الوطن

قرار «العسكريّة» «سياسيّ» بثوبٍ قضائيّ… هل يُرحَّل الفاخوريّ قبل نقض محكمة التمييز وكيف؟

} محمد هاني حميّة

القائد العسكري السابق لمعتقل الخيام في جيش أنطوان لحد بات قاب قوسين أو أدنى من الحرية والترحيل الى الولايات المتحدة الاميركية!

في غمرة الانشغال الرسمي والشعبي بكارثة «الكورونا» والتركيز الحكوميّ على احتواء الوباء والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنه، تسلل قرار قضائي بشكل مفاجئ ولافتففي حين أٌقفِلت كافة المرافق والمؤسسات والإدارات العامة والمصالح المستقلة والشركات الخاصة والمحال التجارية، خرقت المحكمة العسكرية قرار التعبئة العامة فقط لتمرير قرار كفّ التعقبات عن العميل فاخوري.

 فقد أصدرت «العسكرية» أمس برئاسة العميد حسين عبد الله، حكماً قضى بكف التعقبات عن الموقوف الفاخوري، في قضية خطف مواطنين لبنانيين واعتقالهم وتعذيبهم داخل سجن الخيام، ما أدى إلى وفاة اثنين منهم.

واعتبرت المحكمة في حكمها الذي حمل الرقم 515/2020 أن الجرائم المسندة إلى المتهم عامر الفاخوريّ، لجهة تعذيب سجناء في العام 1998، سقطت بمرور الزمن العشريّ، وقرّرت إطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بقضية أخرى.

مصادر قانونية أشارت لـ «البناء» الى أن «القاضي العسكري أصدر قراره وفقاً للقانون المعمول به من عقود، وبالتالي الثغرة تكمن في القانون نفسه وفي المشرّع اللبناني الذي لم يميّز بين الجرائم التي يشملها مرور الزمن العشري كما لم يستثنِ القانون جرائم العمالة من هذا الزمن»، أما الثغرة الثانية بحسب المصادر فتكمن في غياب اي ادعاء سابق قبل العام 2010 من النيابة العامة العسكرية او مجموعة من الاشخاص وفي هذه الحال كان يمكن ملاحقة العميل الفاخوري وغيره في اي وقت بموجب هذا الادعاء بشكل يمنعه من العودة الى لبنان لتجنب ملاحقته». 

لكن قرار العسكرية ولو كان في إطاره القانوني الصحيح أثار تساؤلات كثيرة: فما معنى صدوره بعد أيام قليلة من وصول السفيرة الأميركية الجديدة الى بيروت وجولتها على المسؤولين؟ وهل هو مقدمة للإفراج عنه وترحيله الى الخارج؟ وهل هناك تسوية ما حيكت في ليلة ظلماء؟ واستطراداً فإن جرائم الفاخوري وغيره من كبار العملاء ليست عادية ليصار الى إسقاط المواد القانونية عليها، بل هي جرائم جنائية مست الأمن القومي للدولة فضلاً عن أن الأحكام القضائية يجب ان تعبر عن المزاج العام والارادة الشعبية العارمة التي ترفض الإفراج عن الفاخوري مع شبه إجماع لمحاكمته. علماً ان المادة 274 من قانون العقوبات اللبناني ينص على أن «كل لبناني دسّ الدسائس لدى دولة أجنبية او اتصل بها ليدفعها الى مباشرة العدوان على لبنان او ليوفر لها الوسائل الى ذلك عوقب بالأشغال الشاقة المؤبدة».   

وتجدر الاشارة الى أن الإفراج عن الفاخوري كان أحد الشروط الاميركية لتسهيل تأليف الحكومة الحالية وتهدئة الشارع والحؤول دون تعرّض لبنان لعقوبات جديدة إذا تمنع عد دفع ديونه إضافة الى شروط تتصل بملف الحدود البحريةالنفطية والبرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. كما جاء القرار عشية انتهاء المهلة النهائية للدولة اللبنانية لتسديد سندات اليوروبوند!

لكن السؤال: لماذا يحظى «جزار الخيام» بهذا الاهتمام الأميركي، علماً انه مجرد عميل في نهاية المطاف وإن كان يحمل الجنسية الاميركية، لكنه ليس مسؤولاً أميركياً لكي تطالب بلاده باسترداده؟

أوساط مطلعة تشير لـ»البناء» الى أن «التدخل الاميركي واضح في هذا القرار الذي جاء بعد ضغوط اكثر من مسؤول اميركي رفيع زار لبنان خلال الشهور الماضية لا سيما مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل الذي سمع من المسؤولين آنذاك أن الفاخوري غير محكوم ليُعفى عنه وسيتابع مساره القضائي لإصدار الحكم». كاشفة ان «فاخوري أُدخل الى لبنان بمهمة المشاركة في الإعداد الأمني لاطلاق أحداث 17 تشرين الماضي والإشراف على الخطة الاميركية ميدانياً»، علماً أن دخول الفاخوري الى لبنان كان في منتصف ايلول من العام الماضي اي قبل حوالي شهر واحد من اندلاع شرارة الاحداث في 17 تشرين الماضي! ما دفع بمصادر الى القول إن القرار هو سياسي وألبس ثوباً قضائياً.

وكان لافتاً توقيت ومضمون تصريح السفيرة الاميركية من السرايا الحكومي منذ يومين بدعوتها الحكومة للاستجابة لمطالب المتظاهرين في وقت كانت درجة الاستنفار الحكومي والشعبي عالية لمواجهة «كورونا» وفي وقت تراجع الزخم والحضور في الساحات الى حده الأدنى حتى درجة الانعدام منذ أكثر من شهر!    

لكن المستغرب كيف دُبّر هذا القرار على عجل واجتمعت المحكمة العسكرية لإصداره في يوم اقفال عام؟ ما دفع بأحد النواب للقول لـ»البناء»: «كيف ما بدو الفاخوريّ بركب دينة الجرة».

لكن المسار القضائي للقرار لم ينته بعد بحسب المصادر بل سيلاحق الفاخوري بملف آخر أمام قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي، في الدعوى المقامة ضده من عدد من المعتقلين السابقين في سجن الخيام، بجرم اعتقالهم وحجز حريتهم وتعذيبهم، إلا أن قاضي التحقيق لم يستجوب الفاخوري بعد بسبب وضعه الصحيّ ولم يصدر مذكرة توقيف بحقه.

وفي هذا السياق يرى وزير العدل السابق شكيب قرطباوي أن «قرار المحكمة العسكرية جاء في إطاره القانوني، فهو لم يُنكِر الجرم بل اعتبره ساقطاً بفعل مرور الزمن العشري للجرائم الجنائية»، لكنه اوضح لـ»البناء» أن القرار لن ينفذ بانتظار رأي محكمة التمييز العسكرية التي يمكن أن تنقض القرار، وبالتالي يصار الى تجميد مفاعيله وإعادة المحاكمة لان القرار قابل للطعن»، وأضاف قرطباوي: «الكرة في ملعب النيابة العامة العسكرية التمييزية التي يمكنها نقض القرار او بناء لطلب مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات لان كل النيابات العامة تتبع له بما فيها النيابة العامة العسكرية»، الا ان مصادر «البناء» تشير الى اتجاه لترحيل الفاخوري الى الولايات المتحدة خلال ايام، ما يطرح سؤالاً: هل يرحل قبل تحرك محكمة التمييز لنقض القرار؟ وكيف؟

تشير معلومات «البناء» الى أن «الجنسية الاميركية التي يحملها الفاخوري هي المخرج لترحيله، فبعد نهاية محكومية الأجانب يصار الى ترحيلهم، وكون الفاخوري يحمل الجنسية الاميركية ينطبق عليه ذلك ما يمنع تحرك النيابة العامة لابطال القرار. لكن قرطباوي يوضح ان هذا الأمر بيد النيابة العامة العسكرية. وبحسب المعلومات التي تسربت ليل أمس، فإن القاضي عويدات طلب ملف العميل الفاخوري لتمييز القرار اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى