مقالات وآراء

اعرف عدوّك (6)

} وجدي المصري

«على كلّ إنسان متحضّر أن يعتزّ

بأنّ له وطنين: الذي يعيش فيه وسورية»

أندريه بارو: مدير متحف اللوفر سابقاً

 

إنّ معرفة عدوّنا اليهودي تحتّم علينا أن نكشف عن ضلوعه منذ القدم بتزوير التاريخ والجغرافيا والتراكمات الحضارية التي وصلتنا عن الشعوب القديمة. هذا الكشف ما كان ليتمّ وينجح لولا المكتشفات الآثارية التي اختزنتها أرض سورية لعدة ألفيات من السنين. ولقد أجمع الدارسون الموضوعيون على أنّ الأساطير القورانية ليست إبداعاً عبرانياً بقدر ما هي سطو على إبداع الأولين، خاصة السومريين والبابليين والكنعانيين، بدءاً بأسطورة التكوين وخلق آدم من طين، الى أسطورة الطوفان وما تبعها من فبركة تاريخ لشعب لم يرد له ذكر في أية وثيقة تاريخية، وهذا ما جعل المؤرخين يلتفتون إلى التأكيد على عدم إمكانية اعتماد التوراة كمصدر تاريخي. فبعد أن اعتمد كاتب الأسفار الخمسة الأولى، والذي يُقال إنّه عزرا الكاهن، على الأساطير السومرية والبابلية لتفسير وجود الكون، والإنسان تحديداً، قام بكتابة قصة سخيفة بدائية لا يقبلها العقل، عن مجموعة من القبائل الوضيعة، اخترع لها ذرية وأنساباً تصلها بآدم، وسرق من التراث الكنعاني إلهاً (يهوه) قوّله كلّ ما يخدم فصول قصّته من تشويق وغموض، وتفرّد به إلهاً خاصاً لهذه القبائل، وجعل هذا الإله يختارها لتكون، دون كلّ البشر، شعباً خاصاً به. ولمّا لم تكن هذه القبائل على شيء من الحضارة آنذاك، وبالتالي لم تكن لها لغة خاصة بها بل لهجة من اللغة الكنعانية المسيطرة في ذلك الوقت على كامل المساحة التي تحركت فيها هذه القبائل، بدأ الكاتب بالسطو على بعض الكلمات الكنعانية أو البابلية وحرفها عن معناها الأساس لكي يعطي لعمله الأدبي قيمة ومصداقية حضارية، فكما هو معروف فإنّ اللغة هي الدليل الأول على حضارة الشعوب.

إنّ التزوير الأساس الذي قام به كاتب التوراة هو إيهام الناس بأنّ إله بني إسرائيل قد بلبل ألسنة الناس لكي لا يفهم بعضهم لغة بعض لكي يفسّر وجود أمم شتى على سطح الأرض. فجاء دارسو اللغات القديمة ليأكدوا أنّ فعل بلبل لا علاقة له ببابل التي تعني باب الإله. ثم حاول إيهام الناس أنّ يهوه غيّر اسم يعقوب الى إسرائيل ناسباً معنى كلمة إسرائيل إلى فعل المجاهدة والإنتصار كما هو بلهجته، «فقال له ما اسمَك. فقال يعقوب. فقال لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل. لأنّك جاهدت مع الله والناس وقدرت»، تكوين 22: 27-28. أمّا اللغويون فلهم رأي آخر. يقول حنا حنا في كتابه: (دراسات توراتية) ما يلي: «ولكن اسم إسرائيل كان قبل التوراة وقبل يعقوب أيضاً الذي سُمّي إسرائيل، وما يُثبت هذا ورود اسم إسرائيل على رقيم عُثر عليه في إيبلاّ سورية يعود تاريخه إلى وقت سابق لعهد إبراهيم، فإسرائيل كلمة مركّبة من إسم إلهين هم أشر إله الأزل وهو إله مدينة أشور، وإله القوة إبل».

لقد أرادنا كاتب التوراة أن نقتنع بأنّ الإنسان الأول خُلق ناطقاً، وأنّ يهوه كلّف آدم أن يُطلق الأسماء على الحيوانات والطيور: «وجبل الربّ الإله (يهوه) من الأرض كلّ حيوانات البرّية وكلّ طيور السماء. فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها. وكلّ ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها»، تكوين 2 : 19. أمّا ما هي اللغة التي اشتقّ منها آدم الأسماء؟ فحتى الراسخين في العلم لم يسمعوا بها. وبعد أن أنجب آدم من حواء أطلق أيضاً الأسماء على أولاده الذين لم نعرف منهم إلاّ قايين وهابيل وأنوش، وهؤلاء أطلقوا الأسماء على ذريّتهم، فهل آدم بالفعل هو من اخترع هذه الأسماء، أم أنّ كاتب التوراة قد أخذ هذه الأسماء في القرن السادس قبل الميلاد من البيئة التي كان يعيش فيها ونسبها إلى الإنسان الأول مثلما ربط نسب العبرانيين بآدم أيضاً عبر محطات مهمة منها نوح وسام وأبرام ألخ. ومن أطلق على آدم، الإنسان الأول، هذا الإسم؟ يقول فراس السوّاح في كتابه (مغامرة العقل الأولى) ما يلي: «أطلقت الرواية التوراتية على الإنسان الأول اسم آدم، والواقع أنّ هذه الكلمة أوغاريتية فينيقية وتعني: البشر أو الإنسان» وقد وردت هذه الكلمة في عدة نصوص أوغاريتية ومنها ملحمة كرت: «إذ ظهر له في الحلم إيفي رؤاه ظهر أبو آدم». ولقد بدأ تزويرهم منذ بداية قصة الخلق في سفر التكوين حيث يقول الكاتب إن يهوه خلق السموات والأرض وما عليها في ستة أيام واستراح في اليوم السابع وهو يوم السبت، ودعا بني إسرائيل إلى تقديسه. فهل كان الإنسان الأول يعرف على علم بتقسيم الوقت، وبتسمية الأيام، أم أنّ كاتب التوراة وكعادته أسند هذه المعرفة إلى شعبه ممعناً بتزوير الحقائق؟ يقول ولد ديورانت في كتابه قصة الحضارة ما يلي: «وقدّست الوصية الرابعة يوم الراحة الأسبوعيالسبتوصار هذا التقديس سنّة من أرسخ السنن البشرية. وهذه التسمية (أي السبت)، ولعلّ هذه العادة نفسها، (أي الراحة يوم السبت)، قد جاءتهم من البابليين». تقول ستيفاني دالي في كتابها: (أساطير من بلاد ما بين النهرين) ما يليويُرجّح أيضاً أنّ اختصار (أوتا)- نا إش (تي) كان يلفظ نوح في فلسطين منذ زمن بعيد». وهذا الإسم هو تقطيع لإسم أوتنابشتي أو أوتنابشتيم بطل ملحمة غلغامش، وهذا يُفسّر بوضوح، ليس فقط سطو كاتب التوراة على الأساطير بل أيضاً على أسماء البشر والتي بدأت تتداول بعد اختراع اللغة السومرية، لغة الإنسان الأولى بامتياز.

هل اقتصر تزوير العبرانيين على الأسماء فقط؟ طبعاً لا، بل طال كلّ مناحي الحياة. لقد غيّروا أسماء الأمكنة كما مرّ معنا، وغيّروا نسبة الإبداع الحضاري من الشعوب التي قامت به ونسبوه إلى إبداعهم. ينسب المؤرخ ويل ديورانت في موسوعته (قصة الحضارة) إلى البابليين نشأة علوم الرياضيات الفلكالتقويمالجغرافية والطب. يقول: «وبعد أن قسّموا الدائرة إلى 160 درجة عادوا فقسّموا الدرجة الى ستين دقيقة والدقيقة الى ستين ثانية وقسّموا السنة إلى اثني عشر شهراً قمرياً، وقسمّوا الشهر إلى أربعة أسابيع».

هذه أمثلة قليلة عن التزوير الذي أحدثه كتّاب التوراة حول بعض الأمور التاريخية والجغرافية. ونحن نجد التزوير ذاته في ما وصل إلينا من مخططات البحر الميت حيث أن كاتب مخطوطة الخمسينيات اعتمد التوزيع الخمسيني عندما تحدّث عن أسطورة الخلق معتمداً تقسيم كلّ خمسينية إلى سبعة أسابيع على مدى سبع سنوات. وأراد الكاتب من ذلك أن يُفهمنا بأنّ عبقريته الرياضية هي التي ابتدعت هذا التقسيم. أمّا الواقع فهو حسب ما يقول معرّب كتاب (التوراة: كتابات ما بين العهدين): «إنّ اقتراح مثل هذا التقويم، المتوافق تماماً مع التقويم الوارد في كتاب أخنوخ، بل ومع التقسيمات الأسّينية عموماً للأعياد والأوقات المقدسة، هو تقويم مُشتقّ من التقويم الذي كان معمولاً به في فلسطين عموماً، ولدى الشعوب الفينيقية بخاصة». ويعود المعرّب ليتحفنا برأيه الذي يؤكدّ من خلاله أنّ كاتب الخمسينيات كان «ممتلئاً بالمعرفة والعلم»، وهذا ما أوقعه بالتناقض إذ كان قد أكدّ أنّ الكاتب الأسيني إنمّا اعتمد على ما كان معروفاً في محيطه، أي في فلسطين.

أمّا إذا انتقلنا إلى مخطوطة أخرى من مخطوطات البحر الميت والمعنونه بـ «قسمة الأرض»، لبدا لنا التزوير التاريخي والجغرافي متلازماً، حيث يتحدّث الكاتب عن قيام نوح، وهو الجيل الخامس بعد آدم، بجمع أولاده حيث قسمّ الأرض لهم بواسطة قطعة خشب. ثم عاد أبناء نوح فقسمّوا ما ورثوه على أبنائهم. هذه القسمة هي من السخافة بمكان تجعل العقل مدهوشاً ان يكون هذا الكلام صادراً عن إنسان زي عقل. فحسب كاتب مخطوطة تقسيم الأرض فإنّ أولاد نوح وذريتهم، وكانوا ما زالوا، هذا في حال تصديقنا للأسطورة التوراتية، نقرأ قليلاً بالكاد يعرفون الأرض التي تبعد عنهم مئات الأمطار، فكيف تمكنوا من معرفة كلّ بقاع الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وكانت كلّها تحمل أسماءهما الجغرافية التي عرفت بها بعد آلاف السنين؟

أمّا التزوير والأهم والأخطر فلقد حصل على الصعيد الديني. فبنو إسرائيل يعرفون جيداً أنّ إلههم ليس إله الكون الذي يعبده معظم الناس، وذلك واضح من كلام هذا الإله الموجّه دائماً لبني إسرائيل والذي توّجه بقرار عنصري اعتبر بموجبه أنّ بني إسرائيل فقط، من بين شعوب العالم، هم شعبه الخاص. فلو أبقى بنو إسرائيل هذا الإله، بكل غرابته وقسوته وساديته، لهم لهان الأمر ولقلنا هذا شأنهم. أمّا أن يزوّروا ترجمات كتابهم إلى اللغات الأجنبية، وبدلاً من يهوه يصبح هذا الإله القبلي هو الربّ أو الله الذي يعبده معظم الناس، ففي ذلك تشويه واضح للحقيقة الهدف منه، كما ذكرت سابقاً، إلزام الناس والدول والحكومات على تنفيذ كلام هذا الإله، ايّ باختصار اغتصاب أرضنا وقتل شعبنا أو تهجيره. وهم لم يكتفوا بذلك بل حرّفوا العهد الجديد وجعلوا يسوع مسيحاً، وهو ليس بذلك، ونسبوه إلى ذرية داود الوهمي، وهو أيضاً لا يمت إلى هذه الذرية بأية صلة. هم أرادوه بداية أن يكون مسيحهم الملك المخلّص، ولكن عندما بدأ بفضح شريعتهم المتحجرة تآمروا عليه وقتلوه، لكنّهم لم يستطيعوا قتل أفكاره ورسالته فعمّت العالم. وطال التزوير اسم يسوع وفرضوا تسمية جديدة هي المسيح تأكيداً لتزويرهم الثاني أي أنّه من ذرية داود الأسطوري. فكلمة المسيح تعني الممسوح بالزيت، وهذه العادة كانت معروفة لدى الشعوب القديمة حيث كان الكاهن الأكبر يمسح رأس الملك بالزيت فور توليه الملك. وبنو إسرائيل أخذوا هذه العادة عندما دعوا صموئيل إلى تعيين ملك عليهم أسوة بالشعوب المتحضرة فاختار شاوول، ومنذ ذلك الحين اتبعوا هذه العادة. إذن لا علاقة ليسوع بهذه التسمية وهو حتماً ليس بملك كما ادخلوا بعقول المؤمنين وهو القائل: مملكتي ليست من هذا العالم، أمّا بالنسبة لنسبه فلا أفضل في هذا المجال من كلام البطريرك زكّا الأول عيواص الذي جاء خلال خطبة له احتفالاً بالألفية الثانية لميلاد يسوع، قال: «وإذا صحّ أن ننسب الى السيد المسيح قومية أو وطناً أثناء تدبيره الألهي بالجسد فهو سوري آرامي لا غير، قومية ونسباً ولغة وحضارة. فقد تكلّم الآرامية السريانية لغة سورية القديمة وولد وعاش بالجسد في فلسطين التي كانت جزءاً لا يتجزأ من سورية».

وهل اكتفى اليهود تزويراً وتحريفاً؟ بالطبع لا، فهم ما زالوا حتى الساعة يهدّدون كلّ معالم فلسطين، بل يحاولون جاهدين زرع بعض المعالم في الأرض ظناً منهم أنهّا إذا اكتشفت في المستقبل ستكون دليلاً أنّ اية أرض وجدت فيها هي ملك لهم. كتب سعيد معلاوي في جريدة البناء بأنّه قرأ تصريحاً لوزيرة السياحة والآثار الأردنية السابقة السيدة مها الخطيب قالت فيه: « شاهدنا الكثير من الإسرائيليين يدفنون قطعاُ نحاسية وحديدية وحجرية عميقاً في باطن الأرض (في مدينة بترا الأثرية)، لتبدو أثرية بعد عشرات أو مئات السنين وعليها كتابات عبرية بالحروف العبرية القديمة غير المستعملة اليوم…». وما كان من اليهود بعد أن سمعوا هذه التصريحات إلاّ أن ضغطوا لإخراجها من الوزارة ، فكان لهم ذلك. ويؤكد الكاتب أنّ ما يفعله اليهود في الأردن فعلوه في جنوب لبنان وفي العراق، خاصة في إقليم كروستان، ويفعلونه حالياً في الجولان.

إنّ شعارات هذه الطائفة من النجمة التي أسموها نجمة داود، إلى الشمعدان السباعي، إلى عملة الشاقل، كلهّا سورية تبنوها لكي يقنعوا العالم بأنّ وجودهم قديم في بلادنا. يقول ول ديورانت في موسوعته (قصة الحضارة) : « إنّ البابليين لم يسكو النقود، ولكنهم حتى قبل أيام حمورابي كانوا يستخدمون في المقايضة سبائك الذهب والفضةوكانت أصغر وحدة في العملة هي الشاقل»، فهذه العملة كانت متداولة قبل ظهورهم على مسرح الأحداث كقبائل همجية.

اليهود استغلوا كلّ مناحي حياتنا الحضارية وحاربونا بها، ونحن ما زلنا نستغل كلّ غبائنا لنسهل لهم إكمال مخططاتهم لبسط سيطرتهم على كامل ترابنا القومي. أليس غريباً، أن لا نهتّم بتاريخنا وحضارتنا ونفسح المجال لليهود بسرقتهما؟ أليس غريباً أن يعلن اليهود عداءهم الصريح لأمتنا قولاً وفعلاً، وخوفنا نحن من إعلان عدائنا لهم لكي لا نستجلب علينا غضبهم وغضب كلّ أغبياء العالم الذين أنطوت عليهم هذه الأكاذيب والتزويرات والتحريفات؟ إنّ العودة إلى العقل هي الضامن الوحيد لتصحيح المسار، فهلاّ فعلنا ؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى