أخيرة

«كورونا»… 
بين الولايات المتحدة والصين!؟

  عمر عبد القادر غندور*

 تنشب في الوقت الراهن حرب الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين على خلفية من هندس او تسبّب في هذا الوباء الذي انتشر في جميع أنحاء العالم، والذي يكاد يخرج عن السيطرة، ولا نتحدّث عن الضحايا ولا عن التداعيات الاقتصادية المتصاعدة والتي تفوق نفقات الحرب العالمية الثانية ونتائجها الاجتماعية.

 هناك نظريتان حول من دسّ هذا الوباء، النظرية الأولى تقول إنه طالما سعت الولايات المتحدة عبر حرب اقتصادية تجارية على بكين منذ عدة سنوات، وتعتبر الولايات المتحدة انّ الصين سبّبت لها خسائر بعشرات التريليونات من الدولارات من خلال سرقة حقوق الملكية الفكرية الأميركية، وهو ما ردّده الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً، وقال إنّ الصين أعادت صناعة المبتكرات الأميركية بمواصفات أفضل وبأسعار زهيدة جداً وانّ نسبة استعمال الانترنت التي يستعملها الصينيون تبلغ 25% مقابل نحو 10% فقط للأميركيين، وتسعى الولايات المتحدة لمواصلة ضغوطها السياسية والاقتصادية للسيطرة على موارد النفط في العالم، ولا تقوم بذلك لحاجتها الى النفط كما كانت عليه الحال قبل اكتشاف النفط الصخري الأميركي والشروع في استخراجه، وإنما لاستخدام النفط كسلاح بوجه منافسيها الاقتصاديّين حيث تريد واشنطن مثلاً إقفال موارد النفط على بكين لخنق الاقتصاد الصيني ولمنع الصين من ان تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم.

في الخلاصة، قد يكون وباء كورونا مفتعلاً وقد لا يكون وهو ربما تسرّب عمداً او عن طريق الخطأ من أحد المختبرات وربما انتقل بكلّ بساطة من الحيوان او الإنسان بشكل سخيف. لكن الأكيد انّ هذا الوباء سيترك آثاراً مدمّرة على العالم في مرحلته الأولى، وسيتسبّب بتغييرات جذرية في مختلف الدول وبالتالي ولادة نظام عالمي جديد، وهو ما سبق وأشرنا إليه في بيان سابق.

 اما النظرية الأميركية لاتهام الصين ترتكز إلى ما هو علمي وطبي واعتباره سلاحاً بيولوجياً وكيمائياً جرى نشره بشكل متعمّد في سياق الصراع على زعامة العالم. وبحسب النظريات الأميركية انّ الصين حرصت على إبعاد الوباء عن العاصمة بكين ولا في عاصمتها التجارية شنغهاي، علماً أنّ شنغهاي تبعد عن مركز الوباء في ووهان 1052 كيلومتراً. وفي المقابل وصل الوباء بسهولة الى مناطق بعيدة على غرار ميلانو في إيطاليا التي تبعد 8700 كيلومتراً عن ووهان، بينما تبعد نيويورك 12000 كيلومتراً ولندن تبعد 88800 كيلومتراً وباريس تبعد 8900 كيلومتران، ولم يصل هذا الوباء إلى بكين فاستمرّت فيها الحياة بشكل طبيعي حيث يعيش فيها أغنياء الصين ومسؤولو الصناعات الصينية العملاقة. كما هنالك تساؤل آخر لا يقلّ أهمية ويتمحور حول سرّ تمكّن الصين من السيطرة على انتشار الوباء وحصر الوفيات التي تسبّب بها، في حين وقفت الدول الكبيرة الأخرى عاجزة أمام الوباء.

أين الحقيقة؟

 في خطابه عن «حال الاتحاد» في كانون الثاني 1998 تحدث الرئيس كلينتون عن «ضرورة التصدّي للمخاطر الجديدة» التي قد تنطوي عليها الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، من توق ورغبة الدول الخارجة عن القانون والإرهابيين وشبكات الجريمة المنظمة لحيازتها. وقد أدين العراق لتطوير أسلحة نووية وكيمائية وبيولوجية. وعندما احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003 وأكدت الوقائع على استعمال الأسلحة الكيمائية والبيولوجية بهدف تدمير أسلحة الدمار الشامل كانت الولايات المتحدة صادقة ولم تكذب هذه المرة وتريد وضع يدها على الأسلحة الكيمائية والبيولوجية التي أعطتها لنظام صدام حسين الذي استعملها فعلاً لضرب خصومه الأكراد في بلدة حلبجة الكردية في شهر آذار من العام 1988 وقتل فيها خمسة آلاف إنسان.

 ويقول وليم بلوم الذي قدّم استقالته من وزارة الخارجية الأميركية عام 1967 متخلياً عن طموحه بأن يصبح ديبلوماسياً في السلك الخارجي، بسبب معارضته للتدخل الأميركي في فييتنام، انّ بلاده قلبت مفاهيم الحضارة الإنسانية عندما طوّرت واستعملت الأسلحة الجرثومية وغازات الأعصاب بدلاً من ان تحارب الأمراض التي تصيب الجسم البشري وتتحوّل الى قاتلة ومبيدة للبشر في البهاماس في الأربعينات وفي كندا 1953 والصين 1952 وفييتنام على مدى عقد في الستينات واستعملت شتى الأسلحة الكيمائية والبيولوجية لإبادة البشر والشجر وأخطرها المستحضر البرتقالي وأكثر من 500 رطل ديكوسين الملوّث الفتاك. وفي لاوس 1970وباناما من الأربعينات الى التسعينات واستعملت كافة أنواع الأسلحة الكيمائية مثل غاز الخردل والسارين وتوّجت التجارب الأولى الجنود الأميركيين كفئران مختبر مع ما تركته فيهم من آثار فاجعة عندما جلا الجيش الأميركي عن باناما، وكوبا 1962 وفي العراق عام 2003.

 وفي مقالة تعود الى كانون الثاني 1999 اعترف الرئيس الأميركي كلينتون بانّ ما يؤرقه في بعض الليالي هو جزعه من الحرب الجرثومية.

ومن المأمون القول انّ الرئيس كلينتون لم يكن يخطر في ذهنه وقتئذٍ انّ «سي أي آي» ووزارة الدفاع قد تكونان مبعث هذا الجزع.

 بعد هذا العرض يمكن القول انّ للولايات المتحدة تاريخ عريق في صناعة الأسلحة الجرثومية والبيولوجية واستعملتها حتى مع الجنود الأميركيين من ذوي البشرة السمراء.

 وعندما يكون الشعار الأكثر دفئاً للرؤساء الأميركيين «أميركا أولا» فلا عجب من ممارسة ايّ شيء او القيام بأيّ شيء.

 ومع ذلك لا نستطيع القول انّ الولايات المتحدة او الصين بث أحدهما هذا الوباء لانعدام الدليل اليقيني لدينا، ونكتفي بقول الله سبحانه وتعالى: «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) النحل» الى قوله تعالى «وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (43)فاطر»

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى