ثقافة وفنون

فقط في شرق المتوسط (2)

مصطفى بدوي*

الجبهة والفهلوة:

من المشاهد الطريفة في شرق المتوسط المظهر الجبهويّ (نسبة للجبهة العريضة) فادخلحماك اللهالى أي مكتب تجد هذه الكائنات المقرفة صاحبة التعالي البئيس والضحالة الفَضّة..

تستطيع في الغرب أن تتعامل مع أكبر فعالية من دون أن يتملكك الإحساس بالدونية او يجعلك تحس بالنقص وأنت في حضرة أريحيته، بيد أن الكارثة الجبهويّة ههنا تتلذّذ بالتنكيل بكينونتك الإنسانية في محاولة للتعويض عن تاريخ التنكيل باعتبارها ضحية تلك الطاحونة من الوهم الزؤام. يكفي أن يشتري الواحد في شرق المتوسط سيارة أو بنطلوناً او حتى ربطة عنق ليربطك الى جذع شجرة ليسحلك ويمارس ساديّته المقيتة عليك فقد ينتظر أول فريسة ليجلدها بنظرات التعالي والفهلوة الفارغة. ولله في خلقه شؤون!

***

ما العمل؟

حين يسلّم العقل زمامه للتكلّس والتزلف وفق ما تشتهي سيرة الأنعام..؟!

ما العمل؟

عند منحدر السقوط تعلو الهاوية وتنكسر الأسئلة؟!

ما العمل؟

يرتدي الكاهن الوثني قفطاناً وجبة وعمامة؟!

ما العمل؟

يُشرع السفهاء في مساءلة النيات والسجايا والأروقة!

ما العمل؟

والمدى مرتع للغبار، المسارات ناشفة والصباحات ملقاة في المزبلة!

ما العمل؟

لو رجنا الطوفان، قالت جارة قبطية.

ما العمل؟

آآه (ليت للبراق عيناً) فترانا.. وترى المهزلة!

***

للسجائر عذوبتها ولعنتها، فلولاها لأحرق السواد الأعظم نفسه دفعة واحدة!

لكؤوس الطلا بهجتها وجنتها، فلولا مسابح النبيذ التي يغطس في أمواهها الحفاة العراة لانتحروا عن بكرة عريهم ذات نزيف!

للمقاهي معانيها الوظيفية وأدوارها الذرائعية فلولا عرينها لما انتعشت النميمة والوشاية والضحالة والرقابة والسكينة والخواء!

للمنصات الرديئة طرافتها وطراوتها، فلولا التناوب حول النهيق وميكروفونات الزعيق لما صار للأدب الرفيع معنى وللموهوب عزلة وللكلمة حرقة!

للسياسة سوريالتها وبهلوانيتها الملهمة، فلولا الهزال السياسي والمحنكون من المومياءات الذين جاؤوا الى ملعبها من باب الولائم لا من باب القناعات لما صار للسياسة دهشتها وغرائبيتها وهوامشها المضحكة!

للبلادة بريقها وبلاغتها، فلولاها لما انتشرت سيارات الدفع الرباعيّ تعربد في الخراب العظيم وأصحابها وراء شاشات معقدة من آخر صيحة تكنولوجية!

للنباهة آفاتها ومكائدها فلولا ألمعية الكثيرين لما طفا على السطح حشد الطحالب والزعانف والانعام.. فالنبيه النبيه عادة ما يعفّ عند المغنم.. وأي مغنم فرجوي نتن هذا الذي يتوهمه هؤلاء؟!

للموهبة فاتورتها وللأفكار العظيمة قرابينها، فلولا الموهبة لما كان لهذا النشيد /النشيج أن يستبدّ بشرايين الحلم والذاكرة!

***

إثنان يشقيان: رجل عارف انه قاعد على الخازوق وواعٍ جيداً بمآله وآخر خارج اللعبة تماماً، مدرك خيوطها، مقتنع أنه نتاج خطأ بيولوجيّ فظيع أتى به الى شرق المتوسط او خطأ جغرافي محتاج الى إعادة انتشار وترميم دفعا جبراً للضرر.

في شرق المتوسط معسكرات حشر حقيقية.. تدافع مسكون بهاجس ترقب دائم.. عيون صدئة.. خرائب شتى تشع منها أضواء النيون والوجع.. نساء مقبلات على الوهن يحملن قارة من الدموع والخيبات.. صبية استوعبوا وهم بعد أجنة في بطون أمهاتهن لا جدوى البقاء.. وعميان يرسمون للعتمة أبواباً مقفلة.

في شرق المتوسط أنهار قحط تجلجل في مهب الفراغ.. صور للنهايات.. ذبول يعري الفصول وغيوم من حديد!

في شرق المتوسط تكبر الأحلام في المنفى.. والنوافذ مشرعة على مقتبل الغموض وما تيبس من نذور..

في شرق المتوسط أراجيح محمومة ولهيب من عطش يهب على قيظ الوجود..

لا شيء.. لا شيء في شرق المتوسط ينذر بالهواء ولا بالغناء، قال المغني الضرير وارتمى في النحيب!

***

الرجولة: أن تمتلك مفتاح بيتك وسيارة تدفع أقساطها وكمبيالاتها بحساب موزون مقفى ثم تذهب للمقهى، وقبل ذلك تكون قد تفقدت حسابك البنكي إن كانت عناية الله قد شملته برعايتها، ثم تقوم بمزاولة رياضتك الاليفة التي تكمن في تشريح لحم أعدائك المفترضين رفقة عصبتك التي تفرقها هواتف «الهوانم» وأوامرهن العليا بالالتحاق بالكاشو (أعني ديار ليلى)!

***

يعجنون الغبار، يغسلون الحبق، يروّضون الحلم، يضيقون الافق، يتأففون.. يناورون.. يدمرون.. يبخسون الألمعيّ نبوغه.. يطاردون الفريسة، يجلدون الهواء، يدعون الحكمة النادرة.. وفي ذلك فبئس ما يتنافس فيه المتنافسون.

***

العائلة:

نفر متنافر ونفير يقرع كلما تعلق الأمر بالميراث. كل أقنعة الاخوة والملح المشترك وثدي الأم الواحد تتداعى امام كعكة القسمة فينقسمون شيعاً وطوائف شتى أمام بريق الإرث وإغواءاته!

التضامن:

هو يعني تعاطف الحيتان الكبرى وتحالفهم أمام أي ارتجاج تتعرّض له ارصدتهم ومصالحهم فهم شبيهون باعضاء، الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي أعضاء النادي الثري بالسهر والويسكي!

البورجوازية البضّة:

فئة تكنز الذهب وتشعر بفائض القيمة لدى الحثالات ممن هم منبهرون بما آلت اليه أرصدتها وفاضت به عقاراتها.. يضربون نوعاً من التكتم والسرية على حياتهم لأن أي تسريب يهمّ يومياتهم خيانة عظمى للعبة «فخر الانتماء» وفرصة مواتية للرعاع والهوام والعوام، بحسب مفرداتهم التاريخية للتداول في شؤون من أوتوا من فضل الله كثيراً!!

بنات الفشوش:

فصيل أوليغارشي من بنات «آوى» خُلقن وفي أيديهن خزائن الأورو وفي أرصدتهن سبائك تسيل ذهباً.. غالباً ما تسيل شعورهن بدنان من الذهب من فرط الجينات المتخمة بفيتامينات الدنيا والآخرة. لا يتحدثن مطلقاً باللغات الوطنية لأنها سبّة في حق ألسنتهن المفرطة في الدلال والرطانة بلغات غرب المتوسط الذي تنتفي فيه مثل تلك الطينة الغارقة في الترف. فسبحان من ابتلى عباده بتلك المانكانات السادرة في الغباء والتكلّس والتسطيح!

 

*ناقد وشاعر وأستاذ جامعي مغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى