الوطن

الحكومة بين مطرقة «صفقة الفاخوريّ» وسندان صفقة «الكابيتال كونترول»…

} محمد هاني حميّة

فُجِع لبنان أمس، بالجزء الثاني من مسلسل تهريب «عميد العملاء» وجزار الخيام عامر الفاخوري على متن طائرة أميركية استعرضت في الأجواء اللبنانية غير آبهة بمشاعر اللبنانيين وسخطهم على القرار القضائي العار، كما لم تعبأ للسيادة والقوانين اللبنانية.

 بسحر ساحر صار الفاخوري حراً في الولايات المتحدة الأميركية. لم تأخذ عملية التهريب أكثر من 48 ساعة. كل شيء سار وفق الخطة الأميركية المرسومة والمحكمة والمحبكة مع المحكمة العسكرية وتواطؤ من «الدولة». فالأميركيون كانوا على علمٍ مسبق بقرار «العسكرية» فوصلت سيارات تابعة للسفارة الأميركية الى مستشفى سيدة لبنان حيث كان يركن الفاخوري قبل ساعات من صدور حكم المحكمة وتمّ نقله الى السفارة الأميركية.

حتى هذا الحد دارت التساؤلات والشكوك حول وجود «صفقة» أم لا، لكن ما حصل أمس حسم الأمر. إنها صفقة. لكن مع مَن وكيف؟ أسرار لا تزال طيّ الكتمان وسط صمت رسمي وحكومي مريب!

مصادر مطلعة أشارت لـ»البناء» الى أن «الولايات المتحدة استغلت الاتفاق الأميركي مع الدولة اللبنانية في عهد الرئيس اميل الجميل منذ تفجير قوات المارينز في بيروت الذي ينصّ على السماح للطائرات الأميركية سلوك الطريق الأمنية العسكرية التي يستخدمها الجيش اللبناني دون المرور في مطار بيروت، وعمدت الى انتهاك السيادة والقوانين اللبنانية وتهريب الفاخوري». وعلمت «البناء» أن «المبعوث الأميركي دايفيد هيل وأبان زيارته الاخيرة الى بيروت نقل تهديدات عالية السقف من إدارة بلاده للمسؤولين اللبنانيين بفرض عقوبات مالية شديدة على لائحة أسماء تضم 11 شخصية من سياسيين ورجال أعمال لبنانيين محسوبين على قوى سياسية معينة إذا لم يتم الإفراج عن الفاخوري قبيل نهاية شهر آذار الحالي».

ملابسات «الصفقة» شكلت فضيحة مدوية على المستوى الوطني والحكومي خصوصاً أنه لم يعرف حتى الآن الثمن الذي ناله لبنان جراء تقديم هذه «الهدية الثمينة» للرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً! وإذا كان لا بد من عقد صفقة كما حصل من صفقات بين المقاومة والعدو الإسرائيلي أو مع التنظيمات الإرهابية على قاعدة فكان الأجدى بالمسؤولين اللبنانيين عن الصفقة انتزاع مكاسب تمسّ المصلحة الوطنية كإطلاق أسرى ومعتقلين لبنانيين في أميركا او في الكيان الإسرائيلي او مكاسب تتصل بديون لبنان الخارجية او الحقوق النفطية او ضمانات سيادية تمنع «إسرائيل» من انتهاك السيادة اللبنانية.

وإذا كان بعض القضاء العسكري تذرع بالضغوط الأميركية على لبنان او على بعض قضاته ومسؤوليه فكان عليهم اختيار مخرج مشرف للدولة اللبنانية التي يصدرون أحكامهم باسمها وكسلطة قضائية مؤتمنة على سيادة وكرامة اللبنانيين وتترك المسار القضائي يأخذ مجراه وتجري محاكمة الفاخوري وسجنه بضع سنوات ثم منحه عفواً خاصاً مقابل مكاسب تصبّ في مصلحة الدولة العليا. صفقة كشفت ثغرات خطيرة في الجسم القضائي والأمني اللبناني. ووجبت معالجة تداعياته بسرعة كإقالة القضاة والقادة الأمنيين المسؤولين عن هذا الخرق الفاضح ومحاكمتهم بجرم إساءة استخدام الصلاحيات والتفريط بسيادة لبنان وتعريض سلمه الأهلي للخطر، بحسب ما قالت مصادر نيابية لـ»البناء».

أما الأخطر في الأمر يكمن في التحدي الاميركي للدولة ومن خلفها لحزب الله والمقاومة ونجاعة أسلوب التهديد الاميركي في فرض الارادة على الحكومات وتعميمه على ملفات سيادية اخرى، فما الذي يمنع واشنطن من إجبار لبنان على الانخراط في برنامج صندوق النقد الدولي للدعم المالي ودفعه للتنازل عن حقوقه في الحدود البحرية والنفطية والبرية، وصولاً ربما الى المسّ بسلاح المقاومة وموقع لبنان في المنطقة وفرض «صفقة القرن»؟

يبدو أن مفاعيل الصفقة السياسية والشعبية والقضائية ستبدأ بالظهور خلال الأيام القليلة المقبلة، فمع اطلالة السيد حسن نصرالله اليوم، عبّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن امتعاضه الشديد لما حصل واعتبرها مفاجأة من العيار الثقيل، وهو لم يكن على علم بكل ما تم تدبيره في ليلة ظلماء، بحسب ما نقل زواره عنه لـ»البناء»، وأشار بري بحسب الزوار الى أن «الأمر كان بيد القضاء ولم يتدخل هو في الأمر». ودعا الرئيس بري الحكومة لاتخاذ موقف ضد انتهاك السيادة والقوانين ودعا الأجهزة الأمنية والقضائية الى إجراء تحقيق في حيثيات وظروف اتخاذ القرار القضائي بإخلاء سبيل الفاخوري وفي ملابسات تهريبه الى السفارة الاميركية ومن ثم الى الولايات المتحدة الأميركية.

الحكومة التي تخوض مواجهة مع أزمة وباء كورونا، تجد نفسها اليوم عالقة بين مطرقة «صفقة الفاخوري» وسندان مشروع قانون «الكابيتال كونترول» الذي حضر على طاولة مجلس الوزراء امس في بعبدا. فعلى الحكومة أن تختار إما أن تكون حكومة المواطن أو حكومة ممثلي المصارف.

فمبدأ قانون «الكابيتال كونترول» بحد ذاته مخالف لشرعة حقوق المواطن وتشريع قانوني للقيود المصرفية ولسرقة أموال المودعين ومجرد النقاش به وفقاً للنسخة المعروضة يثير الشكوك.

والسؤال المطروح: ماذا فعلت الحكومة أمام فضيحة تحويل الاموال الى الخارج؟ لا سيما أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحسب المعلومات سلم الحكومة لائحة بـ 23 شخصية سياسية ومصرفية قاموا بتهريب أموالهم في الفترة الممتدة بين 15- 7 2015 حتى كانون الثاني الماضي تقدر بـ 7 ونصف مليار دولار، فكيف تتجرأ الحكومة على البحث بقانون «الكابيتال كونترول» يُشرعن القيود المصرفية ويقيد سحوبات الودائع في الداخل والتحويل الى الخارج ولا يصدر قانون باستعادة الأموال المهربة؟ فقبل إقرار قانون استعادة الاموال لا يمكن إقناع المواطنين والمودعين خصوصاً بقانون القيود المصرفية، فالذين وثقوا بالدولة ونظامها المصرفي يشعرون أنهم يفقدون ودائعهم ومن لم يثق بالدولة يُحمى ويغتني، فيما قرار المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم و»صفقة» تجميده بقرار مدعي عام التمييز غسان عويدات لا تختلف كثيراً عن «صفقة الفاخوري»، فأيّ تسوية على القيود المصرفيّة ستأتي على شكل صفقة بين الحكومة والمصارف ولمصلحة «لوبي المصارف» على حساب المودعين. فكما تم تشريع تهريب الفاخوري، يُشرّع اليوم تهريب المصارف أموالها الى الخارج والحجر الإضافي على ودائع اللبنانيين في الداخل، فهل تُنقذ الحكومة نفسها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى