اقتصاد

السعوديّة بين تدابير تقشفيّة وإفلاس مُحدِق

تقرير إخباري

بعد أيّام قليلة من تشديد إجراءاتها التقشفية لمواجهة الانخفاض الحادّ في أسعار النفط والمأزق المالي الكبير الذي وقعت فيه إثر خوضها حرباً نفطية مع روسيا، أدت الى هبوط الاسعار، قرّرت السعودية خفض الإنفاق في ميزانيتها للعام 2020 بما يقارب 50 مليار ريال، في ظل تهاوي أسعار النفط الخام وتفشي كورونا.

وأعلنت الحكومة السعودية، خفض ميزانيتها بنحو 50 مليار ريال، (13.2 مليار دولار) بعد الهبوط الحاد وغير المسبوق الذي شهدته أسعار النفط.

وقال وزير المالية المكلف محمد الجدعان (يشغل منصب وزير الاقتصاد أيضاً)، إن «هذا القرار يأتي لمواجهة هبوط أسعار النفط، وتأثير فيروس كورونا المستجدّ على الاقتصاد العالمي».

وأضاف الجدعان في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية «واس»، أن «هذا القرار ستتبعه إجراءات أخرى، تأتي في إطار اتخاذ التدابير والإجراءات في مواجهة الصدمات الطارئة بمستوى عالٍ من الكفاءة»، حسب تعبيره.

وتستعدّ المملكة لمرحلة صعبة على الصعيد الاقتصادي، بعدما علّقت أداء العمرة وأغلقت المراكز التجارية وأوقفت رحلات جوية في محاولة لمنع تفشي فيروس كورونا في مناطقها.

وكانت السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، قلّصت نفقاتها المتوقعة للعام 2020 مقارنة بسنة 2019.

وفي العام 2019، بلغت النفقات الفعلية 1048 مليار ريال، أي 279,4 مليار دولار، بينما وصل العجز إلى 131 مليار ريال، أي 35 مليار دولار، بحسب أرقام وزارة المالية.

وفي ظل الأزمة التي تسبب بها فيروس كورونا من تعليق لحركة الملاحة البحرية وإغلاق في المنافذ البحرية والجوية، وصل سعر خام برنت إلى ما دون 25 دولارا، في انخفاض هو الأكبر منذ نحو 18 عاما.

وتأثرت السعودية بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، بعد رفض موسكو طلبها بتخفيض إنتاج النفط، للمحافظة على سعره.

وتشهد السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، عجزاً في موازناتها منذ خمس سنوات حين هبطت أسعار النفط بشكل كبير. وبين 2014 و2019، وصل مجموع العجز في الموازنات إلى نحو 385 مليار دولار.

ومن المتوقع حدوث خسائر فادحة بعدما أغلقت السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، دور السينما والمراكز التجارية والمطاعم، وعلّقت رحلات طيران وأداء مناسك العمرة، ومنعت الخروج والدخول من منطقة القطيف (شرق) التي يسكنها حوالي نصف مليون نسمة في محاولة لاحتواء الفيروس.

وبحسب مؤسسة «أنيرجي انتليجنس غروب» للأبحاث، «تستعدّ السعودية للتعامل مع أسعار نفط منخفضة جداً، ما بين 12 و20 دولارا للبرميل».

وتراجعت عقود النفط الآجلة، أول أمس، لأدنى مستوى منذ 18 عاماً، إلى متوسّط 25 دولاراً بالنسبة إلى خام برنت، مدفوعة بازدياد وتيرة المخاطر العالمية نتيجة تفشي فيروس كورونا.

وكانت السعودية طلبت من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بما لا يقل عن 20% في خطوات تقشف جديدة لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط، ونفذت وزارة الخارجيّة بالفعل خفضاً بنسبة 20%.

ويقول الخبراء إنه «قد يتبع خطوة تخفيض النفقات، من بين خطوات أخرى، بما في ذلك تأجيل المشاريع وإلغاء العقود التي لم يتم منحها بعد، وزيادة الأسعار وخاصة الوقود ورفع الضرائب والرسوم الحكوميّة وخاصة على العمالة العربيّة والأجنبيّة».

لكن في ظل هبوط أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس للسعودية، فإن عجز الموازنة السعودية، التي تعتمد على عائدات الخام سيزيد، إذ إن نقطة التعادل المالي في الميزانية (سعر النفط الذي يحقق ميزانية بلا عجز) يجب أن تكون عند مستوى 80 دولاراً للبرميل، في حين يبلغ سعر برميل مزيج برنت حالياً 25 دولاراً.

وتعتمد السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، اعتماداً كبيراً على إيرادات الخام. وأكد صندوق النقد الدولي أن الرياض تحتاج لسعر 80 دولاراً للبرميل لضبط ميزانية 2020.

في سياق متصل، ومع تصاعد حرب النفط بين الرياض وموسكو، حذر موقع «أويل برايس» الأميركي من العواقب الوخيمة التي ستطال السعودية في حال استمرار حرب أسعار النفط ستؤدي بها في النهاية الى الإفلاس وفي ظل ما تعانيه الموازنة من عجز كبير وتعرض الاقتصاد السعودي لهزات متتالية بسبب السياسة الخاطئة التي ينتهجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وأشار إلى أن «السعودية نفسها انتقلت من فائض في الميزانية إلى عجز قياسي مرتفع في عام 2015 بلغ 98 مليار دولار، كما أنفقت ما لا يقل عن 250 مليار دولار أميركي من احتياطاتها من العملات الأجنبية خلال تلك الفترة».

ولفت إلى أنه «حتى قبل شن حرب أسعار النفط الجديدة هذه، كانت السعودية تواجه عجزاً كبيراً في الميزانية كل عام، وربما حتى عام 2028، وذلك حسب معظم التوقعات».

وقال «إذا استمرت السعودية في الإفراط في الإنتاج لتخفيض أسعار النفط كما تفعل الآنمرة أخرىفإنها معرّضة إلى الإفلاس في غضون ثلاثة إلى أربعة أعوام».

ووفق تقرير «أويل برايس»، فإن «هذا يأتي في وقت يواجه فيه الحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد محمد بن سلمان أخطر أزمة، وهو ما جرى تأكيده قبل بضعة أيام حين وردت تقارير تفيد بأن محمد بن سلمان أمر باعتقال خصومه البارزين، بما في ذلك الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، والأمير محمد بن نايف، وهو ابن شقيق الملك وولي العهد السابق».

في حين تشير تقارير عديدة إلى أن «الوضع الصحي للملك الحالي سلمان بن عبد العزيز (84 عاماً) متدهور، الأمر الذي دفع الكثير من أفراد الأسرة المالكة للسعي وراء الخلافة، خاصة أن محمد بن سلمان لم يكن دوماً الخليفة الطبيعي للملك الحالي».

وسيشكل الانخفاض الحاد وغير المسبوق في أسعار النفط أزمة حقيقية لميزانية السعودية التي تعتمد على النفط في الإيرادات العامة، وخاصة تلك التي تعاني من أزمات مالية وعجز في الميزانية. ويتوقع الخبراء أن «تتكبّد السعودية خسائر كبيرة تتجاوز مئة مليار دولار سنوياً إذا استمر تهاوي أسعار النفط»، وهو السيناريو الذي أكدته البنوك الاستثمارية العالمية الكبرى قبل أيام عدة عندما توقعت انخفاض أسعار النفط إلى مستوى 20 دولاراً للبرميل خلال العام الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى