ثقافة وفنون

الميلاد الأبديّ المتجدّد

} الرفيق يوسف المسمار*

الى المعلم أنطون سعاده الذي قال: «لتكن آلامنا عبرةً لا نكبة، وإذا كانت نكبة فمن الخير أن تبقى فينا، ومن الشر أن تنتقل الى غيرنا». ومارس هذا القول الحكيم في حياته وحتى في استشهاده، أقدم هذه الخواطر في عيد مولده المتجدّد أبداً :

 

خـيـرُ البـدايــة والنـهـايــةِ أن نـعي

أنَّ الحـيـــاة َ بـدون ِ عـــزٍ عـلـقـَـمُ

إنْ رافــَقَ العــزُ الحـيــاةَ تـألـَـقـَتْ

نوراً يُـغـلـغـلُ في النفـوس ويُـلهـِمُ

أو شابهـا الـذلُ انطـفـت وتحـوّلـتْ

عـتـمـاً يُـغــِمُ وبـالمـذلــِّةِ يُـسـقـِـمُ

لـم يُـولـد الإنـســـانُ عـبـدا ً إنـمـا

روحُ الـولادةِ بـالـتـحــرّرِ تـُوسـَـمُ

في مـولـدِ الإنسـان ِ طـورُ تـحـوّل ٍ

منْ دونـه الإنـسـانُ لا يـستـعـظـمُ

النـاسُ في سُـنَـنِ الـتـوالـدِ كـلهـم ْ

مُتـشابـهـون وليسَ فـيـهـمْ أعـلـم ُ

منْ قـطـرةٍ كل الجسـوم ِ تـناسلت ْ

وبجـيفـةٍ أجـلُّ الجسـومِ سيُخـتَـم ْ

كـل النهـايـةِ للجســومِ هيَ البلى

ما استأخـرتْ أحداً ولا تسـتـقـدمُ

لكـنَّ مَنْ عـاشَ الحـيـاة َ تسامـيا ً

لا ينـتـهـي أبــدا ًولا يـتـحــطــَّمُ

في يـقـظـةِ الإنسـان ِ نـورُ إلـَهِـه ِ

والنــورُ بـاقٍ لا يـمـوتُ ويُـعــدَمُ

فمَن اهـتدى بالنـورِ ضاءَ وُجُـودهُ

ومَن اشتهى عَـتـمَ السُدى مُتَفَحّـمُ

لـمْ يخـدم الإنسـانَ شـيءٌ مـثـلـمـا

نُهـجُ التَـمَـرُّس ِبـالتَجَلي يـخــدمُ

فـليـفـهـَم الإنســانُ أنَّ وجــودهُ

ما كـانَ لهـوا ً، ولـيـَع ِ المُـتـوهــّمُ

إنَّ الوجـودَ الى السـعادةِ خـطـوة ٌ

إنْ سـارهـا الإنسانُ حـتـمـاً يَغـنـمُ

ميـلادنـا الأبـهى بـدايـة ُ وعـيْـنـا

إنَّ الحـيـاةَ بغـيـرِ وعي ٍ طـلـسـمُ

ومـع البـطـولـة للعلى أبـدا ً هـيَ

شمسٌ متى انبثـقت تغـيـبُ الأنجـمُ

اللهُ حـيٌّ والـحـيــــاة ُ ألــوهــَـة ٌ

مـنْ شـكَّ فـيهـا جـاهـِـل مُستوهـِم ُ

إنَّ الـولادةَ في الـحـقـيـقـة مـعـبـرٌ

للـنـورِ يخـتـصـرُ البـقـاءَ ويـرسـم ُ

ميـلادُنـا مـن مولـد ِ الفـكـرِ الـذي

امتـشَقَ الشعـاع َ قـضـيةً لا تـُهـزَمُ

وشعـاعُـنا شـعـبٌ تمرّسَ بـالـفـدى

ومـضى بأسـرارِ العُلى يـتـحـَكــَم ُ

مـيـلادنـا الحـق ُ انـبـعـاثٌ بـاهـِـرٌ

مُخـضـوضـرٌ مُـتـَفـَتـِحٌ مـتـبـرعـِمٌ

مـيـلادنـــا فـَــوَّارُ كــل ِ تـَـفـَــوّق ٍ

بـالـعـبـقـريــة يـبـتـَـدي ويُـتـَـمـَـم ُ

مـيـلادنـا يــومَ ابـتـدتْ أرواحـنـا

بـالـعـز آيـاتُ الـنـبـوغ ِ تُـتَـرجـِـمُ

ميـلادنـا الـفـجـرُ الـذي لا يـنـتـهي

فـجـرٌ عـلى فـجـر ٍ وفـجـرٌ يـبـســمُ

هـذا هُـوَ المـيـلادُ في عـُـرف الأُلى

عشقـوا الضياءَ وبالضياء تـعـمّـموا

أبـنـاءُ نـور ٍ حـيـثـمـا حَـلـّـوا ووجـهُ

الـنــور ِ لا يُـخـفى ولا يـَتـَجـَهـَّــمُ

بـدمـائهمْ رَسـموا الطريـقَ ومهـّـدوا

وبـكـل ِ مـا طـلـَبَ الإبـاءُ تَـكَـرَّمـوا

فـتـوحـّدتْ بـالـعـزِ كـلُّ نـفـوسـهـم

بالعـزِّ تـنـتـصـرُ الـنـفوسُ وتـسـلـَم ُ

هـذا هـُـوَ المـيـلادُ فـجـرُ حـقـيـقــة ٍ

سَـطـَعـَتْ، نـفوسَ الثـائـرين تـُبـَلسـم

هــذا هـُـوَ المـيـلادُ يَـقــظُـة ُ أمــة ٍ

لا صـعـب يـحبـسُ عـزمها ويُـقـَـزّمُ

هــذا هـُـوَ المـيـــلادُ نـهـرٌ خـَـيـِّـرٌ

يـنـسابُ يـروي الظـامـئـين ويُـطـعـِم ُ

هـذا هـُوَ المـيـلادُ بـعـضُ شـمـوخـه ِ

في أرض ِ غـزة مـارد ٌ مُـتـعـاظـِـمُ

هــذا هـُـوَ المـيـلادُ روحُ بـطـولـة ٍ

أبـنـاءُ بـغـداد الأشاوسُ أضـرمـوا

مـيـلادنــا أحــرارُ لبـنـان الأُ لى

درسَ الكـرامة ِ للخـليـقـة ِعـَلـَّـمـوا

مـيـلادنـا شــامٌ إذا افـتُــقـِـدَ الإبــا

أبـنـاؤها ابـتـكروا الإبـاءَ وعـَمـَموا

مـيلادنـا الإبـداعُ بـعـضُ جُـذُوره ِ

وغـصـونُـهُ ارتـفـعـتْ لما لا يُـعـلـمُ

مـيـلادنـا مـيلادُ نـهـضــتـنا بفـكر ٍ

رائـــد ٍ مُـتـَـجَــــدّد ٍ لا يـهــــرمُ

لا يُـفـْـهـَـمُ المـيــلادُ إلا َّ عـنـدمـا

نـَطـَأ ُ النجـومَ ونـرتـقي ونُـخـَيـّـمُ

ونطـلُّ منْ فوقِ النجوم ِعلى السـنا

بمـطـامـح ٍ أبـدا ً مــداهـا الأحـكـَـمُ

لـم يـخـلـق اللهُ الـخـليـقـة َ للفـنـا

فـقـط الفـناءُ نـصـيبُ من يستسلـِم

من ظـَـنّ أنّ حـيـاتـنا قـد تـنـتـهي

بِـئسَ الظـنون ِ ظـنونُ من يـتوهـّمُ

إنَّ الحـيـاة َ حـقـيـقـة ٌ محـسـومـة ٌ

بـالـعـزِ يحـفـظـهـا الإلــهُ الأعـظـم ُ

هـذا هـُـوَ المـيـلادُ بـسـمـة ُ خـالـِق ٍ

مـنْ قـالَ إنّ اللهَ لا يـتـبـسّـــمُ؟!

ولأنـنـا نـحـنُ ابـتـســامـة ُ خـالـِق ٍ

فـحـيـاتـنـا نـغـم ُ الإلــه الأرخـَـمُ

يا أفـهم النـاسِ اعـلموا وتـبصَّروا

فـالكـونُ للإنسـان ِ ســرٌ مُحـكـَـمُ

إنْ شـئـتـُمُ المـيـلادَ نبـعَ فـضـائـل ٍ

فـحـيـاتـكـمْ أبـدا ً تـشـعُ وتـعـظـُـم

أو صرتـُـمُ الـنورَ المـُشعَ كـشـفـتـُمُ

ســرَ الـوجود ِ وللسـماء ِ سُـموتـُمُ

وعـرفـتُـمُ الفـوز َ العــظـيـمَ بـأنـه

بـنـضـالـكـم لا بـالـمـنى يَـتَـقَــدَّمُ

كـونوا الأعـزة َ في الحـياة ِ فـأنـتـُمُ

أبـنــاءُ نــور ٍ بـالـولادة ِ كـُـنـتـُـمُ

وولادة ُ الأحـــرار ِ كـانـتْ دائـمـا ً

تـجـتـثُ مـا شــادَ الفـسادُ وتـهـدم ُ

هيَ ميزة ُ المولودِ منْ رحمِ الهُدى

وجـه َ الإلــهِ ومـا يُـسـِـرُّ تُجـَـسـّـمُ

مـولـودُنـا مـا كـانَ شـيـئـاً عـابـرا ً

بـل كانَ بـدءاً لا أصـحُ وأســـلـَـمُ

إنْ ضـُـيـِّـعَ البـدءُ انـتهـتْ آمالـُنـا

واسـتهـولَ الويـلُ الـذي لا يـرحـَـمُ

والـبـدءُ أن نـحـيا كـرامـا ً سـادة ً

إلا َّ بـأسـمى مـا ســما لا نـحـلـمُ

لا نـُدركُ الآمــالَ انْ لـمْ نـهـتـَد ِ

بـعـقـيـدة ٍ لـُغـَـة َ الهـُـدى تـتـكـلـمُ

لا نـُصـلـِحُ التاريـخَ إنْ لـم نـقـتـَد ِ

بـفـعال ِ منْ قـمـَمَ التـَجـَليّ صـَمـّموا

لا نُـنـقـذ ُ الإنـسـانَ مـن ظـُلـمـاتـه ِ

إلا َّ إذا بــبــلاغـة ٍ نـَطــَقَ الـــدَمُ

لا نـربـَحُ الـدنـيـا بـسـحـرِ خـرافـة ٍ

أو نـربـح ُ الأ ُخـرى بـفـكـر ٍ يُـبهـِـمُ

بل نربـح ُ الدنـيـا مـع الأُخـرى مـتى

بـبـطـولـةٍ أمـرَ التـأرجُـح نـحـسـم ُ

فـالـعـز ُ ليـس تـرددا ً وتـقـاعـســـا ً

الـعــز ُّ عــزمُ إرادة ٍ لا تـُـثـلـَـــمُ

الـعـز ُ نـبــع ُ هــدايــة ٍ مـُـتـَـوالـِـدٌ

يـجـتـاز ُ أدراجَ الســمـّو ويـعـظـمُ

أبــدا ً مـسـيـرتــُنـا ارتـقــاءٌ دائــمٌ

وذُرى الـرقيّ هِيَ المـطــاف ُ الأدوَمُ

فـلـقـد وُلـدنـا للحـيـاة ِ ومـجـدهــا

وبـنـا الحـيـاةُ عـزيـزة ً تـَتـَجـَسـّـمُ

ومـسـيرةُ الـعـز ِ العـظـيـمةُ نهضةٌ

لا تـكـتـفي بـصـمـودهـا وتـقــاومُ

بـل تـسـتـمـرُ، وتـسـتـمـرُ ريـاحُـهـا

أسُـسَ الخَرافـةِ والخُـمول ِ تُهـاجـِمُ

مـيـلادُنـا عـز ٌّ بـه اخـتـُصـِرَ العـُلى

وبـه العـُـلى نـارَ الكـرامـة ِ يُـضـرمُ

سَـيظـل ُ مـيـلاد ُ الكـرامـةِ مـشـعـلا ً

مُـتـوهـجـا ً، مـتـعـاظـمـا ً لا أقـيـَـمُ

حـتى يـعـي الإنـسـانُ أنّ حـيـاتـه

بـالـعـز ِّ والـوعيِّ السـليـم ِ ُتـقـَـوّمُ

هــذا لـنـا آذارُ فَـجــرُ مَــعــارفٍ

يـنـمـو ويَـكبـرُ بالضياء ويَعـظـم ُ

هــذا بـنـا آذارُ نَـهــرُ فَـضـائـلٍ

إلاَّ الـى بَـحــر الســنا لا يَـعـزم

هــذا هـو آذارُ شُــعـلة أنـجُـمٍ

شَعَّـت فـطاردت الظـلامَ الأنجُـمُ

هـذا هـو الميلادُ في مفهـومنـا

مـيـلادُ شعبٍ لا يمـوتُ ويُعـدمُ

أجـيـالُهُ انطـلقـت بروحِ بـطـولةٍ

هزمت أعاصيرَ السموم وتهزمُ

هـذا هـو الميـلادُ نَهـضة أمـةٍ

بسـلامها أمَـمُ البسيـطـةِ تَسلّمُ

إن لمْ يكن معنى السلام سلامُنا

هيهاتِ في الـدنـيا سَلامٌ قائـمُ

سيظـلُّ ميلادُ الحيـاة لنا الهُـدى

ونَـظـلُّ في قِـممِ الفِداءِ نُـهـاجِمُ

فَمِنَ المحالِ العـتمُ يُصبحُ ساطعاً

ومِنَ المحـالِ النورُ يـوماً يعـتـمُ

أبَــديَّـة ُ المـيـلادِ نَـهْـجُ بطـولــةٍ

إلاّ الى مُـثُـلِ العُـلى لا تَـعـزمُ

هـذا هـو الميلاد تَـجَـديـد العزائم

دائـمــاً بـعــقـيـدةٍ تـتـعــاظــمُ

ويَـدومُ ما دامَ التَـقَـدُّمُ فـاعـلاً

والى سَــماءِ المُـرتَجى يَـتَـقَـدَّمُ

 

*شاعر قومي مقيم في البرازيل في أول آذار 2020. والقصيدة القيت مساء أمس الأحد في احتفال منفذية سان باولو في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى