مقالات وآراء

هل «كورونا» يجمعنا؟

} علي بدر الدين

يقول الإمام علي بن أبي طالب «يأتي على الناس زمان يكون فيه أحسنهم حالاً من كان جالساً في بيته، ويأتي على الناس زمان تكون فيه العافية عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحدة في الصمت». هذا ما يجب ان يطبّق على واقعنا اللبناني في زمن اقتحام فيروس «كورونا» لحياة اللبنانيين الذي بقسوته وخطره قضّ المضاجع ونشر الرعب والهلع وقوّض العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية، وقضى على كلّ أنماط الحياة التي كانت سائدة، ويبدو أنها تتدحرج نحو الزوال، وأوصد أبواب العمل والأمل أمامهم وقطع الأرزاق وأقفل صروح التعليم والثقافة وكلّ ما يمكن أن يفعله الناس في حياتهم. هذا الفيروس الملعون والقاتل بدأ بفرض أنماط حياة وسلوكيات جديده لم يعتد عليها اللبنانيون ولا يمكن هضمها، ولكنها سقطت عليهم كالقدر المحتوم، وعليهم الاعتراف به من دون خوف او استسلام أو الموت المجاني، والمواجهة ممكنة من أجل السيطرة على هذا الفيروس الخطير بالتعاون المجتمعي والاستجابة لتعليمات وتوجيهات وزارة الصحة والجهات المعنية من أطباء اختصاصيين وان كانت غير مألوفة او غير مسبوقة، ولكن الضرورات تبيح المحظورات، فالمكابرة والاستهتار والاستلشاق ورفض الالتزام بالقرارات الحكومية بخلفيات سياسية ليس وقته الآن، والخطر يداهم الجميع ولا يفرّق بين هذا وذاك، ولن يكون أحد بمنأى عن هذا الخطر انْ كان موالياً او معارضاً او في ٨ أو١٤ آذار أو من هذه الطائفة أو تلك أو من هذا المذهب أو ذاك، لأنّ المقصلة مسلطة على رقاب الجميع.

انّ الحكومة ووزارة الصحة والجهات الصحية الرسمية والأهلية وعشرات الأطباء والممرّضين وغيرهم الكثير المؤتمنين على صحة اللبنانيين وسلامتهم يعرّضون أنفسهم للخطر لمنعه عن الآخرين ويحاولون القيام بأقصى ما يمكن رغم ضآلة الإمكانيات التجهيزات التقنية الفعّالة والمناسبة للسيطرة على «كورونا» والحدّ من انتشاره. وإذا كان البعض ممّن يصوّب على الحكومة ويعتبرها مقصّرة أو عاجزة وله الحق في ذلك، ولكن ليس الآن حيث لبنان وشعبه معلقان في المجهول وانّ هذه الحكومة التي نعترف ونقرّ بأنها وليدة الطبقة السياسية الحاكمة، ولنا ملاحظات على أدائها، وليس دفاعاً عنها، غير أنها تقوم بواجبها وتتحمّل مسؤولياتها في مواجهة «كورونا» وبالإمكانيات والتجهيزات والمستشفيات التي ورثتها من الحكومات المتعاقبة، ولنكن واقعيين انه من الخطأ تحميلها وزر وتقصير من سبقها أو اتهامها بالفشل في ما يتعلق بتصدّيها لـ «كورونا» الذي فاجأها وهي لا زالت طرية العود، ورغم ذلك فإنها تتساوى مع دول عريقة ومؤهّلة لمثل هذا الوباء.

انّ الطبقة السياسية الحاكمة منذ ثلاثة عقود هي وحدها تتحمّل مسؤولية عدم التخطيط ووضع الاستراتيجيات وبناء المؤسّسات وهي المسؤولة عن هدر المال العام ونهبه وتراكم ديون لبنان وتحكّم أصحاب المصارف وحيتان المال وهي التي مارست الفساد والمحاصصة وانتهجته في سلوكها السلطوي، والشعب اليوم يدفع الثمن من ماله وصحته واستقراره وقد حاصره الفقر وأوهنه الجوع كرمى لمصالح هذه الطبقة التي لا تعرف الرحمة ولا تملك الضمير لنراهن عليه علّه يصحو

انّ هذه الطبقة بقديمها وحديثها من السياسيين اختفت فجأة عند وقوع الواقعة واختبأت في جحورها، وبعضها هاجر إلى الخارج مستعيداً تجربة هجرة اللبنانيين الأوائل أيام الاحتلال العثماني ربما ليكونوا على مقربة من أموالهم المهرّبة التي سبقتهم، ولاعتقادهم أنهم يفرّون من «كورونا» الذي سيلاقيهم أينما كانوا.

انّ لبنان كما غيره من الدول هو في عين العاصفة الكورونية التي أضافت أزمة شديدة وقاسية وقد تكون أخطر من الحرب إذا ما تحوّلت الى وباء، وهو أساساً يعاني بل في ذروة أزمات اقتصادية ومالية ومعيشية غير مسبوقة ويأتي قرار الحجر الصحي في المنازل رغم ضرورته وأهميته والطوارئ الصحية التي لا بدّ من إعلانها لتزيد من معاناة الشعب وترفع الستار عما أخفاه من فقر وقلة، وعما فعلته الطبقة السياسية فيه حيث أمعنت في حرمانه حقوقه في العمل والخدمات والتقديمات والطبابة والتعليم.

انّ شعب لبنان اليوم في أزمة معيشية حقيقية بعد ان حاصره «كورونا» وفرض عليه الحجر المنزلي وانقطعت أمامه سبل العمل والإنتاج، فمن سيكون له العون والمعين لتجاوز هذا القطوع الصعب الذي وقد يطول، وعندها من لا يموت بالمرض يموت من الجوع.

على من يكون الرهان، فالدولة مفلسة ومديونة، وأموال الأثرياء والمغتربين ابتلعتها حيتان المصارف، والجمعيات الخيرية والإنسانية في وضع مالي سيّئ لأنّ حقوقها راحت إلى جمعيات المحظيات من أصحاب السطوة والنفوذ، وهي عادة تأخد ولا تعطي والعطاء أسمى آيات الشجاعة، وهي لا تملكه وما يحصل لا يعنيها لأنها محصّنة وفي مأمن من كورونا وغيره.

انّ فيروس كورونا رغم خطره وتداعياته الكارثية على كلّ شيء فإنه أعاد جمع شمل العائلات اللبنانية، وأعاد لها عاداتها وتقاليدها وسهراتها المنزلية المحبّبة التي أفقدتها إياها حياة الصخب، ونأمل أن تطول من دون «كورونا» او غيره والذي سيجمع اللبنانيين على حب الوطن والولاء له من دون غيره علّ أصحاب الرؤوس الحامية يتعظون  ويعودون إلى رشدهم ووطنهم قبل فوات الأوان وقبل سقوط الهيكلهل تجمع مصيبة «كورونا» اللبنانيين وتكون بمثابة إنذار للسياسيين الفاسدين والممعنين في إفقار وتجويع شعبهم، وقد أرعبهم فيروس قاتل وغير معروف هزّ وجودهم ومالهم ونفوذهم. هل «كورونا» يجمعنا وينزع الشرّ من السياسيين ويهديهم الى الصراط المستقيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى