نقاط على الحروف

للسيد كل التحيّة والاحترام… وله النقاط على الحروف

ناصر قنديل

حجم الشعور بالجرح في حضور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كقائد للمقاومة، كان واضحاً، والجرح مركّب، أوله أن يضطر قائد المقاومة للخروج شارحاً منعاً للاتهام بأن المقاومة شاركت في صفقة سريّة أدت للإفراج عن العميل عامر الفاخوري بينما هو المصاب بالجرح في أصل القضية، قضية الإفراج عن العميل الفاخوري ثم تهريبه بانتهاك لسيادة الدولة التي دفعت المقاومة أثماناً عالية لحفظها، وثاني الجروح أن يتمكّن الأميركي بالضغط والتهويل من كسر إرادة وطنيّة كان يتوقعها في الجسم القضائي، رغم تقديره لعناوين الصمود والقوة في عدد من مفاصل القضاء والإدارات الأمنية التي تمرّدت ولم تخضع أمام هول الضغوط والتهديدات، والجروح التي تحدّث عنها السيد نصرالله في العلاقة مع حلفاء وأصدقاء شاركوا في التشكيك أو تمادوا في لغة التخاطب بعيداً عن أصول وموجبات الصداقة والأخوة، ربما تكون أشدّ إيلاماً، لكن الجروح التي لم يتحدّث عنها السيد وهي تؤلمه كما تؤلمنا وتؤلم كل لبناني يؤمن بكرامة وطنه وسيادته، مصدرها أن الوجهة الوحيدة للتداول في ملف الفاخوري وتخليته وتهريبه كان التساؤل عن الصفقة والإيحاء بها، بينما التنديد بالإثنين محصور في جمهور المقاومة وبيئتها، وحتى تاريخه لم يبادر أحد من الذين يزايدون على المقاومة، ويشككون بصدقيتها، إلى قول كلمة أو طلب توضيح، فلا بيان إدانة ولا تصريحاً يطلب التوضيح من الجهات المسؤولة في الدولة، وفي الدولة نفسها صمت رهيب، كي لا نقول صمتاً مريباً، كأن الأمر يجري على كوكب آخر.

تخطّى السيد الجروح، ووضع النقاط على الحروف، فحدّد ضوابط الصداقة والأخوة ورسم خطاً أحمر حولها، حيث لا قبول بتشكيك ولا بلغة تتخطى لياقات التخاطب، لكنه فتح باباً للتفكر والنقاش، في تناوله للفرضيات التي استسهل الكثيرون دعوة المقاومة لسلوكها، وأحياناً كثيرة من باب الإحراج للقول إن لم تكونوا جزءاً من الصفقة فلمَ لم تفعلوا، وهنا فتح هؤلاء الباب لأنواع من الفعل المفترض قام السيد بتشريح بعضه، والتساؤل عما إذا كان يتناسب مع الموقف ويناسب مصلحة المقاومة ومصلحة البلد ومصلحة القضية نفسها، وفي الشأنين المتصلين بالجروح وبوضع النقاط على الحروف، كان السيد مقنعاً كعادته وصادقاً كعادته ومتواضعاً كعادته ومترفّعاً كعادته، لكنه ترك أسىً وألماً غير عاديين لدى كل من يؤمن بالمقاومة ويرى قائدها فوق النقاش ويدرك حجم الأعباء التي يتحمّلها وتتحمّلها المقاومة، ويؤلمه أن يكرّس السيد إطلالة لشرح وجرح. فالمقاومة وقائدها أعلى مقاماً من أن يقيم لهما أحد امتحاناً، فهما مَن يملكان حق امتحان الآخرين، وسؤالهم. فللخصوم والشامتين والمشككين السؤال: أين وطنيتكم وروحكم السياديّة وكيف تترجمونها؟ والمقاومة قد أجابت منذ زمن بعيد عن هذه الأسئلة بدماء شهدائها، فهل خرجتم تستنكرون جريمة الإفراج عن العميل ببيان وتنديد وإدانة، وتدافعون عن السيادة المنتهكة، وتتساءلون عن المعبر غير الشرعي المستعمَل للتهريب؟ وللأصدقاء السؤال: إذا كنتم لا تزالون تثقون بالمقاومة فلمَ لم تدافعوا عنها؟ وإذا فقدتم ثقتكم بها كحامٍ للسيادة وترون أنها فعلت ما لم يكن عليها فعله أو أنه كان عليها فعل ما لم تفعله، فما هي خطتكم وخطواتكم، ولماذا تصبّون غضبَكم على المقاومة وتشاركون بالحملة عليها، بينما المسألة معلّقة ولا تزال على الطاولة، فهاتوا بدائلكم؟ يكفي المقاومة أن تتحمّل عمراً من الغير وتتقبل مخاطبتها بلغة الادعاء والتعالي والأستذة وادعاء وضع الخطط لها، وكأنها صارت بهذه المنزلة العالية والمكانة الرفيعة بالصدفة، وليس لأنها أقدمت حيث تراجع أو عجز الآخرون، ومنهم الأصدقاء؟

فتح السيد نصرالله باباً سيختبر الآخرين، ويكشف الكثير من النيات، ويشكل امتحاناً للجميع، فقد دعا لتشكيل لجنة تحقيق، قضائيّة أو برلمانيّة، لكشف المستور، في كل خفايا قضية انتهت بفرار وتهريب عميل مطلوب للعدالة، بخطوة قضائيّة تمثلت بإخلائه وتلاها انتهاك أميركيّ للسيادة، والجمع بين التحقيق في الملفين وترابطهما سيستدعي بالتأكيد أولوية لجنة التحقيق البرلمانية، دون حجب حق وواجب القضاء في تحقيق خاص بما يعنيه، ولتسهيل الأمر ربما تكون لجنة الإدارة والعدل النيابية صالحة للتحوّل إلى لجنة تحقيق برلمانية في جلسة سريعة، ولتستمع للقضاة والرؤساء والوزراء والمسؤولين العسكريين والأمنيين، ولكن هل يقبل أعضاؤها المهمة، تحت عنوان أنها قضية فرار عميل وتهريبه؟ للتذكير لجنة الإدارة والعدل تضم كل الألوان والتشكيلات اللبنانية، ويرأسها نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان وها هم أعضاؤها المقرِّر النائب إبراهيم الموسوي والنواب: إبراهيم عازار، بوليت يعقوبيان، بلال عبدالله، جورج عطالله، جورج عقيص، سمير الجسر، علي خريس، غازي زعيتر، نديم الجميل، هاني قبيسي، هادي حبيش، شامل روكز، علي حسن خليل، علي عمار، حكمت ديب، وجميل السيد.

كي نعرف أكثر ونختبر النيات ونتعرّف إلى مكانة السيادة في الحسابات السياسية، وربما نعرف حقيقة ما جرى، نحتاج للدفع بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وربما بقبول أن تتشكل من لجنة الإدارة والعدل النيابية باعتبارها لجنة الشؤون القانونية والعدلية، فعسى مقبل الأيام يكشف لنا ما يشفي الغليل.

للسيد كل الحب والتقدير والاحترام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى