الوطن

التعامل مع «كورونا» لبنانياً… بين الاستغلال الرخيص والمسؤولية الوطنية

} حسن حردان

التعامل مع وباء كورونا على الصعيد اللبناني، لم يكن على نفس القدر من المسؤولية الوطنية والمجتمعية من قبل الجميع، أحزاب وقوى وشخصيات ووسائل إعلام ومواطنينفقد كانت هناك مفارقة صارخة على هذا الصعيد، صعيد مواجهة خطر انتشار فايروس يجتاح الجميع دون استثناء، موالين ومعارضين، أغنياء وفقراء، مسؤولين ومواطنين، مقيمين أجانب وعرب ولبنانيين.. لقد كان من المفترض أن تكون المواجهة لهذا النوع من الخطر الذي لا يميّز بين الناس، مواجهة وطنية موحدة.. لكن للأسف الشديد، لم يكن الأمر كذلك.. لقد فوجئنا بوجود انقسام واختلاف كبير وخطير في مقاربة التعامل مع كورونا

ففي مقابل تعامل قسم من اللبنانيين باستغلال سياسي رخيص لهذا الوباء، بعيد عن القيم والأخلاق الإنسانية، فيما سادت لدى قسم من المواطنين حالة من الاستلشاق والاستخفاف والجهل بالعلم

كان هناك قسم آخر يتعامل بكلّ مسؤولية وطنية وجدية وعلم ووعي لخطورة ما يشكله هذا الفيروس على جميع اللبنانيين والمقيمين ويدعو الى التحلي بالمسؤولية الوطنية والتخلي عن تصفية الحسابات السياسية والتزام القيم والأخلاق واتباع العلم والتخلي عن العادات الاجتماعية التي تساعد على انتقال المرض وانتشار خطره..

أولاً، على مستوى الاستغلال السياسي والجهل بالعلم كان هناك أربع محطات فاقعة لا يقبلها أيّ انسان عاقل على سطح الكرة الأرضية، وليس فقط في لبنان

محطة أولى، مسارعة بعض وسائل الإعلام التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى استغلال انتقال الفيروس إلى لبنان بوساطة مواطنين كانوا في زيارة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبيّن أنهوا أصيبوا بفيروس كورونا، حيث وصل بها الأمر حدّ اتهام إيران بتصدير المرض الى لبنان، والقول، أهكذا تكافئ إيران لبنان وتكون العلاقات بين البلدين.. في محاولة خسيسة وخبيثة للتحريض وإثارة العداء ضدّ إيران ومن خلالها ضدّ حزب الله الذي تربطه علاقة وطيدة معها..

وكان لافتاً انّ قناة «أم تي في»، قد عمدت إلى تخصيص إحدى مقدمات نشراتها الإخبارية للقيام بمثل هذه الحملة المسمومة ما يشي بأنّ هناك قراراً مدروساً جرى اتخاذه من قبل إدارة القناة في فبركة مثل هذا الاتهام المسموم، رغم إدراكها بأنّ الفيروس منتشر في العديد من الدول وانه انتقل إلى لبنان عبر لبنانيين كانوا فيها.. وانّ الذين جاؤوا من إيطاليا ومصر وفرنسا هم الذين تسبّبوا بأكثر الإصابات في لبنان.. مما يكشف عدم مهنية صحافية وغياب الموضوعية والشفافية وحسّ المسؤولية الوطنية لدور الإعلام في مواجهة المحن

محطة ثانية، إقدام قيادات من ١٤ آذار ووسائل إعلامها، على استغلال المرض، لتوجيه هجوم واسع ضدّ الحكومة التي لها خصومة سياسية معها وتعمل على إفشالها وعرقلة مهمتها في إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي وأزمته المالية الخطيرة.. والإقدام على اتهام الحكومة بالتقصير والإهمال في مواجهة كورونا، والذهاب حدّ فبركة الاتهامات للقول إنها لا تقوم بواجباتها وتحميلها مسؤولية انتشار الوباء في لبنان..

محطة ثالثة، وهي الأكثر قباحة وفظاظة وبشاعة، وتجسّدت في الدعوة التي أطلقها رئيس حزب القوات لعزل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ومخيمات النازحين السوريين باعتبارهم مصدراً لنشر الوباء، مما أظهر النزعة العنصرية المقيتة والكريهة التي يعكسها خطاب القوات وتماهيه مع خطاب العدو الصهيوني العنصري النازي، عدو لبنان وفلسطين وسورية، وكلّ العرب، عدا عن كون مثل هذا الخطاب يعكس أيضاً استغلالاً بشعاً لمرض كورونا للتحريض بهذا الشكل ضدّ الفلسطينيين والسوريين، ومحاولة إثارة الفتنة بينهم وبين اللبنانيين..

محطة رابعة، ظهور عدم وعي قسم من المواطنين، وسيادة جهل خطير لديهم في اتباع الإرشادات الطبية وأخذ الاحتياطات ضدّ هذا الفيروس الخطير، بل ضربوا عرض الحائط قرار الحكومة بتجنّب التجمعات والمناسبات الاجتماعية للحدّ من انتقال الوباء وانتشاره.. وكان الأكثر خطورة في هذا السياق إقدام عدد كبير من المواطنين على النزول إلى كورنيش البحر في ما يشبه التمرّد على قرار الحكومة إعلان التعبئة العامة الصحية والتي تقتضي أخذ أقصى الاحتياطات لمحاصرة الوباء ومنع انتشاره على غرار ما حصل في إيطاليا نتيجة الإهمال والاستخفاف في عدم اتخاذ الإجراءات الصحية..

ثانياً، على مستوى المسؤولية الوطنية والوعي في مواجهة المرض العابر للمناطق والطوائف والأحزاب والمعارضة والموالاة، كان هناك أيضا محطات مفصلية هامة..

محطة أولى، الإجراءات السريعة التي اتخذتها الحكومة، التي من حظ اللبنانيين انها تتكوّن من الاختصاصيين الذين تصرّفوا وفق القواعد العلمية التي واكبت انتشار الوباء وتعاملوا معه منذ انتقاله إلى لبنان حسب ما توصلت اليه الأبحاث الصينية تباعاً، مما جنّب لبنان الانزلاق سريعاً إلى ما وقعت فيه دول متقدّمة مثل إيطاليا وإسبانيا وحتى الولايات المتحدة من كارثة نتيجة الاستخفاف بالتعامل مع هذا الوباء وعدم المسارعة الى أخذ الاحتياطات الصحية منذ البداية..

محطة ثانية، كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله التي خصّصت لدعم إجراءات الحكومة ووزارة الصحة والتعامل معها من منطلق العلم، وبالتالي ضرورة الالتزام بها لا سيما التوقف في هذه المرحلة عن العادات والمناسبات الاجتماعية من أفراح وأحزان، من موقع الإيمان الذي يحضّ على العلم، وكان سماحته موفقاً في توصيف وباء «كورونا» بأنه بمثابة حرب تواجه لبنان والعالم أجمع، وفي الحرب يتخذ الناس احتياطات أمنية لحماية أنفسهم من القصف والغارات الصهيونية، اما في مواجهة حرب «كورونا» فالمطلوب اتخاذ الإجراءات الصحية والاحتياطات التي تجنّب الناس التعرّض للإصابة بهذا المرض، وبالتالي التقليل من الضرر الذي يسبّبه للناس، وحماية أرواحهم.. كما كان لافتاً حرص السيد على التحلي بالمسؤولية الوطنية وعدم استغلال المرض في سياق تصفية حسابات سياسية ونكايات سياسية، وأن المسؤولية الوطنية تحتم على الجميع وضع الخلافات والصراعات السياسية جانباً والعمل على درء هذا خطر هذا الوباء..

محطة ثالثة، الاستنفار الذي قام به رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وأعلن فيه التعبئة العامة في صفوف التيار للمساعدة إلى جانب الحكومة في مكافحة كورونا، حيث أعلن باسيل اثر اجتماع خصص لهذه الغاية، عن 10 إجراءات وعن تشكيل التيار للجنة طوارئ لمواجهة كورونا! انطلاقاً من مسؤوليته الوطنية التي تحتم عليه الإسهام في مكافحة هذا الوباء ودرء مخاطره عن جميع اللبنانيين، وذلك عن طريق الالتزام بالإجراءات الوقاية، وتأكيده بلغة وطنية شاملة، بانّ دورنا كلبنانيين ليس التفرّج، وإنما توحيد جهودنا ووضع أنفسنا في تصرف الدولة ودعم ايّ قرار تأخذه الحكومة..

محطة رابعة، إعلان الأحزاب القوى الوطنية وقف جميع الأنشطة واللقاءات ودعوة المواطنين للالتزام بتعليمات الحكومة التي تقوم بما عليها، ويبقى على جميع اللبنانيين والمقيمين الالتزام لأنه بدون تعاون وتكاتف الجميع لا يمكن محاصرة الفيروس ومنع انتشاره وتجنب خطره.. ولهذا يجب التوقف عن أيّ مهاترات سياسية وإظهار التضامن والتكاتف الوطني في مواجهة الوباء الذي يهدد الجميع..

وفي موازاة هذه المواقف والجهود الوطنية لعبت العديد من وسائل الإعلام دوراً ايجابياً توعوياً لمواجهة الوباء..

خلاصة الكلام..

انّ ما جرى يجب أن يشكل درساً وعبرة لجميع اللبنانيين لأجل الاقتداء بغيرهم من الشعوب التي تتكاتف في المحن، وتغلّب المصلحة الوطنية والعامة على المصالح الخاصة والضيقة، وما صدر عن بعض القوى والإعلام من نشاز يجب أن يكون محط استنكار ورفض ومحاصرة من اللبنانيين لأنه يضرّ بهم ويلحق الأذى الفادح بحياتهم وأرواحهم. عدا عن كونه يحبط جهود الحكومة والقسم الباقي من اللبنانيين الذين تعاونوا مع الحكومة لمكافحة المرض وغلّبوا المصلحة الوطنية، واتبعوا الإجراءات، لأنه من دون تعاون الجميع يصعب تجنّب خطر الوباء ومنع انتشاره.. فهل يتوقف الاستهتار والاستخفاف في التعامل عن وباء كورونا الخطير، ويتوقف المستغلون الذين يضعفون التكافل والتضامن الوطني في مواجهة هذا الوباء الذي يجتاح الجميع وهو بمثابة حرب نتعرّض لها كما وصفها سماحة السيد حسن نصرالله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى