أخيرة

تيريز هلسا…
روحها باقية في فضاء المقاومة

ضرغام الخيطان هلسا

بمراسم استثنائية تودّع اليوم الأردن وفلسطين وكلّ بلاد الشام وأحرار الأمة مناضلة عربية استثنائية هي تيريز هلسا التي اخترقت جدار التقاليد البالية والتي جعلت من النضال والفداء والتضحية والرجولة في الموقف فعلاً ذكورياً لأنّ الثقافة الشعبية عزلت المرأة عن حقها في الدفاع عن الوطن والتضحية لأجله ولخصت دورها بالجلوس في خدرها وماكينة إنجاب للنسل. وأقصى فعل كان يمكن أن تقوم به هو المواساة والتمريض وقلة منهن مَن نبغن في ميدان الأدب والشعر.

وقد تخلد في تاريخنا العربي ومع بروز ظاهرة حركة التحرر الوطني وبرز اسم المناضلة العربية الجزائرية جميلة بو حيرد كمقاتلة من أجل تحرير وطنها الجزائر من الاستعمار الفرنسي فشكلت نموذجاً يُحتذى به للنساء العربيات وبالأخصّ منهن نساء بلاد الشام في فلسطين ولبنان وسورية والأردن بعد أن قضمت الصهيونية العالمية وبدعم من القوى الاستعمارية أرض فلسطين من حضنها السوري الطبيعي وأقامت دولة معادية للأمة شرّدت الأهل وسلبت الأرض.

وبعد أن عجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة تحديات هذه المؤامرة الاستعمارية الاستيطانية انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بعمقها الشعبي العربي، فكانت المناضلة الاستثنائية تيريز اسحق هلسا من الرائدات الأوائل في التصدي للعدو الصهيوني وحملت السلاح في أصعب الظروف التي تحيط بها.

فهي في الأصل ابنة رجل أردني متعلّم غادر قريته حمود الكرك في جنوب الأردن للعمل في الساحل الفلسطيني، وكانت هذه عادة المثقفين من أبناء الجنوب السوري عندما يفكرون ببناء مستقبلهم يرحلون إلى هناك حيث تتوفر سبل العمل المناسب لهم، وكان ذلك قبل سقوط جزء من أرض فلسطين في أيدي الصهاينة الغزاة وحلفائهم من عرب وعجم.

فكانت إقامة والدها في عكا بجوار قلعتها التي لا تهاب البحر كما قلعة مدينته التي ربضت على حافة صحراء بادية الشام لتصنع تاريخاً مقاوماً لكلّ المستعمرين فتخلّدت في ذاكرتنا مصدر عز وانتماء نفتخر به.

هناك تزوّج والدها من أسرة عكاوية فكانت والدتها نادية حنا مصدر فخر لها فترعرعت فقيدتنا التي انطفأت شعلة الحياة فيها في أجواء أسرة مستقرة شكلت لها بالعمق بيئة عربية شامية الهوى.

وكانت مثلها مثل أبناء شعبنا الفلسطيني تستند قوتها المعنوية من خطابات الرئيس جمال عبد الناصر والذي أعاد للأمة العربية حضورها وأحيا في نفوس أبنائها روح المقاومة.

وعندما انتشرت ظاهرة الثورة الفلسطينية وخاصة بعد الانتصار التاريخي في معركة الكرامة والتي خاضتها المقاومة الفلسطينية بدعم وإسناد وثيق من الجيش الأردني في عام 1968 واكتشاف معادلةالجيش والشعب والمقاومةكعامل ردع وإرادة وانتصار، حيث أصبحت المقاومة نهجاً لغالبية أبناء الشعب العربي وثقافة شعبية، وإنّ تحرير فلسطين لا يمكن أن يتمّ إلا بالمقاومة والحرب الشعبية، وأصبح الشعار الذي أطلقه الرئيس جمال عبد الناصرما أخذ بالقوة لا يستردّ الا بالقوةعنواناً للمرحلة.

ومن داخل الوطن المحتلّ انطلقت المناضلة تيريز ذات السبعة عشر ربيعاً سيراً على الأقدام لتخترق الحدود المسيّجة بالعسكر والألغام بروح بطولية لتلتحق في صفوف الثورة الفلسطينية لكون ثقل الثورة كان في لبنان بعد خروجها من الأردن بعد حرب أيلول الأسود في عام 1970.

هناك تدرّبت تيريز على استخدام السلاح وتمّ شحن معنوياتها بإرادة المقاومة والتضحية، وعندما حانت الساعة الصفر لتقوم بدورها قامت بالتشارك مع ثلاثة مقاتلين باختطاف طائرة صهيونيّة على متنها 120 صهيونياً الى مطار اللدّ وكان هدف العملية لفت أنظار العالم ورأيه العام للقضية الفلسطينية والمطلب الثاني والذي لا يقلّ أهمية عن الأول هو إطلاق سراح الأسرى العرب والفلسطينيين من سجون العدو الصهيوني، فكانت المعركة على أرض فلسطين وفي مطار اللدّ وقبل ان تقع جريحة في المعركة استطاعت أن تطلق الرصاص على المجنّد الصهيوني بنيامين نتن ياهو فأصابته بجرح في كتفه ولا زال يذكر هذا النتن بأنّ المقاومة ستبقى تطارده وترعبه حتى في منامه.

وقد تمّ أسر تيريز وتعرّضت لشتى أساليب التعذيب وحُكمت بالمؤبّد وبعد انقضاء مدة اثني عشر عاماً في الأسر خرجت في عملية للمقاومة كانت حصيلتها إطلاق سراح مئات الأسرى وكانت بينهم المناضلة تيريز هلسا، وبعد نيلها الحرية في عام 1983 عادت للوطن الأول ومسقط رأس الوالد، عادت الى الأردن وتزوّجت من ابن عمها المهندس التقدّمي المرحوم حلمي هلسا وأنجبت ولدين وفتاة سلمان واسحق ونادية، وهم الآن من نشطاء الحركة الوطنية الأردنية.

نعم حملت تيريز راية المقاومة وآمنت بنهجها واستمرت بذلك حتى ساعة رحيلها بالمرض العضال، والذي لم يمهلها طويلاً

نعم رحلت تيريز ولكن روحها المقاومة لا زالت تحلق في فضاء قوى المقاومة تقدّم العبرة وتؤكد على صوابية خيارها، حيث كانت تقول لم أندم يوماً على ما قمت به من فعل، ولسوف أبقى قابضة على جمر القضية ومبادئ الحرية حتى يعود الحق لأصحابه الشرعيين.

فلروح سنديانتا تيريز هلسا السلام والخلود لذكراها وذكرى شهداء المقاومة على امتداد ساحات هذا الوطن الكبير.

رفيقتي وابنة عمي تيريز

 ترحلين اليوم ولن يكون لك وداع يليق بك نتيجة لانتشار الجائحة الوبائية المسماةكورونا، حيث سيقتصر وداعك على خمسة أشخاص فقط، ولكن جماهير الشعب في الأردن وفلسطين يتطلعون لانتهاء هذه الأزمة العالمية في مواجهة الوباء لتجديد العهد لك ولنهجك وأننا مستمرون به حتى تحرير الأرض والإنسان.

المجد كلّ المجد للشهداء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى