الوطن

نيسان وعيد الآكيتو…
من الموت تولد الحياة

} ميرنا المحمد

عندما نذكر النوع اللامادي من التراث، لا بدّ من ذكر رأس السنة السورية إلى جانب الأغاني والأساطير والأزياء السورية التقليدية القديمة، باعتبارها المعلومة التي تغفل عنها شعوب سورية القديمة.

إلا أنّ التاريخ لعب لعبته في إلغاء هذا اليوم من عدّاده الزمني، حيث ألغى أقدم تاريخ مسجّل في المنطقة من الروزنامة السورية بمساعدة الاحتلالات والغزوات المتعاقبة في المنطقة والتي نسبت تراث البلاد إلى حضاراتها وشعوبها.

ولربما نتذكر تاريخ الأول من نيسان بعد بدعة كذبة هذا اليوم ولكن آخر ما يتبادر لنا بأذهاننا هو حقيقة تزامن هذا اليوم مع بداية التقويم السوري والذي وصلنا فيه إلى عام 6770 منه.

لم يقتصر عيد رأس السنة السورية كباقي الأعياد على يوم واحد للاحتفال، قبل أن تدمج مرات الاحتفال العديدة بيوم واحد وهو عيد «الآكيتو»، بعد أن اعتاد السوريون القديمون على الاحتفال بعيد رأس السنة السورية مرتين في العام، المرة الأولى في عيد «القوزلي» تزامناً مع موسم بذر الشعير بعد أول مطرةٍ من تشرين حتى آذار والمرة الثانية تبدأ من نيسان حتى أيلول والذي سمّي بعيد «عودة الحياة إلى الطبيعة».

فيما اختلفت معاني كلمة «آكيتو» من مكان لآخر فكان الكلدانيون والسومريون أول من احتفل بهذا العيد، والذي كان يعني الحياة وبالسريانية والآرامية كانت تلفظ «حج» وتعني الاحتفال والفرح وبالبابلية «ريش شاتيم» بما معناه رأس السنة.

وبالتأكيد لا عيد يترجم صورة إعادة خلق الحياة والخصب بدون أضاحٍ فتميّز «عيد رأس السنة السورية» بتقديم القرابين والأضاحي والنذور وتسيير مواكب احتفالية، بالإضافة الى تقديم الألعاب الرياضية على امتداد  أيام الاحتفالات، والتي تجاوزت الـ 11 يوماً تتوسطها أفراح أهالي المنطقة وأعراسهم، من خلال الزواج المقدّس حينها، كما كان للحزن حصة من الطقوس أيضاً، حيث خصّصوا أول ثلاثة أيام لطقوس الحزن والمآسي، ثم أيام التكفير وطلب الغفران ختاماً بالتغييرات السياسية والقانونية والانتخابات، بعد أن يقدّم الملك تقريراً عن أعماله خلال العام الذي مضى حيث ظهرت المرأة بكامل أهميتها في عيد «الآكيتو» على شكل آلهة الخصب والجنس والحب «عشتار»، معلنين عن بدء طقوس الزواج المقدس وإظهار أهمية الخصوبة والوفرة.

عندما نعلم بأنّ سورية هي الأقدم بوضع تقويم سنوي والذي أصبح اليوم وفق التقويم السوري 6770 عاما، فهذا خير دليل على أنَّ السوريين كانوا وما زالوا مهد الحضارة والتاريخ، لأنّ هذا التقويم يُعتبر الأقدم في تاريخ البشرية، إضافة إلى ضرورة إعلانه للعالم وعدم السماح بطيّه خاصة بأنّ هناك من يحاول محو ذاكرة الأجيال المتعلقة بالحضارة السورية، لذلك علينا أن نحتفل به في كلّ عام، من خلال إقامة المعارض التراثية والندوات والمحاضرات وكافة الوسائل المتاحة، ولكن الأهمّ من كلّ هذا أن يدخل مناهجنا التربوية والتعليمية وبذلك نكون قد حافظنا على هذا الموروث، وأثبتنا للعالم بأننا شعب لا يفرط في أيّ تفصيل من تاريخه وتراثه.

ويأتي مثلث الاحتلال الروماني مروراً بالعثماني والفرنسي، من أهمّ العوامل التي ساهمت بتحريف التاريخ وتزويره على أرضه بعد أن سلب منه ما سلب ونهب من الحضارة ما نهب، ومن باب مقولة «القوي هو مَن يكتب التاريخ»، كتب الاحتلال حينها تاريخاً جديداً في محاولة منه لدثر تاريخنا الحقيقي وهويتنا الأصلية فيما تعكس طقوس «الأكيتو» فكرة جوهرية مغزاها «من الموت تولد الحياة، والحياة تنتهي بالموت ضمن دائرة كونيةمنتهية تعرف بـ»المانداالسورية».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى