مقالات وآراء

ذئب كورونا في قلب صراع المعسكرين فما هي التوجهات…؟

} حسن شقير

كوروناما فعله ويفعله وسيفعله هذا الكائن المجهري في العالم، ليس بالأمر البسيط الذي يمكن أن يمرّ عليه المرء مرور الكرام أبداً، ولعله من نافل القول أيضاً، بأنّ التداعيات التي فرضها وسيفرضها على مسار العلاقات الدولية البينية، لا بل وعلى مجمل الصراعات على الخارطة السياسية الدولية برمّتها.. لم يكن كلّ ذلك ليحدث بفعل كائنات وسياسات وأحداث، يستطيع الجميع ليس رؤيتها بالعين المجرّدة فحسب، ولم يكن ليتلمّس وجودها وظلالها من حولنا فحسب، إنما كان يمكن لنا جميعاً أن نكون جزءاً فاعلاً في صياغتها

لا يجادل أحد في أننا في خضمّ صراع مرير، يدور من حولنا، وذلك لإعادة رسم خارطة التحالفات الدولية والإقليمية على حدّ سواء، لا بل أننا ندفع في هذه الجغرافياالنعمة والنقمة في آنٍ معاً الفاتورة الأعلى والأغلى في ذاك الصراع، فمن صراع على الموارد، إلى صراعٍ على الجغرافيا، مروراً بصراعات على النفوذ والجيوسياسة بين نظام أميركي أحادي القطب، يجرُّ خلفه دولاً في الغرب والشرق، وهو يكافح ليبقى متربعاً على «العرش»، مع نظام دولي جديد يقوم على التعدّد وتوازن القوى، يقاوم بشراسة تلك الأحادية، والذي ترفع لواءه اليوم، روسيا والصين وإيران ومن خلفهما كلّ الدول والقوى العالمية، والتي ترفع شعار التحرّر وسيادة القرار لديها

حتى الأمس القريب، كانت المعادلة تميل لصالح الأحادية، وذلك على الرغم من كلّ تلك الصلابة التي يُظهرها الطرف الآخر في مقاومته للضغوط والاستنزاف التي تفرضه عليه أميركا وبعض روافعها الدولية والإقليمية

 وعليه، فما الذي يمكن أن يُحدثه ڤيروسٌ مجهري في ذاك الصراع؟ فهل فعلاً سيكون كفيلاً بإحداث تحوّلات كبرى داخلية وبينية وتوجهات جيوسياسية في العالم أجمع.

ماذا على الصعيد الداخلي؟

لقد ضرب هذا الكائن البيئة المجتمعية في كلا المعسكرين، فلم يسلم منه أحدٌ تقريباً، فكانت الشعوب الأميركية والبريطانية ومعها الغربية إضافة إلى الآسيوية ضحية له.. ولعلّ أوّل مقتلٍ أصابه هو ذاك الخيط الذي يربط الشعوب بأنظمتها الحاكمة، ليعرّي ذاك الكائن تلك الرابطة بين المواطن ودولته، الأمر الذي جعل هذا الأخير يتلمّس بنفسه موقعه ومكانته في ضمائر حكامه، فكان أمام نموذجين اثنين: نموذج تعامل معه على أنه «قطيع» يأتي في المرتبة الثانية بعد المصالح والاقتصاد، ونموذج تعامل معه على أنه جماعةٌ بشرية تسمو فوق كلّ شيء

غداً، وعندما يزول كورونا عن كاهل شعوب «القطيع» و «الجماعة البشرية» في آن، ستكون السلطة في المعسكرين في موضع المحاسبة والمكاشفة، فهل سيبقى من عوملوا كقطعانٍ قطعاناً عند حكامهم؟

الأشهر والسنوات المقبلة، وفي العديد من الإستحقاقات الداخلية، ستجعل من أولئك في انتفاضة حقيقية على تصنيفهم ذاكوالأيام كفيلة بصواب ما نذهب إليه من عدمه

ماذا عن العلاقات البينية في العالم؟

لن تكون ما أسميناه سابقاً بانتفاضة القطيع على حكامه، منفصلة عن تكوين السلطات، أو حتى توجهاتها السياسية المقبلة منفصلاً عن بعضها البعض مطلقاً، فها هو دونالد ترامبوبعد أن تعاطى مع كورونا في البداية بكلّ خفة واستهتار، يُظهر أنانيته وبكلّ فظاظة في محاولته مع حليفته المفترضة ألمانيا، بأن يسرق منها لقاحاً ضدّ كورونا، بغية احتكاره، وبدون أيّ اكتراث لحليفته في السياسة! وها هي بعض دول أوروباالمفروض بأنها من حلفائه أيضاًتطلب العون والمساعدة، فلا تجد صدى لطلبها لديه، إنما وجدته هناك في الشرق، ومن الصين تحديداً! بحيث يتراءى لهؤلاء الحلفاء في السياسة، وبشكل جلي صورة مفضوحة وجلية لـ «حليفهم الأميركي الأكبر» على حقيقته الواقعية، وكيفية تركهم كقطيع يفتك بهم ذئب كورونا الواحدة تلو الأخرى.. وما تصريح الرئيس الصربي إلاّ خير دليل إلى ما نذهب إليهفي حين أننا وجدنا في المقلب الآخر من الصورة، كيف تكافلت دول الجماعات البشرية بعضها مع بعض لمقاومة ذاك الذئب ومحاولاتهم المستمرة للقضاء عليه كجماعةٍ بشرية واحدة

غداً، وعندما يزول كورونا أيضاً، هل سنكون حقاً أمام مشهد انتفاضة سلطات القطيع، على من تركهم لمصيرهم لذاك الذئب؟ أم أنّ مشهد التحالف السياسي ذاك، سيكون بمنأى عن الندوب التي تركها ذئب كورونا على أجسادهم؟ الأيام كفيلةٌ بالإجابة.

ماذا عن النقطة الأهمّ، والتي تتمثل في أثر كورونا على سياسات وتوجهات دول وروافع وأطراف المعسكرين في العالم؟ فهل ستبقى تلك على حالها في زمن ما بعد كورونا؟ أم أنّ هذا الأخير سيُحدث تحوّلاتٍ واستراتيجياتٍ وعقائد مغايرة تماماً في العالم؟ فهل نحن فعلاًوبعد كلّ تلك الندوب التي أصابت اقتصادات العالم أجمع، والتي يجمع الخبراء على فداحتها، بصدد إجراء مراجعات حقيقية مفروضة على تلك الدول في سياق سعيها المرير للفوز في صراع القطبية ذاك، وذلك بعد أن فعل ذئب كورونا فعلته في مفاصل قوّتها.. فهل ستبقى «أميركا المقبلة» على صلافتها وعنجهيتها وتجبّرها في البقاء على استراتيجياتها وسياساتها السابقة لما قبل فتك كورونا ببنيانها؟ أم أنّ الواقعية ستفرض نفسها على توغلها وتوحّشها أيضاً في صراعها ذاك.. وهلفي المقابلالندوب التي أصابت المعسكر المقابل، ستجعله ينكفئ على ذاته للملمة جراحه، قبيل التفكير بالعودة إلى العمل على محاولة إقامة تعدّد الأقطاب مجدداً؟ أم أنه سيقتنص لحظة الضعف التي أصابت معسكر أميركا، لينسلّ من خلالها لتحقيق ما عجز عنه لوحده، ليعاونه بعدها ذئب كورونا على الولوج إلى أهدافه؟

الأيام والأشهر المقبلة كفيلةٌ بجلاء صورة التوجهات لدى المعسكرين أيضاً

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى