مقالات وآراء

«كورونا» بين المنحة والمحنة…

} زياد العسل

يشهد العالم هذه الأيام استراحة من نوع آخر، فهي ليست مكافأة على الإنجازات البشرية الهائلة، وليست نظاماً كونياً عادلاً وشاملاً من حيث الحقوق والواجبات، وليست حالة من الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، بل هو الوباء الأخطر والأخبث؛ وباء كورونا الذي دفع بأغلب سكان المعمورة للالتزام في بيوتهم لأنّ الكون بأسره في إجازة، إجازة قهرت الإنسان المحب للحياة ودفعته ليعيد الرؤى والحسابات في كلّ فعل.

الأطباء والممرّضون يصرخون قلقين على مرضى يتهافتون يومياً بالمئات في شتى بقاع المعمورة، ومصابون ينتظرون الفرج ليمرّ الزمن وينتصروا على وباء لم يكن في الحسبان. شوارع خالية وكأنّ حالة من الإنقراض البشري قد حدثت للتوّ، ومطاعم ومقاه وملاه ومكتبات فارغة وكأنّ الإنسان قد ذهب لنوم وسبات عميقين بعيداً عن النشاط الإنساني برمّته.

وفي الوقت الذي انتصرت فيه الصين على هذا الوباء الكارثي المدمّر بفعل التقدّم التقني والطبّي والإلتزام الوطني والأخلاقي والإنساني عند أهلها، ما زالت دول أخرى أقلّ تطوّراً وتقدّماً كلبنان تعاني الأمرّين مع هذا الوباء في ظلّ إعلان تمديد حالة التعبئة العامة لأسبوعين آخرين.

وحالة من الفقر المدقع زادت الطين بلة كما يُقال لبنانياً، بفعل توقف قسم كبير من أبناء شعبنا عن العمل بشكل نهائي، وهي الشريحة نفسها التي تقتات من العمل اليومي والتي تشكل السواد الأعظم من البيئة الإجتماعية اللبنانية. بالإضافة إلى إيطاليا التي بات المشهد فيها سوداوياً بالمطلق، حتى خرج أحد الأطباء ليقول والحزن يغمر حواسه: «أغلقوا كلّ شيء، أغلقوا النوافذ، لئلا يتسلل أحد، نحن في كارثة العصر الكبرى”! بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى التي فتك بها الوباء لتصبح الصلاة هي الوسيلة الكبرى والعظمى لخالق عظيم يتوسّله عباده النجاة من الموت بشكل مخيف.

وبالعودة للشقّ المهمّ والذي لا بدّ علينا من التركيز عليه وتكراره والعمل على فهمه بشكل عميق. ما هي الرسالة الأعظم من هذا الوباء المقيت؟

ثمة رسالة عظمى في فهمي البسيط وعرفي الأبسط تتمثل بالنظر لما هو أرفع من تحدّ سياسي واثني وعرقي وطائفي ومذهبي، ثمة رسالة عظيمة للبشرية جمعاء عنوانها المحبة ولا شيء سواها، وكأنّ الأديب العالمي ابن بشري اللبنانية جبران خليل جبران يقف للتو قائلاً: وإنْ خاطبتكم المحبة فصدقوها!

خسائر بالمليارات هنا وهناك، مدافن جماعية تحضر، شوارع خالية من قاطنيها وعشاق السعادة والحياة، والرسالة الأعظم بعد هذه المحنة لبني البشر، لبني كلّ من مرّوا على هذه الأرض أنّ الحروب والقتال والإستعلاء والإستكبار ومحاولات النيل من الأمم البائسة لا تغيّر شيئاً مع الأقدار العظيمة، فثمة ما لا يُرى بالعين ولكنه يكسر القلب كفيروس كورونا السيّئ الذكر والحضور، وثمة رسالة عظمى من وباء العصر ألا وهي أنّ الإنسانية فينا أعظم انتماء وأنّ أوجاع آخر إنسان ودموعه وقهره، هي أوجاع ومآسي نظير له في بقعة أخرى من هذا العالمّ ، لتجسّد هذه «المحنة المنحةمقولة الإمام علي بن ابي طالب التي تصلح لكلّ زمان ومكان: «الناس نوعان اما أخ لك في الدين أم نظير لك في الخلق، فعسى أن تكون هذه المحنة الآنية هي منحة إلهية لالتقاء الإنسانية على ما يجمعها من قيم الحق والخير والجمال…!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى