مقالات وآراء

في الذكرى 55 لانطلاقتها قراءة في التجربة النضالية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة (1)

} رامز مصطفى*

ما خلفته نكبة فلسطين العام 1948، من ضربٍ لأسس البنية الاجتماعية لشعبنا الفلسطيني جراء احتلال أرضه وتشريده، من قبل اليهود الصهاينة. سعى الشباب الفلسطيني في مطلع خمسينات القرن المنصرم إلى الإنضمام للأحزاب والجيوش العربية، إيماناً أنه الحلّ المتوفر للمساهمة في تحرير فلسطين وإعادة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها، وما شهدته خمسينيات القرن الماضي من ثورات وطنية وأممية في فيتنام وكوبا والجزائر، محققة الانتصارات على قوى الاستعمار والرجعيات المتحالفة معها. الأمر الذي شكلّ بارقة أمل، فبدأت مجموعات من أبناء شعبنا تدعو إلى ضرورة البحث الجدي عن حلول تُسهم في تنظيم الشعب الفلسطيني، بهدف تحقيق آمالهم الوطنية والقومية. فمن قلب أزقة البؤس والتشرّد في مخيمات اللجوء، تفجّرت ثورة الشعب الفلسطيني إبداعاً ثورياً خلاقاً يبشر بفجر جديد لثورة شعبية، هي حرب الشعب طويلة الأمد في مواجهة العصابات الصهيونية المغتصبة لأرض فلسطين. ومن بين تلك المجموعات، كانت جبهة التحرير الفلسطينية التي تشكلت في العام 1959، وطرحت شعار تحرير فلسطين بأسلوب الحرب الشعبية. الأمر الذي جوبه بالاستهجان والعداء من قبل أحزاب عربية تقليدية كانت مسيطرة آنذاك، بأنّ مطلقي الشعار جماعات مرتبطة بأجهزة أجنبية.

بدايات عمل الجبهة شهدت مرحلة من العمل السري حتى العام 1965، بهدف الإعداد والتدريب لتهيئة الأجيال لثورة تواجه شكلاً جديداً من الاحتلال الصهيوني ببعديه الاستيطاني والإجلائي. من خلفية أنّ الجبهة آمنت أنّ السبيل الوحيد إلى تحرير فلسطين هو الكفاح المسلح، استعداداً لخوض الصراع مع المحتلّ الغاصب. لذلك أطلقت شعارها ثورة حتى تحرير الأرض والإنسان، بمعنى تحرير الأرض من دنس الاحتلال الصهيوني الغاصب، وتحرير الإنسان من كلّ معيقات تطوّره وتقدّمه ورفع الظلم عنه، رافعةً ثالوثها الكفاحي فداءعودةتحرير.

عقدت الجبهة مؤتمرها التأسيسي في 19 كانون الأول 1966، وفيه جرى تشكيل الهيئة التأسيسية، كهيئة قيادية تضمّ الكادر المركزي في الجبهة. وترأس المؤتمر آنذاك رفاق هم اليوم شهداء، علي بوشناق رئيساً، ويوسف طبل نائباً للرئيس، ورياض سعيد أميناً للسر. حيث اعتبر الرفاق الموجودين في هذا المؤتمر هم المؤسّسون للجبهة، حيث أطلق عليها اسم الهيئة التأسيسة لجبهة التحرير الفلسطينية، والتي ضمّت في صفوفها خمسة وعشرين رفيقاً، منهم من غادر الجبهة لأسبابه، ومنهم من غادرها شهيداً، ومنهم لا زال على رأس عمله، وهم الرفاق أحمد جبريل الأمين العام، والدكتور طلال ناجي الأمين العام المساعد، وعمر الشهابي أمين سر المكتب السياسي، وزكي الزين.

في ستينات القرن العشرين، طُرحت الجبهة بقيادة الرفيق أحمد جبريل، مبادئها الستة التي اعتبرت في حينه الأسس النظرية والسياسية والتنظيمية لتحالف وطني لمختلف طبقات الشعب الفلسطيني. وأطلقت عليها اسم المبادئ الإئتلافية، وتلخصت بتحمّل الشعب الفلسطيني المسؤولية الأولى عن قضيته، ومن ثم شعوبنا العربية، على اعتبار أنها قضية الأمة ومركزيتها، فاسحة أمام الأشقاء العرب الانخراط في صفوفها، وصل بعضهم إلى مراكز قيادية في الجبهة. ورفض كلّ أشكال الوصاية. وتحريم التكتلات والنشاط الحزبي. والتأكيد على مبدأ الديمقراطية والاستشارة من ضرورات تحقيق الانتصار. ورفض أنصاف الحلول، ومشاريع التسوية. وبالتالي ترك شكل الحكم لما بعد التحرير، يقرّره مجلس وطني. وإلى جانب المبادئ الستة أعلن عن الميثاق، في المؤتمر الأول للجبهة أواخر العام 1968، الذي شكلّ قفزة نوعية في المنطلقات النظرية للجبهة، من دون تبنيها لنظرية فكرية محددة.

في نهاية عام 1968 عقدت الجبهة مؤتمرها الأول، وأقرّت فيه برنامجها السياسي، أطلق عليه (الميثاق من 15 مادة )، أكدت فيه أنّ «الثورة المسلحة على العدوان والاستعمار، هي الطريق الوحيد، والحق المقدس لكلّ الفلسطينيين. وأنّ القضية الفلسطينية قضية قومية، والثورة الفلسطينية مرتبطة ارتباطاً، عضوياً ومصيرياً، بالثورة العربية، وهي أحد عناصرها. وأنّ الكيان الصهيوني، هو المخلب والرأس، الذي يشكله الاستعمار والإمبريالية، في الوطن العربي». ومنذ أيلول 1969 عقدت الجبهة 7 مؤتمرات، في أعوام 1971 و 1973 و 1979 و 1986 و 2005، 2010 .

وايماناً من الجبهة بأنّ المقاومة والوحدة الوطنية شرطان متلازمان لتحقيق الانتصار، فقد انخرطت الجبهة ومنذ بدايات انطلاقتها في عدد من التجارب الوحدوية الاندماجية، وكانت أولى هذه التجارب مع تنظيم حركة فتح، غير أنّ هذه الوحدة لم تصمد طويلاً. وعلى إثر هزيمة حزيران تداعت ثلاثة فصائل فلسطينية هي جبهة التحرير الفلسطينية وشباب الثأر التي كانت بمثابة التنظيم العسكري الفلسطيني لحركة القوميين العرب بقيادة الشهيد جورج حبش، وتنظيم أبطال العودة، ليشكلوا معاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. غير أنّ مسيرة هذا الائتلاف قد تعثرت نتيجة خلافات تنظيمية وسياسية، فحصل الطلاق الديمقراطي بينهم في تشرين الأول عام 1968. فتمسك كلا الطرفان باسم الجبهة، ومنعاً للالتباس ميّزت الجبهة اسمها بإضافة كلمة القيادة العامة، لتصبح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينالقيادة العامة. ومنذ ذاك التاريخ لم تشهد الساحة الفلسطينية تجارب وحدوية على الإطلاق.

وبسبب تعذر تحقيق الوحدة الوطنية، انخرطت الجبهة في تحالفات وإئتلافات جبهوية على أساس الرؤى السياسية الواحدة، المتناقضة مع رؤى سياسية بدأت بالتمظهر في الساحة الفلسطينية، وتحديداً بعد حرب تشرين عام 1973، والداعية إلى تبني البرنامج المرحلي وإمكانية الحلّ السياسي عبر المفاوضات مع العدو. فتشكلت جبهة الرفض الفلسطينية في العام 1974 من (القيادة العامة والجبهة الشعبية وجبهة النضال وجبهة التحرير العربية).

منذ انطلاقتها، اشتهرت الجبهة بالعمليات العسكرية النوعية، لا سيما العمليات التي سُميت «العمليات الإستشهادية»، التي أصرّت قيادة الجبهة ومن منطلق إيمانها بقومية الصراع، أن تكون تشكيلات هذه العمليات من مقاتلين عرب. عملية مطار اللد 1968، وعملية كريات شمونة (الخالصة) في 11 نيسان 1974، وعملية كفار شامير (أم العقارب) في 13 حزيران 1974، وعملية شهداء قبية التي نفذها خالد أكر، وميلود بن ناجح نومه في 25 تشرين الثاني 1987 مستخدمين طائرات شراعية، وهذه العملية كانت الملهم والشرارة للانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة)». ونفذت الجبهة أكبر عمليات تحرير للأسرى من السجون الصهيونية. ففي (14 آذار من عام 1979 كانت عملية النورس، وحُرر بموجبها 77 أسير)، مقابل أسير صهيوني هو «إبراهام عمرام أسرته الجبهة في 5 نيسان عام 1978»، خلال الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان «عملية الليطاني». أما العملية الثانية، (عملية الجليل في 20 أيار من عام 1985، وحُرر بموجبها 1150 أسير، ومن أبرز المعتقلين الذين تم إطلاق سراحهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين والعديد من قيادات العمل الوطني الفلسطيني من كافة الفصائل. والعلامة الأبرز كانت إرغام العدو على إطلاق المناضل الأممي الياباني كوزو اوكوموتو. كما تضمنت الصفقة، إطلاق سراح 50 من فلسطينيّي 48، و99 من دول عربية مختلفة و 6 من دول أجنبية). بالاضافة إلى عمليات إرسال السلاح إلى فلسطين إسناداً ودعماً لانتفاضة الأقصى العام 2000. والمساهمة في إسناد ودعم قوى المقاومة الوطنية والإسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، في مواجهة العدو الصهيوني المحتلّ لأرض الجنوب، والإنخراط المباشر في تنفيذ العمليات القتالية إلى جانب قوى المقاومة حتى التحرير في 25 أيار 2000.

*كاتب فسطيني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى