الوطن

هل تتضح الإجابات بعد انتهاء كورونا مباشرة أو ننتظر مئة عام بعد رحيله؟

} إيمان شويخ

أعادت جائحة كورونا إلى الأذهان جائحة أنفلونزا 1918 أو ما عرف بالإنفلونزا الإسبانية التي وصفت بأنها «الكارثة الطبية الأشدّ فتكا في تاريخ البشرية» والتي أقفل عدادها على خمسين مليون وفاة حول العالم، ودامت حوالي ثلاث سنوات، تاركة الباب مفتوحاً حول التفسيرات والتحليلات الطبية التي تنوّعت حيناً وتضاربت أحياناً في تحديد مكان تفشي الوباء والقدرة على القضاء على أوبئة مشابهة قد تخلق في عقود تعقب الوباء، ولكن يتضح اليوم في ظلّ تفشي وباء كورونا أنه رغم كلّ ما مرّ به العالم من أوبئة يبقى عاجزاً عن منع فيروسات جديدة من النشوء والتكاثر والفتك بالأرواح.

وإذا عدنا إلى التاريخ الذي شهد تفشي الأنفلونزا الإسبانية عام 1918 خلال الأشهر الأخيرة للحرب العالمية الأولى، مع موجة ثانية من تشرين الأول/ أكتوبر حتى كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، وموجة ثالثة في ربيع 1919 والتي استمرّت حتى عام 1920 تاريخ انتهاء الجائحة، يطرح سؤال حول ديمومة فيروس كورونا الذي بدأ أواخر كانون الأول عام 2019 ولا زال يتمدّد في أنحاء العالم، بعد أن تمّت السيطرة عليه في مدينة ووهان الصينية مركز تفشي الفيروس والتي يتخوّف فيها من موجة ثانية، فهل تتكرّر موجات الفيروس كما هو الحال مع الإنفلونزا الإسبانية ويستمرّ العدّاد في تصاعد لسنتين أو أكثر.

بالنسبة لمصدر «الإنفلونزا الإسبانية» التي اعتقد البعض أنها إسبانية نسبة إلى تسميتها، فلقد تضاربت المعلومات بين من اعتبر أن تكون بدايته في فرنسا وآخرين اعتبروا أنها كانت في الولايات المتحدة، وسبب تسميته بالإنفلونزا الإسبانية هي أن أولى الحالات تمّ كشفها في إسبانيا والتي كانت دولة محايدة خلال الحرب ولم تفرض رقابة صارمة على صحافتها لذلك تمّ الاعتقاد أنها منشأ الوباء وهي قامت بنشر التقرير عن الوباء بحرية.

تعريف للجائحتين يظهر أنّ كليهما يصيبان الجهاز التنفسي مع اختلاف في التأثير عليه،فجائحة الإنفلونزا الأسبانية أو الوافدة الإسبانيولية هي جائحة إنفلونزا قاتلة، وتسبّب بهذه الجائحة نوع خبيث ومدمّر من فيروس الإنفلونزا (أ). وتميّز الفيروس بسرعة العدوى وهو قاتل بشكل خاص لأنه يسبّب عاصفة السيتوكين، والتي تخرّب نظام المناعة الأقوى لدى الشباب، أما فيروسات كورونا فهي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبّب المرض للحيوان والإنسان. ومن المعروف أنّ عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشدّ وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس). ويسبّب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض كوفيد-19 وهو مرض معدّ. ولم يكن هناك أيّ علم بوجود هذا الفيروس وهذا المرض المستجدّين قبل اندلاع الفاشية في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول/ ديسمبر 2019

بالنسبة لعوارض الإنفلونزا الإسبانية، فالموجة الأولى كانت عوارضها خفيفة وشبيهة بعوارض الزكام، أما في الموجة الثانية فقد توفي بعض المصابين خلال ساعات من المرض بعدما أصيبوا بالاختناق نتيجة امتلاء الرئتين بالسوائل، فيما استمرت الموجة الثالثة حتى عام 1920 عندما انتهت الجائحة وانتهى الأمر بالمصابين إما بالموت أو البقاء على قيد الحياة وتشكيل المناعة. وتتمثل الأعراض الأكثر شيوعاً لمرض كوفيد-19 في الحمى والإرهاق والسعال الجاف. وقد يعاني بعض المرضى من الآلام والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو الرشح، أو ألم الحلق، أو الإسهال. وعادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ تدريجياً. ويصاب بعض الناس بالعدوى دون أن تظهر عليهم أيّ أعراض ودون أن يشعروا بالمرض. ويتعافى معظم الأشخاص (نحو 80%) من المرض دون الحاجة إلى علاج خاص. وتشتدّ حدة المرض لدى شخص واحد تقريباً من كلّ 6 أشخاص يصابون بعدوى كوفيد-19 حيث يعانون من صعوبة التنفس.

تميّزت الإنفلونزا الأسبانيةعلى عكس أنواع الإنفلونزا الأخرىبقدرتها على إحداث مضاعفات مميتة في من أعمارهم أقلّ من 45 سنة. فالإحصائيات تشير إلى أنّ 99٪ من الوفيات كانت في أشخاص أعمارهم أقلّ من 65 سنة، وأكثر من نصف الوفيات كانت في المجموعة العمرية ما بين 20-40 سنة، أصابت ثلث سكان العالم، وهذا يقع على النقيض لفيروس كورونا حيث تزداد احتمالات إصابة المسنين والأشخاص المصابين بمشكلات طبية أساسية مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب أو داء السكري، بأمراض وخيمة. وقد توفى نحو 2% من الأشخاص الذين أُصيبوا بالمرض.

وتقدّر الإحصائيات الحديثة أنّ حوالي 500 مليون شخص أصيبوا بالعدوى جراء الإنفلونزا الإسبانية وأظهروا علامات إكلينيكية واضحة، وما بين 50 إلى 100 مليون شخصاً توفوا جراء الإصابة بالمرض أيّ ما يعادل ضعف المتوفين في الحرب العالمية الأولى، وكان السبب الرئيسي للوفاة هو الاختناق نتيجة نزيف رئوي أو التهاب رئوي ثانوي. أما أعداد المصابين بفيروس كورونا فبلغت حتى اليوم أكثر من مليون ومئتي ألف حول العالم وأودى الفيروس بحياة أكثر من 70 ألف شخص في العالم منذ ظهوره للمرة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر في الصين.

يرى العلماء أنّ سلالة الفيروس التي سبّبت وباء 1918، تطوّرت من سلالة للفيروس تصيب الطيور، إذ تحورت واكتسبت القدرة على إصابة الجهاز التنفسي العلوي لدى البشر. وبهذا أصبح بإمكان هذه السلالة الانتقال عبر الهواء بسهولة من شخص لآخر، عن طريق رذاذ السعال والعطس، ويُعتقد أن كوفيد 19 نشأ لدى الحيوانات البرية، وانتقل إلى البشر من خلال الاختلاط بالحيوانات المصابة أثناء عمليات تجارة الحياة البرية في الأسواق الرطبة. اشتبه بأنّ المرض انتقل من الخفافيش إلى الثعابين ومنها إلى الإنسان.

لم يكن غياب الوسائل التشخيصية والعلاجية في عام 1918 هو السبب الوحيد لارتفاع أعداد ضحايا وباء الإنفلونزا، بل يُضاف إلى ذلك أيضاً تردّي الأوضاع المعيشية في هذه الحقبة العصيبة من تاريخ البشرية، التي دارت فيها رحى الحرب العالمية الأولى.

ولقد بذلت قصارى الجهود آنذاك للتصدي لتفشي الوباء، إذ أقيمت محاجر صحية وأغلقت مدارس، وحظرت إقامة بعض المناسبات الاجتماعية. لكن كلّ هذه التدابير لن تسهم في الحدّ من انتشار المرض إلا إذا عرفــها الناس والتزموا بها وهي إجراءات شبيهة إلى حدّ ما بالإجراءات التي تتبعها اليوم معظم الدول في مواجهة تفشي فيروس كورونا من الحجر الصحي والعزل وإعلان التعبئة العامة بكلّ مفاعيلها والتشديد على التباعد الاجتماعي.

قد تكون مئة عام كافية لتطوير أنظمة صحية، وإجراء أبحاث مخبرية، واكتشاف أدوية لأمراض مستعصية، لكن يبدو أنها لم تكن كافية للوصول إلى نظام صحي وقائي يحول دون تغلغل فيروسات جديدة في بلدان العالم تفتك بأرواح الآلاف وربما الملايين إذا طال أمدها، فهل الأسباب تتعلق بضعف الأبحاث الطبية المستندة على ماضي الأوبئة، أم أنّ حكام العالم تناسوا الوباء وراحوا يسخرون كلّ مقدراتهم لتدمير بعضهم البعض حتى جاء هذا الخفي وقال كلمته وتركهم في حجرهم الصحي ومشى. ولعلّ الإجابة تتضح بعد انتهاء كورونا مباشرة وليس بعد مئة عام على رحيل كورونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى