أولى

عروس الجنوب

التعليق السياسي

 

 

لا تزال حاضرة في ذاكرة الذين خاضوا غمار مقاومة الاحتلال، أو تابعوها بشغاف قلوبهم ووجدانهم، وبتقديم الدعم للمقاومين ونشر ثقافتهم ومنطقهم والأمل بإنجازاتهم، أن خمسة روافد شكلت عناصر النهوض لمشروع المقاومة العظيم والمقدّس الذي ندين له اليوم بالتحرير وبتحقيق العزة والكرامة الوطنيين.

الرافد الأول قدّمته عمليات نوعيّة نفذتها المجموعات التي اتخذت اسم المقاومة الإسلاميّة، سبقت بسنوات الإعلان عن تأسيس حزب الله، وافتتحت به عمليات المواجهة النوعية مع جيش الاحتلال وشكّل تفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور فاتحتها مع الشهيد أحمد قصير، وتكاملت معها عمليات تفجير مقر المارينز لتتشكل صورة القدرة التي يختزنها المقاومون على جعل جيوش الاحتلال الأميركي والإسرائيلي تنزف كثيراً ولا تطيق تحمل كلفة البقاء، وقد ساندتها مواجهات شعبية قادها من الموقع ذاته الشيخ الشهيد راغب حرب.

الرافد الثاني الانتفاضات الشعبية المدعومة بعمليات مقاومة بطولية كانت حركة أمل عنوانها، وخصوصاً انتفاضة بلدة معركة وصولاً للقرى والبلدات السبع التي تتوسطها معركة، والتي شهدت معارك الزيت المغلي وساندتها عمليات نوعية من برج الشمالي والشهيد حسن قصير تلميذ الشهيد محمد سعد ورفيق دربه الشهيد خليل جرادي اللذين شكلا عنواناً للانتفاضة الشعبية والمقاومة، التي توّجت بانتفاضة السادس من شباط 1984 التي قادها الرئيس نبيه بري، والتي فتحت طريق المقاومة الواسع بإسقاط اتفاق السابع عشر من أيار ورحيل قوات المارينز.

الرافد الثالث تشكل من مناخ ثقافي وفني وإعلامي كانت رموزه الأبرز ما قدّمته جريدة السفير منذ حصار بيروت، وكان لناشرها طلال سلمان دور محوريّ في هذه النهضة بقيت آثاره في ندوب تركتها على وجهه محاولة الاغتيال التي استهدفته، وكان النائبان زاهر الخطيب ونجاح واكيم بوقفتهما البطولية في مجلس النواب لإعلان رفض اتفاق السابع عشر من أيار يتصدّران مكانة رموز المقاومة من موقعهما في البرلمان، وكان في السياسة لمواقف الرؤساء سليمان فرنجية ورشيد كرامي وسليم الحص دور الضمير الوطني الحاضر في وجدان المقاومين وفي حضانة خيار المقاومة، وجاءت المساهمات الفنية الجليلة لكل من السيدة العظيمة فيروز والفنانة الراقية جوليا بطرس ولكتابات الشاعر الراحل جوزف حرب ورسوم الفنان الكاريكاتوري ناجي العلي أدوار لا تنسى.

الرافد الرابع الذي لا يزال أيقونة تلك المرحلة، بإضافته النوعية، بما قدّمه الحزب السوري القومي الاجتماعي، حيث تقدّم القوميون من اليوم الأول نحو الصدارة، بمعزل عن النقاش الدائر اليوم حول الحدث وانقسام اللبنانيين حوله، وحدث ذلك عندما بدا أن كل ما بناه الإسرائيليون ينهار مع انهيار المبنى الكتائبي في الأشرفية وأعلن رحيل الرئيس المنتخب بشير الجميل بصفته فاتحة ثمرات العصر الإسرائيلي، وخلال أيام قليلة عندما دخل الإسرائيليون إلى بيروت جاءت العملية المليئة بالمعاني للشهيد خالد علوان المعروفة بعملية الويمبي لتقول إن عاصمتنا لن تسقط ولن تصبح حديقة يتجول فيها جنود الاحتلال، وجاءت العملية البطولية لفاتحة عصر الاستشهاديات العروس سناء مجيدلي لتبث روحاً جديدة وتستنهض همماً جديدة، وتمهّد لعصر جديد ترجمته الانسحابات الإسرائيلية التي تلت الانسحاب من بيروت بمفاعيل ما تأسس مع عملية الويمبي.

يحتفل المقاومون بمرور خمسة وثلاثين عاماً على استشهاد سناء محيدلي، وهم يرونها اليوم كما الأمس كما الغد عروس الجنوب والمقاومة، ويكتبون للقوميين بأحرف المجد والغار دورهم الريادي في مسيرة المقاومة والتحرير، لكن ما لا يُنسى ولا يجب أن يُنسى هو أن الرافد الخامس الذي شكل حاضنة الجمع بين كل هذه الروافد كان وجود عمق استراتيجي لخيار المقاومة وفّرته سورية ودعمته إيران، عمق رعاه وسهر عليه قائد تاريخي هو الرئيس الراحل حافظ الأسد، له تحية الشهداء والمقاومين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى