولا يداومون في أماكن عملهم، فلماذا لا تكون بداية الإصلاح من هنا حتى نعطي إشارة بأننا بدأنا جدياً عملية الإصلاح واننا نسير على السكة الصحيحة.

وكما يقول دائماً صديقنا السفير عبدالله بو حبيب فإنّ انتظام المالية العامة لا يتحقق إلا متى ضبطنا الموازنة بشكل شفاف ودقيق مع إنجاز قطع الحسابات عن كلّ السنوات السابقة، وأيضاً إذا خرجنا من التقليد السائد بأنّ الموازنة هي لزوم ما لا يلزم، إذ صار من الضروري جداً وضع موازنة واقعية قابلة للتطبيق ويتمّ الالتزام بها تماماً وليس كما كان يحصل سابقاً حيث كانت تبقى الموازنة حبراً على ورق

*أمين عام منبر الوحدة الوطنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى