ثقافة وفنون

رئيسة تحرير أخبار إذاعة دمشق زهر يوسف لـ«البناء»: سورية لا تلزمها إعادة إعمار الحجر فقط بل أيضاً إعادة إعمار نفسيّّ وفكريّ في الصميم

الإذاعـة لـم يأفـل نجمهـا رغـم الحضـور القـويّ للتكنولوجيـا المتطـورة أحيانـاً تبـدو برامجنـا الجامعيّـة وكـأن أجيالنـا حقـل تجـارب للشباب السوريّ: اقتدوا بالذهب لا يشعّ بريقه إن لم يُصهَر. غامـروا. جـازفوا. لا مسـتحيل. آمنـوا بقدراتـكم!

الإعلام أبعد من مهنة وحرفة، إنه حربٌ وسلطة مقاتلة على تخوم الأمة كي تصمد وتنتصر وتحارب على ثغور التاريخ كي لا يُنسى وتستطلع بمواكب العقول والأدمغة آفاق المستقبل الذي يمكننا عجنه، متى وثقنا أن في النفس السورية كل علم وفن وفلسفة في العالم، كما قال مؤسس النهضة أنطون سعاده.

فكيف حين تكون الحرب سجالاً بين نار ونار، بين فكر وفكر، بين استراتيجية واستراتيجية، بين خطة كونيّة عدوانية وخطة نظاميّة معاكسة، بين دعاية إمبراطوريّة المقدرات والتمويل وإعلام وطني سوريّ حافل بمئات الجنود المجهولين المعروفينالمجهولات المعروفات لكنه يثق بانتمائه وبحقه وبهويته وبوعيه القومي ومستعدّ للتضحية.

رئيسة تحرير في إذاعة دمشق، ومقدّمة برامج في الفضائيّة السوريّة، الصحافيّة زهـر يوسف تتحدّث لـ»البناء» عن هذه الحرب الوطنية المقدسة ورسالة الإعلام ودوره والتجربة الأكاديمية والبرامج الجامعية وواقع المرأة السورية ودورها وتختم برسالة للشباب السوري.

} حوار وإعداد فاطمة حمود

استهلت الصحافية يوسف الحوار بقولها «إن أتيح لي أعرّف نفسي فأنا سوريّة صرفة، بمعنى أدق، أؤمن بسورية الطبيعية (سورية، لبنان، فلسطين المحتلة، والأردن..) هذا في العموم، إذا ما ضيّقنا المساحة، فأنا أشعر أنني بنتُ كل محافظة سورية. وفي تضييق المساحة أكثر فأكثر، فأنا من محافظة طرطوس الساحليّة، ولدتُ في الشام وكبرتُ فيها وما زلت حتى الآن، لا اعترف مطلقاً بالحدود وعابرة للأديان والطوائف”.

وإذ رأت حول خيارها الإعلام والصحافة عملاً وميدانَ عطاء بقولها «اخترت الصحافة، كمنطلق لمستقبل آت، بعدما غيّر مشهد درامي يجسد العمل الصحافي، الهدف كلياً من الأدب الإنكليزيّ إلى الصحافة، وقلت  لنفسي إلى الصحافة يا زهـر. وكان ذلك، تماماً.. بدأت كمحرّرة في إذاعة دمشق، المكان الأحبّ إليّ، الذي علّمني الكثير، وله فضل عليّ، وتدرّجت في العمل إلى معدّة برامج والآن رئيس تحرير، وكذلك إلى جانب العمل الإذاعيّ، أنا مذيعة في التلفزيون السوري الذي أيضاً لا أنكر فضله»؛ أكدت أنها لم تندم على اختيارها هذا: «لم أندم أبداً، أتذكّر عندما قالوا لي إن الصحافة مهنة المتاعب، أجبت: إني أحببتها لأنها كذلك، فلا لذة في الاستسهال والأمور التي تقدم على أطباق من فضة وذهب، فلا بريق لها. وإذا ساعة الزمن عادت إلى الوراء وجلست على مقاعد الدراسة، فسأختار الصحافة ثانية وثالثة ورابعة».

المهارة الإذاعيّة بتحويل الأذن إلى عين

وتحدثت الصحافية زهر يوسف عن واقع البرامج الجامعية ومساس الحاجة إلى التطوير والمزيد من العملانية والمران فأوضحت «أظنّ أن القائمين عل الواقع الجامعي «يحاولون» التطوير والتحسين قدر الإمكان. الوضع الآن اختلف بعض الشيء عن السابق، لناحية الإمكانات، لكنه يبقى ليس بالمستوى المطلوب حتى الآن، ويتمّ العمل في أحيان ليست بقليلة في الجامعات «كحقل تجارب» إن في الكتب أو في المنهجية الدراسية. بمحبة أقول التركيز على الجانب العملي أكثر منه نظري، فطبيعة العمل الصحافي تتطلب الموهبة والطموح ورفدهما بالعلم والاطلاع المستمر، لذا أنصح كل من يود العمل في المجال الإعلامي أن يبدأ بالصحافة المكتوبة أو العمل التلفزيوني والإذاعي الميداني منذ السنة الأولى لدراسته الجامعيّة إذا أمكن، لأن خبرة العمل أثناء الدراسة ستوفر عليه أشواطاً بعد التخرج».

وروت رئيسة تحرير الأخبار في إذاعة دمشق عن تجربتها العمليّة في صحف عدة ومن ثم دخولها إلى العمل الإذاعي، متابعة: بعد التخرّج الجامعي، فتحت لي أبواب صحف خاصة، أتذكّر وقتها، عملت دون راتب لفترة 6 أشهر، إلى أن عملت في إذاعة دمشق حتى هذه الدقائق. المهارة في العمل الإذاعيّ، تحويل الأذن إلى عين، هذا علم بحد ذاته. أعتقد أن للإذاعة مكانة محفوظة على الساحة الإعلامية ولها محبوها وجمهورها، ونجمها لم يأفل بعد على الرغم من الحضور القوي للتكنولوجيا المتطورة، إذ تقتضي المنافسة وجود الإذاعة لإيصال المعلومة وتحقيق سبق صحافي، وهنا تكمن الخطورة برأيي فقد تقع هذه الوسيلة أو تلك في شرّ أعمالها فقد تكون المعلومة غير دقيقة وقد يكون مفعولها كبيراً.

الشباب السوري دفع الفاتورة الأغلى في هذه الحرب

وعن قسوة الثمن الذي دفعته سورية بإعلامييها وأهلها وشبابها خلال الحرب عليها، تنهّدت الآنسة يوسف عميقاً وراعت تغيّر نبرة الصوت في حنجرتها الذهبية، وأكدت أن تسع سنوات فعلاً أشبه بامتحان صعب. وللأسف، الشباب السوري هم من دفع الفاتورة الأغلى. هذه الحرب «اللعينة» أخذت زهرة الشباب، مَن هاجر، مَن استشهد، مَن فُقِد، مَن أصيب ومَن اختار الاصطفاف لأقسى اليمين ولأقصى اليسار، السبّحة تطول.. هؤلاء مَن كان يعوَّل عليهم لبناء الوطن الذي بالحقيقة خطا خطوات فعلية حقيقية وواقعية نحو التقدم قبل هذا «الربيع الدامي». شيء مفرح ومحزن في آن أن تقرأ أو تسمع أو تشاهد إنجازات الشباب السوري في المغترب وكيف لتلك الدول أن تستفيد من نجاحهم في وقت الوطن بحاجة لهم، وهنا لا أغفل نقطة أن الشباب السوري كان بحاجة إلى الدعم والتشجيع والاحتواء وإلى تبني الرؤى في وطنه لا أن يتمّ الاكتفاء بكلمة «برافو» ووضع الأبحاث في إدراج تأكلها الغبار..

وعن حرب الإعلام الوطني السوري المحدود الإمكانات في مواجهة إمبراطوريات البروغاندا شدّدت على أن التحديات كانت كبرى ولم تكن سهلة خلال الحرب الإرهابية فـ»قاومها» الإعلام السوريّ الوطنيّ بكل أنواعه المرئيّ والمسموع والمكتوب والالكترونيّ، لا سيما أن الخصم حاقد، ووظف المال والماكينات الإعلاميّة المتطورة في خدمة إرهاب مقيت، وسعى بكل الطرق لإخضاع سورية وما زال، بالمقابل الإعلام الوطني السوري لم يستكِن، اتخذ «بإمكاناته» قرار المواجهة، لإيصال الصورة الأقرب إلى الحقيقة. وللإنصاف، لا يمكن مقارنة الإعلام الوطنيّ السوري الرسمي بفضائيات عربية وعالمية توصف بـ «الإمبراطوريات» ومع ذلك الإعلام السوري يعمل ويطوّر لكن يلزمه المزيد أكثر، لكن عندما تأخذ محطات ساهمت بتسعير الحرب على سورية أخبارها وعواجلها من التلفزيون السوري أو من وكالة الأنباء سانا، فهذه نقطة تحسب للإعلام السوري الوطني، الذي نطالبه بمحبة بمزيد من الخطوات والإمكانات، فالإعلام يحتاج إلى مال ولغة إعلامية جاذبة، وتعزيز الثقة مع المواطن.

لم يعُد في القانون ما كان يُسمّى جرائم شرف

وتحدثت عن دينامية الحركة النسوية السورية التي قامت بها المرأة السورية، لافتة إلى أنها موجودة بقوة في غير محفل داخل سورية وخارجها، وفي ميادين متنوّعة. وقالت: إنا أتحدّث عن المرأة السورية في ظل الحرب الإرهابية، فقد دخلت معترك سوق العمل، وكثير من هذه الأعمال تحتاج إلى مجهود عضلي وجسدي كبير. ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﺳﺘﻄﻌﻦ ﺗﺤﺪﻱ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ، ﻭأثبتن ﻗﺪﺭاتهن ﻭﺃﺩﻫﺸن ﻣَﻦ ﺣﻮﻟﻬن ﺑﻘﻮﺓ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬن ﻭﺛﺒﺎتهن. وقبل أيام، القانون السوري انتصر للمرأة عبر إلغاء قانون «جرائم الشرف» بمرسوم رئاسيّ، وأتمنى وأطالب القانون بأن يناصر المرأة بقانون الأحوال المدنية، الزواج كالزواج المدني مثلا  ومنح الجنسية لأطفالها، وبالرغم من كل ذلك، تبقى «الذكوريّة» الشرقيّة هي المتسيّدة والمسيطرة. فلا يعقل مثلا أن ترى امرأة بمنصب نائب رئيس جمهوريةهذا تقدّم بالتأكيدوفي الوقت نفسه نسمع أو نشاهد امرأة أو فتاة تعنف بقسوة. للأسف هذا موجود بنسب معقولة، هذا أمر محزن.. نحن بحاجة إلى إعادة إعمار فكري ونفسي في الصميم.

..ورسالة إلى الشباب

وتختم رئيسة تحرير الأخبار في إذاعة دمشق زهر يوسف برسالة إلى الشباب السوري: من شابة سورية مفعمة بحب الحياة على صعوبة اختباراتها، أتوجّه بمحبة وودّ لكل شاب وشابة أن يضعوا خططاً لأحلامهم وأن يسعوا بكل قوة وتصميم لتحقيقها، الحياة طرقها ليست مفروشة بالورود، تحدّوا، واجهوا، لا تيأسوا، لا تحبطوا، خذوا درساً هيّناً من الذهب.. يُصهر حتى يشعّ بريقه.. هكذا أنتم.. غامروا، جازفوا، لا مانع من الفشل ففيه تجربة، لا تنظروا إلى الخلف، لا تندموا على لحظات ومواقف مرّت، طوّعوا المرارة لتكون درساً مفيد.. أنا أثق بكم وأنتم ثقوا بقدراتكم.. أيها الشباب السوري والعربي تستطيعون أن تفعلوا المستحيل، في هذا الكوكب لا شيء مستحيل. صدّقوني آمنوا بقدراتكم..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى