الوطن

الحكومة قرّرت إجلاء المغتربين على طبق من «قريدس» و«أفوكادو» «الدولار» ورقة سلامة والمصارف في معركة تعيينات «الحاكميّة»

} محمد حميّة

تمكّن مجلس الوزراء من تجاوز قطوع «أزمة» المغتربين اللبنانيين بعدما كاد الخلاف حوله يحدث تشققات في البنية الحكومية. بيد أن تهديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتعليق مشاركة وزرائه في الحكومة فعل فعله وانعكس برداً وسلاماً على جلسة الأمس التي ضخّت جرعات أوكسجين في الجسد الحكومي إن على صعيد استعادة الحكومة تماسكها ظاهراً على الأقل، وإن على صعيد إقرار آلية لإجلاء المغتربين توضع موضع التنفيذ الاحد المقبل.

ووصفت مصادر وزارية لـ»البناء» الجلسة بالهادئة وتخللتها أجواء من الرومنسية مع طبق من «القريدس» و»الأفوكادو» التي حرص رئيس الحكومة حسان دياب على حسن الضيافة واختيار غداء فاخر لإضفاء نوع من الهدوء والطمأنينة في نفوس الوزراء الذين بدوا متهيبين الموقف ومنهمكين بملفاتهم في بداية الجلسة فيما ظهر الارتياح على وجه رئيس الحكومة واضحاً وكأنه عائد من الحرب آمناً غانماً.  

وقد عرض الوزراء بحسب معلومات «البناء» وجهات نظرهم من ملف عودة المغتربين وقد تخوف بعض الوزراء من تداعيات صحية سلبية لعودة المغتربين بكميات كبيرة وفي وقت محدد في ظل الإمكانات الحكومية المتواضعة والتعقيدات التقنية واللوجستية التي تواجه إجلاء المغتربين من دول العالم التي اقفل معظمها مطاراتها ورحلاتها الجوية، وطلب هؤلاء الوزراء تأجيل البت بهذا الملف لمزيد من الدرس واختيار الآليات الأنسب ومنح الحكومة الوقت الكافي لإنجاز المهمة، لكن وزراء حركة أمل وحزب الله أصروا على حسم الموضوع في جلسة الأمس، مؤكدين أن التأجيل سيفاقم الأمور أكثر ويشكل خطراً على حياة عشرات آلاف المغتربين اللبنانيين في دول الخارج الذين ينتظرون حكومتهم لإنقاذهم.

إلا أن أزمة المغتربين ليست العقدة الوحيدة أمام الحكومة، فهي على موعد الخميس المقبل مع جلسة ستشهد معركة تعيينات في حاكمية البنك المركزي ولجنتي الرقابة على المصارف والأسواق المالية ومفوض الحكومة لدى البنك المركزي.

وعلمت «البناء» في هذا الإطار أن الاسماء الثلاثة التي اقترحها وزير المال غازي وزني لك موقع من المواقع الشاغرة باتت في حوزة الوزراء منذ يومين وبدأوا بدرسها لإبداء آرائهم فيها في جلسة الخميس على أن يتم اختيار منها واحد لكل منصب وبالتصويت.

وقالت مصادر وزارية لـ»البناء» إن «الجلسة ستكون حاسمة لجهة تعيينات في الحاكمية ولن تؤجل»، ولفتت الى أن «جميع الأسماء المطروحة هي من الاسماء الجديدة وبالتالي لا أسماء من الطاقم القديم ولن يتم التجديد لأي من نواب الحاكم السابقين أو اعضاء لجنة الرقابة على المصارف»، كما اوضحت أن «التعيينات  ستراعي التوازنات الطائفية كما ينص الدستور فيما خص وظائف الفئة الاولى، كما أنها ستكون أبعد ما يكون عن المحاصصة بمعناها الواسع لكن مع مراعاة التوازنات السياسية في الحكومة إذ يمكن أن يكون المرشح يتمتع بالكفاءة والخبرة وله انتماء سياسي غير حزبي»، وبحسب المعلومات فإن لا اتفاق على الأسماء إلا ان هناك توافقاً ضمنياً على الأشخاص الذين سيتم اختيارهم».

غير أن السؤال الذي يطرح في الأوساط السياسية والمالية والمصرفية والشعبية هل ستكون التعيينات مقدّمة للجم تحكم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف في قرارات المصرف المركزي وهل سنكون أمام تغيير جذري في السياسات النقدية والمصرفية والمالية التي طبعت لبنان منذ العام 1992؟ 

تستبعد أوساط وزارية أن تؤدي سلة التعيينات الجديدة الى ضبط السياسات النقدية والمالية ولجم المصارف وضبط اسعار الدولار، موضحة لـ»البناء» أن الوضع المالي والاقتصادي والمصرفي في لبنان أعمق من قضية تعيينات في الحاكمية ويرتبط ذلك بتراكمات وأخطاء مالية واقتصادية عديدة وكيفية مواجهة الحكومة للملفات والاستحقاقات الداهمة كمسألة اعادة جدول الديون ومعالجة العجز في الخزينة والركود الاقتصادي ومشكلة الكهرباء المزمنة.

وتشير مصادر مالية واقتصادية لـ «البناء» الى أن «لعبة ارتفاع وانخفاض سعر صرف الدولار مرتبطة بملف تعيينات نواب الحاكم يقف خلفها الحاكم سلامة والجهة السياسية التي ينتمي اليها أي الرئيس سعد الحريري»، ولفتت الى أن سلامة وجمعية المصارف بالتواطؤ مع الصرافين الشرعيين وغير الشرعيين في السوق السوداء وخارجه يتلاعبون بسعر صرف الدولار في رسالة تهديد شديدة اللهجة للحكومة مفادها أنها اذا أقدمت على تعيين نواب للحاكم وأعضاء الرقابة على المصارف معادين للحاكم وسياساته ستكون النتيجة أضراراً اقتصادية ومالية جسيمة وبلوغ الدولار معدلات قياسية ستؤدي الى انهيارات متتالية في البنى المالية والاقتصادية وارتفاعاً غير مسبوق في الأسعار ما سيفجّر ثورة اجتماعية كبيرة ستكون الحكومة أولى ضحاياها.

وتكشف المصادر أن كارتيل سلامةالمصارف أعدّ العدة لهذه المعركة باحتراف وشحذ أسلحته وأخرج أوراقه من جعبته الواحدة تلو الأخرى حتى وجدت الحكومة نفسها محاصرة بجدران أربعة ومن هذه الأوراق التي أدّت الى ارتفاع سعر صرف الدولار: إقدام أصحاب عدد من المصارف بالتواطؤ مع سلامة على تهريب مبالغ ضخمة الى الخارج قدرت بحوالي 5 مليارات دولار. تزويد المصرف المركزي المصارف بالدولار بزيادة 20 في المئة عن سعره الرسمي وتقوم المصارف بدورها ببيعه لعملائها بـ40 في المئة عن سعره الرسمي عبر اتفاق بين المصارف والصرافين. ضغط الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة عبر صندوق النقد الدولي لتثبيت سعر صرف الليرة على 2250 أو تحريرها من ضمن الإصلاحات التي يطلبها الصندوق من الحكومة مقابل تقديم الدعم المالي، ما يدفع المصرف المركزي الى مزيد من تقنين عمليات بيع الدولار للحفاظ على سعر صرفه مرتفعاً بما لا يقلّ عن 2500 ليرة لدى الصرافين والسوق السوداء.

وتتحدّث المصادر عن وسيلة أخرى لرفع سعر صرف الدولار أكثر كجزء من عدة الحرب ألا وهي دس بند في مشروع «الكابيتال كونترول»، بنسخة «المصارف» بإعطاء ودائع اللبنانيين بالعملة الصعبة بالليرة اللبنانية بسعر 2000 ليرة للدولار ما سيدفع هؤلاء الى اعادة شراء الدولار في السوق السوداء ما سيؤدي الى زيادة الطلب على الدولار وبالتالي ارتفاع سعره مجدداً.

وتتوقف المصادر عند قرار الحكومة في جلستها ما قبل الأخيرة تكليف وزارة المال للمرة الاولى التدقيق بحسابات مصرف لبنان والولوج الى «مملكة» سلامة وسبر أغوار فضائحها، أما أبعاد هذا القرار فإنه يظهر أرباح المصرف المركزي الأساسية وحجم استثماراته الخارجية وإذا كان توظيف أموال الدولة في الخارج يصبّ في مصلحة الدولة فعلاً أم بمصلحة جهات سياسية وموظفين نافذين، كما ان القرار سيكشف ما إذا كانت الفوائد التي منحها «المركزي» للمصارف هي أرباح حقيقية أم وهمية الى جانب تمكن الدولة اخيراً من معرفة حجم الاحتياطات والموجودات في المصرف وكيفية صرفها.

ويرى خبراء اقتصاديون أن السياسة النقدية للحاكمية سقطت مع ظهور سعرين لصرف الدولار وربما أكثر إذا ما أخذنا الأسعار المتعددة في الأسواق السوداء بعين الاعتبار. وأوضحوا أنه «إذا كان حجم الاحتياطات في المركزي يبلغ 22 ملياراً فعلاً، فإن ذلك كفيل بالخروج من الأزمة وإنقاذ الاقتصاد والبلد، لكن يحتاج الى قرار سياسي وإرادة وطنية وحصرية القرار بيد الحكومة وليس بيد الحاكم وجمعية المصارف وجهات سياسية لها مصلحة في السياسة النقدية والمالية القائمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى